يوم 16/5/2011، وفى حفلة تخرج دفعة جديدة من كلية الشرطة، تحدث سيادة المشير، لأول مرة بعد الثورة، وأهم ما فى نص خطابه: «إحنا الحمد لله ربنا وفقنا، ماكانش القرار فردى، ولا قرار عشوائى، وكان فى منتهى الصعوبة، وإحنا اجتمعنا، وخدنا آراء بعضنا، والشىء المشرّف، إن كل المجموعة، اللى هيه بتاعة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كلها، كان القرار بتاعها، لا، لا نفتح نيران على الشعب، وكان هذا هو القرار». وفى يوم 17/5/2011 صدرت الرسالة رقم «52» للمجلس العسكرى، وفيها تأكيد «انحياز القوات المسلحة إلى الثورة منذ انطلاقها والرفض الكامل بإجماع آراء أعضاء المجلس الأعلى لإطلاق النيران على أبناء هذا الشعب العظيم». فكيف يمكن للناس أن تفهم هذا الكلام؟ المعنى الواضح لصدور قرار صعب ليس من المشير وحده، ولكن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة مجتمعا، وبعد حوار ونقاش ومداولة، ينتهى رأيهم جميعا إلى قرار واحد، هو «لن نفتح النيران على الشعب».. إذن لا بد أن ثمة قرارا آخر كان قد صدر لهم بفتح النيران على الشعب. وبعد كلمة المشير الشهيرة شعر الناس بالتقدير والامتنان للدور الوطنى العظيم الذى قام به المشير، والمجلس العسكرى، حين صدر إليهم أمر من الرئيس المخلوع، إذ لا يوجد فى البلد من يستطيع أن يأمرهم سواه، ولكنهم رفضوا جميعا تنفيذ أمره بضرب الثوار بالنار، لأنه أمر يتعارض مع شرفهم العسكرى، كما يتعارض مع الوطنية، والإنسانية، والمنطق السليم. إلى أن ذهب سيادة المشير إلى المحكمة، بعد اعتذاره بطريقة غير مقبولة، ذهب وحلف اليمين، وقال شهادته «السرية». ولكن الشعب كله عرف ما قاله المشير، ليس فقط من خلال آلاف مواقع النت، ولكن من احتفال جماعة «آسفين يا ريس»، وكذلك من الحركة البذيئة التى ارتكبها جمال مبارك فى مواجهة محامى الشهداء، تعبيرا عن شعوره بالانتصار عليهم! فى هذه اللحظة شعر شعبنا أن المشير ضحك عليه! فكيف يقول لنا فى خطابه شيئا، ثم يقول أمام المحكمة شيئا آخر! وهكذا أصبح الرجل فى موقف صعب للغاية، ومن ثم حدث أمر فى غاية الغرابة، إذ فجأة خرج علينا مصطفى بكرى بشريط آخر غير الذى شاهدناه مرارا، وفى هذا الشريط، الذى يقول إنه النص الأصلى لكلمة المشير فى كلية الشرطة، يقول المشير «لم يطلب منى أحد شخصيا، ولم يُطلب من القوات المسلحة أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، استخدام النيران ضد المتظاهرين»، وقد أكد المشير فى خطابه أيضا أن «هذه شهادة حق، وشهادة صدق، وأن الله تعالى سيحاسبنا عليها، وأنا أمين على ذلك»! والسؤال الآن: من هذا الذى يستطيع أن يحذف جزءا من خطاب المشير؟! وكيف يصمت المشير على هذا الحذف لأهمّ ما جاء فى خطابه؟! ثم كيف يمكن لنا أن نفهم هذا التناقض بين: «لا توجد أوامر باستخدام النيران»، وصدور القرار الصعب من المجلس العسكرى بالإجماع بعدم فتح النيران؟!