رغم أن أنيس منصور لم يكن مقربًا من الرئيس الأسبق حسني مبارك بصفته صانع قرار، كحاله مع أنور السادات، فإنه كان مقربًا من مجالسه ومناسباته وحواراته. لم يكن أنيس منصور (المولود في مدينة المنصورة 18 أغسطس 1924) مجرد كاتب صحفي، أو رئيس تحرير عدة مجلات وصحف، منها (الجيل - هي - آخر ساعة - أكتوبر - الكواكب - العروة الوثقى - الكاتب)، أو أستاذ جامعي، أو أديب كبير، أو فيلسوف، فحسب، فقد أسهمت معاصرته لمثقفين وأعلام كبار ومعاصرته عهد الملكية، وحكم جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، في تشجيعه على التحصيل العلمي والمعرفي وتنويع اهتماماته، وأعطته تميزًا وعمقًا وتنوعًا في مجالات الكتابة في السياسة والفكر والثقافة والأدب والفلسفة والاقتصاد، وغيرها. وفي تقرير سابق لنا، يمكنك مطالعته من هنا، تطرقنا إلى علاقته الوثيقة بالسادات، وكونه أحد أهم المقربين له.. وفي السطور التالية نتعرض لمعاصرته لفترة حكم مبارك، وصولًا إلى سعادته بسقوطه وانهيار ملكه حينما قامت ثورة 25 يناير 2011. علاقة أنيس منصور، بالرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت هادئة لم تتطور وفي تقرير سابق لنا، يمكنك مطالعته من هنا، تطرقنا إلى علاقته الوثيقة بالسادات، وكونه أحد أهم المقربين له.. وفي السطور التالية نتعرض لمعاصرته لفترة حكم مبارك، وصولًا إلى سعادته بسقوطه وانهيار ملكه حينما قامت ثورة 25 يناير 2011. علاقة أنيس منصور، بالرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت هادئة لم تتطور أبدًا إلى الحميمية، ولم تتهدم تمامًا إلى حد القطيعة، ولكنها تغيرت ببطء شديد إلى اتجاه التباعد منذ توليه حتى تنحيه، البداية كانت جيدة، حيث رافق مبارك في بعض أسفاره، منها إلى تورينتو في أثناء الزيارة الوحيدة التي قام بها إلى كندا في عام 1983، ثم تمت تنحيته عن رئاسة تحرير مجلة "أكتوبر" التي أنشأها له السادات وقام بتعيينه رئيسًا لتحريرها، وذلك عام 1984. عقب ذلك، تولى أنيس منصور، لفترة وجيزة، رئاسة تحرير جريدة "مايو" (جريدة الحزب الوطني)، وفجأة تمت تنحيته عن هذا المنصب في عام 1988، وتولى رئاسة التحرير خلفًا له سمير رجب، ووفقًا لكتاب "أنيس منصور كما لم يعرفه أحد" للكاتب عاصم بكري، فإن "أنيس قد انزعج كثيرًا من هذا القرار، وتضايق أكثر من أنه تنازل قبلها ووافق على أن يتولى رئاسة تحرير مايو، وحينما ذهبت إليه قال لي: (لقد عدّلوا وضعًا مقلوبًا وأصلحوا شيئًا بغيضًا مغلوطًا، لقد كنت مثل وزير للتعليم العالي حكموا عليه بأن يتولى رئاسة كُتّاب الشيخ حسن، فأنا أشكرهم لأنهم استشعروا حرجي من تولي الكُتّاب، وضيقي بالأمر الواقع، فأعادوني إلى مركزي ومكانتي الحقيقية)". لقد شكّل الحدث إذن انتكاسة أولى حقيقية في علاقة أنيس منصور بنظام مبارك، وفهم الرسالة جيدًا بأن هناك أطرافا جددا سوف يلعبون أدوار البطولة، وبات منذ هذا الحين يبتلع أي شيء يتعرض له في صمت، فحسب عاصم بكري، كان أنيس منصور كاتبًا في "الأهرام" التي ترأس تحريرها في تلك الفترة إبراهيم نافع، وبينما يتصاعد مرتب الأخير إلى أرقام خيالية، فإن أنيس ظل يتقاضى مرتبًا تقليديًا غير لائق حتى أواخر حكم مبارك، حتى بادر أحد الكُتاب وأخبر مبارك في أثناء اجتماع له مع كبار الصحفيين، وحينها وجه مبارك كلامه إلى نافع قائلًا: "معقول يا إبراهيم؟ لا بد من زيادة مرتبه"، بينما أنيس منصور يسمع الحوار الدائر ويبتسم في هدوء وسخرية ويعتبر الأمر متأخرا للغاية. كان يتجنب أنيس منصور في حواراته الخاصة أي تقييم لشخص مبارك وزوجته أو أولاده، ففي الوقت الذي انتشرت فيه أقاويل حول تصرفات الابن الأكبر للرئيس الأسبق، علاء مبارك، وأنه ضالع في معظم الصفقات التجارية الكبرى في البلاد، قال أنيس عن ذلك: "ده كلام فارغ ويأتي من أناس فارغين، علاء هذا يصورونه على أنه شيخ منصر كبير، وعنده نهم فظيع لامتلاك كل شيء، والحقيقة أن هذا كله كلام فارغ، بل إن الولدين علاء وجمال في منتهى الأدب، وواضح جدًا أنهما تربيا تربية ممتازة"، وفقًا لعاصم بكري، 2016. كتب أنيس منصور ثلاث مقالات قصيرة عن خطب مبارك، ضمنها بعد ذلك في كتابه "آه لو رأيت"، وختم مقاله "حاضر يا ريس"، بقوله: "أذكر أن الرئيس مبارك، عقب مقال دعوت فيه الناس إلى أن يكفوا عن أكل اللحم، أن طلب مني أن أمضي في هذه الدعوة، قال لي: اكتب، فقلت له: حاضر يا ريس". ويقول أنيس منصور، في كتابه "عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا": "في مؤتمر صحفى للرئيس مبارك حضره 300 من الإعلاميين وقبل أن يجلس على المنصة، تساءل: أين أنيس منصور؟ فرفعت يدي، قائلًا: أيوه يا ريس، قال: يا أنيس أرجوك في عرضك.. كفاية مقالات عن عبد الناصر، إنها تسبب لي صداعًا، كفى، فكل رئيس له أخطاؤه، كفى، رد أنيس، حاضر يا ريس، ولكني انتهيت منها، وبدأت سلسلة أخرى، قال الرئيس: كفاية بقى". وحسب كتاب "أنيس منصور كما لم يعرفه أحد"، فإنه قد جمع لقاء سابق بين أنيس منصور، وجمال مبارك، في أثناء حكم والده، في إحدى المناسبات، وحينما سلم عليه الابن، قال له أنيس: "قول لبابا يخف المسائل شوية الفترة دي"، وبعدها بأيام قابل الزوجة سوزان مبارك، وحينها سألته عن معنى الرسالة التي حمّلها لجمال، فقال لها: "هو قالك؟"، فأجابت: "أيوه، إنت صحيح كنت تقصد إيه؟"، ولكنه لم يُوضح وأراد ألا يُجيب. هذه العلاقة، وآراء أنيس منصور حول مبارك وأسرته، تغيّرت فيما بعد، وبالتحديد في جمال مبارك، في السنين الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق، مع تنامي فكرة التوريث، وقال أنيس منصور حينها: "الولد لا يصلح، هو ليس قائدًا شعبيًا، وليس قادرًا على الالتحام مع الجماهير، ولن يكون مقبولًا من الناس". ورغم أن أنيس منصور لم يكن مقربًا من الرئيس الأسبق حسني مبارك بصفته صانع قرار، كحاله مع أنور السادات، إلا أنه كان مقربًا من مجالس الرئيس ومناسباته وحواراته، كما أنه حصل على جائزة مبارك في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2001. "وكنت أُقارن بين الرؤساء الثلاثة عبد الناصر والسادات ومبارك، فأقول: عبد الناصر يجلس وراء مكتبه، ومبارك يجلس أمام مكتبه، والسادات يترك مكتبه ويجلس تحت شجرة".. أنيس منصور من كتاب "القلب لا يمتلئ بالذهب". وحسب كتاب "آخر 200 يوم مع أنيس منصور" للدكتور مجدي العفيفي، فإن أنيس منصوركان يتعجب من المحابس الثلاثة المحيطة بحسني مبارك، سجنه وندمه ومحاكمته، وذكر أنه على أية حال فقد ترك الحبل على الغارب لزوجته التي سعت لتولية ابنها الحكم كما فعلت باربرا بوش أم جورج بوش بأمريكا، كما كان يرى أن مبارك أسوأ من سابقيه وخاصة بالعشر سنوات الأخيرة من حكمه، خاصةً أنه لم يكن في يوم قانعًا بما أتاه الله من مال، بخلاف سابقيه ناصر والسادات، فقد مات الأول وليس بخزانته شيء من حطام الدنيا، واستشهد الثاني وكان يقرر أن يترك الرئاسة ويعيش حياته كمواطن عادي. ووفقًا لسليمان جودة، في مقالة ب"الشرق الأوسط"، أكتوبر 2011، فإن الناشر الراحل أحمد يحيى، صاحب دار "المكتب المصري الحديث"، التي نشرت لأنيس منصور أهم كتبه، منها "حول العالم في 200 يوم، في صالون العقاد كانت لنا أيام، عاشوا في حياتي" وغيرها، قال إنه بعد رحيل السادات، أسرع إلى أنيس منصور في بيته في حي الهرم، وصارحه بأن دور النشر العالمية بدأت تطلب منه إعداد كتاب عن السادات يخرج على قدر عمق علاقته به، فصمت أنيس قليلًا، ثم قال عبارة ظل يرددها إلى يوم رحيله: "يجب مراعاة فروق التوقيت". قصد أنيس منصور أن الظروف غير مناسبة لإخراج ما يعرفه، وحين سُئل بعد ذلك، عن السبب الذي يؤخر كتابه عن السادات، كان يقول دائمًا، إن حسني مبارك طرف مباشر فيما يريد أن يكتبه، لأنه كان نائبًا للسادات وقاسمًا مشتركًا في أغلب الأحداث التي سيكتب عنها، وليس من الممكن إصدار كتاب يتكلم عنه، في كثير من سطوره، بغير استئذانه، وكان أنيس، كلما ذهب يستأذن مبارك، كان يستمهله، ويطلب منه الانتظار، إلى أن غادر مبارك الحكم. بعد ثورة 25 يناير، صرح أنيس منصور، بأنه يجهز لكتاب كامل يقول فيه ما لديه عن حسني مبارك، لكن الأقدار لم تمنحه الفرصة، وإن كانت دلتنا على ما يمكن أن يقوله في حق الرئيس الأسبق، حيث وصفه في آخر حوار صحفي له بأنه "حرامي بجح"، ورحل أنيس منصور في 21 أكتوبر 2011، ومعه ثروة من الأسرار.