توفى الشيخ المغربى الأصل البوصيري بالإسكندرية سنة 695 ه/1295م عن عمر بلغ 87 عاما ودفن بمسجده هناك حيث ضريحه الذى أصبح مزارا للمحبين من جميع أنحاء القطر ارتبط الشعر بالعرب، لدرجة أنه وصف منذ القدم بأنه ديوانهم، إذ استخدموا فصاحتهم الشعرية واللغوية فى التعبير عن مختلف المواقف والمناسبات فى حياتهم، سواء فى الغزل أو الهجاء أو الرثاء، وكذلك فى المدح والثناء، ويندرج ضمن الحالة الأخيرة "المدائح النبوية"، وهى تلك القصائد التى أثرانا بها أصحابها فى مدح خير الأنام النبى الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم". والمدائح النبوية تطرق لها العديد من الشعراء منذ زمن النبوة وحتى يومنا هذا، ولعل أبرزهم على الإطلاق، الإمام البوصيرى، فى قصيدته "البردة" فى مدح المصطفى، والتى كتبها فى القرن السابع الهجرى. وصف الباحثون "البردة" بأنها الأشهر والأعجب فى الأدب العربي بين العامة والخاصة، وتناقلها أبناء ومريدو الطرق الصوفية وأحيوا بها حلقات ذكرهم. "مولاي صل وسلم دائما أبدا .. على حبيبك خير الخلق كلهم".. تتردد قصة كبيرة حول أسباب تأليف الإمام البوصيرى ل"البردة"، إذ يقال إنه كان يعاني من مرض عضال يصنف طبيا وصف الباحثون "البردة" بأنها الأشهر والأعجب فى الأدب العربي بين العامة والخاصة، وتناقلها أبناء ومريدو الطرق الصوفية وأحيوا بها حلقات ذكرهم. "مولاي صل وسلم دائما أبدا .. على حبيبك خير الخلق كلهم".. تتردد قصة كبيرة حول أسباب تأليف الإمام البوصيرى ل"البردة"، إذ يقال إنه كان يعاني من مرض عضال يصنف طبيا بالشلل النصفى وأراد أن ينظم قصيدة يستشفع بها عند الله تعالى ليشفيه، وعندما ألفها ودعا الله بها رأى النبى فى منامه يمسح على وجهه بيده المباركة وألقى عليه بردته، صلى الله عليه وسلم، وبعدما استيقظ البوصيرى من منامه الذى رأى فيه النبى يلقى عليه بردته وجد نفسه قد شفاه الله تعالى. مُحَمَّدُ سَيِّدَ الكَوْنَيْنِ والثَّقَلَيْنِ .. والفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ ومِنْ عَجَمِ نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلاَ أَحَدٌ .. أبَّرَّ فِي قَوْلِ لا مِنْهُ وَلا نَعَمِ هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ .. لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ دَعا إلى اللهِ فالمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ .. مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غيرِ مُنْفَصِمِ البردة التى أثرت قلوب الملايين، وصفتها الوهابية على لسان شيخها محمد بن عبد الوهاب ب"القصيدة الشركية"، ووصل الأمر إلى حد تكفير البوصيري نفسه، خلال نقدهم لها وللصوفية أكثر المستأثرين بالبردة، فيقول مؤسس الحركة الوهابية فى تفنيد القصيدة وإصباغها بالشرك: (وأما الملك: فيأتي الكلام عليه؛ وذلك أن قوله: "مالكِ يوم الدِين"، وفي القراءة الأخرى "ملك يوم الدين": فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله تعالى "وما أَدراكَ ما يوم الدِين. ثم ما أَدراك ما يوم الدِين. يوم لا تملك نفس لِنَفس شيئا والأَمر يومئذ للَّه" الانفطار17 – 19). ويتابع: (فمن عرف تفسير هذه الآية، وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره: عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها، فيا لها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من 20 سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعنى، والإيمان، بما صرح به القرآن، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا": من قول صاحب البردة). وذكر الأبيات التالية: ولَن يَضِيقَ رسولَ اللهِ جاهُكَ بي .. إذا الكريمُ تَجَلَّى باسمِ مُنتَقِمِ فإنَّ لي ذِمَّةً منه بتَسمِيَتِي .. مُحمَّدَا وهُوَ أوفَى الخلقِ بالذِّمَمِ إنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَا بِيَدِي .. فَضْلا وإلا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ وعقب مؤسس الوهابية، معلقا على الأبيات التى اجتزأها للتعبير عن رؤيته النقدية ل"لبردة”: (فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعى أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن: هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: "يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله"، وقوله: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا"؟! لا والله، لا والله، لا والله، إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمَدا صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق، لا والله ما استويا، ولن يتلاقيا، حتى تشيب مفارق الغربان). واختتم: (فمن عرف هذه المسألة، وعرف البردة، ومن فتن بها: عرف غربة الإسلام). -النص من "تفسير سورة الفاتحة" من "مؤلفات محمد بن عبد الوهاب"-. وتبع عبد الوهاب تلامذته والسائرون على دربه فى تكفير "البردة"، فيقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: (فقد بلغنا من نحو سنتين: اشتغالكم ببردة البوصيرى، وفيها من الشرك الأكبر ما لا يخفى". وكفر الشيخ عبد العزيز بن باز، البوصيرى، صراحة فى استعراضه لأبياته قائلا: (قد أخطأ البوصيري في "بردته" حيث قال: "فإن لي ذمة منه بتسميتي.. محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم")، متابعا بأنه أخطأ خطأ أكبر من ذلك، وسرد الأبيات التالية: يا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به .. سِوَاكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ إنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَا بِيَدِي .. فَضْلا وإلا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها ... ومن علومك علم اللّوح والقلم وأوضح: (فجعل هذا المسكين لياذه في الآخرة بالرسول صلى الله عليه وسلم دون الله عز وجل، وذكر أنه هالك إن لم يأخذ بيده، ونسي الله سبحانه الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع، وهو الذي ينجي أولياءه، وأهل طاعته، وجعل الرسول مالك الدنيا والآخرة، وأنها بعض جوده، وجعله يعلم الغيب، وأن من علومه علم ما في اللوح والقلم، وهذا كفر صريح، وغلو ليس فوقه غلو). وأفتى بن باز (إن كان مات على ذلك، ولم يتب: فقد مات على أقبح الكفر، والضلال) محذرا كل مسلم من أن يغتر ب"البردة "، وصاحبها. الصوفية تواجه اتهامات الوهابية رد الموقع الرسمى الناطق بلسان الأشاعرة "السادة الأشاعرة – جمهور أهل السنة والجماعة" فى مقالة على مهاجمهى البردة ومن وصفوها بالشرك، ذكرت: "إن كانت البردة الشريفة للبوصيرى شركا كما يدعى الوهابية فيكون علماء الأمة كلهم مشركين"، مدللين على ذلك بذكر قائمة طويلة تضم "بعض العلماء وأئمة الدين الذين رووا هذه القصيدة (البردة) وأثبتوها في كتبهم، وسمعوها مع سماعهم للكتب"، بحسب الموقع. واختتمت المقالة بتساؤل: "هؤلاء علماء الأمة ليسوا ممن يجهلون الشريعة وليسوا مخدوعين في دينهم. ولعل هذه مناسبة جدية حتى يعرف البعض كم هو بعيد عن الأمة وكم هو مخدوع في دينه وكم هو مقلد تقليدا أعمى من حيث لا يعلم". الشيخ محمد سعيد البوطى يرد على الوهابية ويدافع عن البوصيري واجه الشيخ الراحل أكرم عقيل، شيخ الطريقة البرهامية، من هاجموا "البردة"، فى مقالة منشورة له على موقع "الصوفية"، واصفا إياهم بأصحاب العقول السقيمة، إذ قال: (في هذه البردة أبيات ترد على أصحاب العقول السقيمة الذين يقولون إن في هذه المدائح ما فيها غلو ومبالغة في مدح الرسول، صلى الله عهليه وسلم. والمحزن حقا أنه جرى على ألسنة قوم يعتقدون بذلك أنهم يدافعون عن التوحيد، فمتى كان النبى سببا في ضياع توحيد أحد من أمته وهو مطهر التوحيد الأعظم، والدال عليه، والمرشد إليه". وأكمل بمجموعة من الأبيات للبوصيرى، قال إنها جاءت "لتخرس ألسنة الجهال": دع ما ادعته النصارى في نبيهم .. واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف .. وانسب إلى قدره ما شئت من عظم فإن فضل رسول الله ليس له .. حد فيعرب عنه ناطق بفم واختتم عقيل، مقالته قائلا: "وما زالت مجالس المديح منعقدة في كل بقاع العالم الإسلامي، هذا يقرأ البردة، وهذا يقرأ قصة مولده الشريف، وهذا ينشد المدائح في وصفه، فتتعلق به القلوب، وتهتز الأرواح وتسبح في محراب التبتل والسمو تطلعا لأوصاف كماله وجماله"، متابعا: "وكم من أناس كانت مثل هذه المجالس سببا في توبتهم ورجوعهم إلى الله، مما أفاض الله فيها من بركات ونفحات أصابت قلوب من شاء من عباده، فكان وما زال هذا الحبيب سببا في الهداية ودالا عليها". دفن البوصيري بمسجده، الذي أصبح مزارا للمحبين من جميع أنحاء القطر، حيث يقع على شاطئ البحر بحي الأنفوشي في الإسكندرية، في مواجهة مسجد أبي العباس المرسى، ويأخذ نفس الشكل المعماري تقريبا.