أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 11 يوليو    نتنياهو يتعهد بهزيمة حماس فيما لا يزال 20 رهينة على قيد الحياة    بشرط تعجيزي، نيوكاسل يدمر "التوقيع الحلم" لمدرب ليفربول آرني سلوت    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم محيط مخيم بلاطة شرق نابلس شمال الضفة الغربية    بكام الفراخ النهارده؟ أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية الجمعة 11-7-2025    جلطات وضباب في دماغي وما كنتش قادر أقف، آدم الشرقاوي يتحدث لأول مرة عن أزمته الصحية    وزير الري: عدد الشكاوى من المياه انخفض بشكل كبير للغاية الفترة الماضية    ترامب: كندا ستواجه رسومًا جمركية بنسبة 35% اعتبارًا من 1 أغسطس    بحيرات صناعية وسدود، مشروعات تنموية كبرى بمدينة مرسى علم بتكلفة 640.5 مليون جنيه    رابط نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025 الدور الأول.. تجاري وصناعي وزراعي وفندقي    السيطرة على حريق بورشة السكة الحديد بطريق الحسينية في الزقازيق    قفزة كبيرة ل الدولار الأمريكي اليوم الجمعة 11-7-2025.. وهبوط بقية العملات الأجنبية    ياسمين الخطيب للمطربين الراغبين في «التوبة»: «ما تتوب هو حد ماسكك؟»    آمال ماهر: «الأمومة حاجة حلوة وبتفرح لكن فيها تعب ومسؤولية»    نجم الأهلي لمصراوي: "زيزو ضربة موجعة للزمالك.. وخطأ كبير يسألون عنه"    «مش عايزين نقول الأهلي اللي عملك».. تعليق ناري من طارق يحيى بشأن أزمة وسام أبوعلي    حماس: تصريحات نتنياهو تؤكد نيته بوضع العراقيل .. وشهداء إثر قصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين    مسؤول إسرائيلي: اليورانيوم الإيراني نجا من الهجمات الأمريكية    في جولة داخل المبنى، حجم الأضرار بسنترال رمسيس بعد تجدد اشتعال النيران (فيديو وصور)    سائق توك توك يشرع في قتل زوج شقيقته بسبب مبلغ مالي بسوهاج    وفاة طالب هندسة إثر سقوطه من سيارة خلال نقل منقولات زفاف بالفيوم    «الطقس× أسبوع».. شديد الحرارة والرطوبة والأرصاد تحذر من الشبورة والرياح بالمحافظات    السيطرة على حريق في مصنع كيما أسوان    الأوقاف تفتتح 8 مساجد اليوم الجمعة ضمن خطتها لإعمار بيوت الله    تردد قناة MBC Action hd الناقلة لمباراة نهائي كأس العالم للأندية 2025    ممدوح عباس: المدير الرياضي المسؤول الأول والأخير عن الصفقات    الصحة: ولادة توأم ملتصق من الصدر والبطن بنجاح في مستشفى الفيوم العام    اختراق علمي، دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لسنوات    سجل الآن، موقع التنسيق يفتح باب التسجيل لاختبارات القدرات    الجبهة الوطنية بالبحيرة يناقش استعدادات الحزب لانتخابات مجلس الشيوخ    باسم مرسي: فيريرا كان له دور كبير في مسيرتي وتعرضت للظلم مع المنتخب    أول تعليق من وائل القباني بعد غيابه عن تكريم الزمالك للرمادي وجهازه    «الوطنية للصحافة»: بدل التدريب والتكنولوجيا عن شهر يولية 2025 الاثنين المقبل    عاجل.. " المركزي "يثبت أسعار الفائدة لدعم استقرار التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي.. البيان كاملًا    منة عرفة تنشر إطلالات جريئة مختلفة على البحر من إجازتها الصيفية والجمهور يعلق    تنسيق الجامعات 2025، ضوابط وقواعد أداء اختبارات القدرات بكلية علوم الرياضة    "الإخوان المسلمون" : لا صلة لنا ب"حسم" ونلتزم بالعمل السلمي في مواجهة الانقلاب    طريقة عمل البان كيك، لإفطار خفيف ومغذي في الصيف    نجاح ولادة نادرة لتوأمين ملتصقين بمستشفى الفيوم العام    مجلس إدارة الزمالك يشكر الجنايني وإمام وميدو    لبنان.. توغل جرافات إسرائيلية جنوب بلدة عديسة    مدحت العدل يحيي ذكرى وفاة شقيقه سامي العدل ب"قصيدة حب"    لماذا حرم الله الربا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم من حج ولم يزر قبر النبي صلى الله عليه وسلم .. أمين الفتوى يٌجيب    انطلاق معرض «ديارنا» للمنتجات البيئية اليدوية في مطروح.. صور    ذعر جديد في رمسيس.. حريق جزئي داخل السنترال يعيد كابوس الانقطاع    "بيان حسم".. محاولة بث الحياة في تنظيم ميت    وزير الري: مصر تأثرت بملء السد الإثيوبي والأمطار خففت حدة الأزمة    رسميا بعد قرار المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 11 يوليو 2025    طائرات بدون طيار وصواريخ.. القصف الروسى لأوكرانيا عرض مستمر    ما حكم إفشاء الأسرار الزوجية؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    خالد الجندي: إذا خاطب الله عبده يوم القيامة فهو في دائرة الأمن والأمان    ساويرس و3 آخرين .. هؤلاء يملكون ثروة تعادل ممتلكات نصف سكان القارة السمراء    لماذا نحتاج إلى الثقافة (9).. عندما تغيب ثقافتنا نتوهم فوز الآخر    «بعد 25 سنة بالقائمة الحمراء».. القصة الكاملة لإعادة موقع أبو مينا الأثري لسجل التراث العالمي باليونسكو    خبير اقتصادي صيني: تسريبات ترامب "دعائية".. والصين ترفض الهزيمة الروسية    تعزز صحة الكبد- 3 توابل أضفها إلى طعامك    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب: لماذا أهان أنيس منصور حسني مبارك؟
نشر في البوابة يوم 29 - 08 - 2015

* قارن بينه وبين عبدالناصر والسادات عله يجد فيه شيئًا عظيمًا.. لكنه لم يجد
* يقول: الحقيقة أن الرئيس مبارك لا دخل له في كل الذي كتبت.. لا سألته ولا أطلعته على شىء قبل أن أكتب.. والرئيس مبارك صادق حين يتحدث عن حرية الصحافة
* صرح بعد ثورة يناير بأنه يجهز لكتاب كامل عن مبارك.. يقول فيه ما لديه عن الرئيس الأسبق.. لكن الأقدار لم تمنحه الفرصة أو أنه هو الذي قرر ذلك
لم يكن أنيس منصور قريبا من الرئيس مبارك، بنفس درجة قربه من الرئيس السادات، لكنه في الوقت نفسه لم يكن بعيدا عنه، صحيح أنه لم يكن أحد رجاله، فلم تكن قدرات مبارك العقلية تطيق أن يكون إلى جواره كاتب في ثقافة وموسوعية أنيس، كان الرجل بسيطا إلى درجة السطحية، وأمثاله لا يرحبون بأصحاب الأفكار، وربما لهذا كان معظم ما كتبه أنيس عن مبارك يدخل في مساحة التنكيت والحكايات المسلية، ولا مانع بالطبع من بعض الحوارات والمواقف الجادة، لكنها أبدا لم تكن الأساس.
في كتاباته المتفرقة حاول أنيس أن يظهر نفسه بمظهر القريب من مبارك، لكن محاولاته لم تصل به إلى إقناعنا بأنه لعب في حياته دورا مؤثرا أو له قيمة. في كتابه «آه لو رأيت» ختم أنيس مقاله «حاضر يا ريس» بقوله: أذكر أن الرئيس مبارك، عقب مقال دعوت فيه الناس إلى أن يكفوا عن أكل اللحم، أن طلب منى أن أمضى في هذه الدعوة، قال لى: اكتب، فقلت له: حاضر يا ريس.
هل يعنى ما يقوله أنيس أنه كان يكتب بتوجيهات من مبارك؟
- يمكن أن نقول هذا، فقد كرر أمر اتصالاته بمبارك كثيرا بخصوص أمور تتعلق بما يكتبه، لكن الأخطر أن أنيس امتنع أحيانا عن كتابة أشياء بعينها، بعد طلب مباشر من مبارك، والحكاية له هو، وليست من عندى.
يقول في كتابه «عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا»: «الحقيقة أن الرئيس مبارك لا دخل له في كل الذي كتبت، لا سألته ولا أطلعته على شىء قبل أن أكتب، والرئيس مبارك صادق حين يتحدث عن حرية الصحافة، لا شك في ذلك، لا تدخل ولا يتدخل ولا يحاسب أحدا عن الذي قال، حتى إذا ضاق بما كتبه فلان فإنه يقول لى، ولا بد أن يقول لغيرى أيضا، فلان هذا ليس منصفا، ولا هو عادل في الذي كتب، ولكنه حر، ولن أراجعه، وأنت لا تقل شيئا على لسانى».
هل كان أنيس صادقا في ما يقول؟
- ليس كل الصدق بالطبع، إنه وبعد سطور قليلة وفى نفس الصفحة من الكتاب -الصفحة 10 من طبعة دار نهضة مصر- يقول: «في مؤتمر صحفى للرئيس مبارك حضره 300 من الإعلاميين وقبل أن يجلس على المنصة، تساءل: أين أنيس منصور؟، فرفعت يدى قائلا، أيوه يا ريس، قال: يا أنيس أرجوك في عرضك، كفاية مقالات عن عبدالناصر، إنها تسبب لى صداعا، كفى، فكل رئيس له أخطاؤه، كفى، رد أنيس، حاضر يا ريس، ولكنى انتهيت منها، وبدأت سلسلة أخرى، قال الرئيس: كفاية بقى.
ولأن أنيس يعيد ويكرر، فهو يضيف للحكاية كل مرة تفاصيل جديدة، في كتابه «في انتظار المعجزة»، روى هذه الواقعة نفسها، بطريقة أخرى، يقول: «أذكر أنه في مؤتمر صحفى طلب منى الرئيس مبارك أن أكف عن الكتابة ضد عبدالناصر، وكنت أيامها أنشر مسلسل ("عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا" في "أخبار اليوم"، وقلت له: خلاص يا ريس أنا بدأت مسلسلا جديدا، فقال: عن عبدالناصر؟ لا كفاية، قلت: لا مسلسل آخر يا ريس.
كان مبارك يتدخل- ولو على استحياء- لكنه في النهاية كان يتدخل.
لم يخصص أنيس منصور كتابا كاملا عن مبارك، صرح بعد ثورة يناير بأنه يجهز لكتاب كامل يقول فيه ما لديه عن الرئيس الأسبق، لكن الأقدار لم تمنحه الفرصة، وإن كانت دلتنا على ما يمكن أن يفعله أنيس بمبارك، فقد وصفه في حوار صحفى بأنه حرامى بجح، وعليه فكان من المنتظر أن يكتب ما لديه من أسرار عن فترة مبارك، تلك الأسرار التي امتنع عن ذكرها أو كتابتها طوال ثلاثين عاما كان مبارك يحكم خلالها مصر، وكان أنيس يكتب دون انقطاع، وسيكون من البلاهة أن نسأل: لماذا لم يكتب أنيس ما لديه ومبارك في السلطة؟ ببساطة لأن مثل هذا السؤال لا يمكن أن نضعه على هوامش كاتب مثل أنيس منصور.
فلم يكن أنيس منصور- ككاتب- شجاعا بما يكفى، فكل المعارك التي خاضها مع سياسيين كانت مع أموات، لا يقترب منهم إلا بعد أن يأمن مكرهم وشرهم وانتقامهم.
وهنا يأتى السؤال: كيف كان أنيس منصور ينظر إلى حسنى مبارك؟
كتاباته تقودنى إلى ما كان يراه، ودعونا نتوقف أمام بعضها.
- في كتابه «أتمنى لك»، يشير أنيس منصور إلى أنه عرف باسم السباحة رانيا علوانى من الرئيس مبارك شخصيا، كان هو الذي دله عليها، وعرفه بها، ولم يستنكر أنيس هذا، فهو يعرف -كما قال- أن الرئيس مبارك رجل رياضى ويهتم بالرياضيين.
حاول أن يقارن أنيس منصور بين الرؤساء السابقين، ومن السهل أن تستنبط مراده من ذلك، فقد أراد أن يجد له ميزة بينهم.
عندما قارن بينه وبين السادات، قال: هات خطب الرئيس مبارك منذ تولى الحكم، فسوف تجد خيطا ذهبيا في نسيجها، هذا الخيط هو أن يطلب العمل والمزيد من الإنتاج، وهو لا يلح على هذا المعنى، وهذا الهدف، إلا لأنه لا يجدنا عاملين، ولا يجدنا نساعد الدولة وأنفسنا على أن نطفو ونسبح ونتقدم.
نقل أنيس منصور للرئيس مبارك رأى السادات فيه أيام كان نائبا، فقد كان السادات يقول ردا على الذين يحقدون على حسنى مبارك: لو فتشت مصر كلها فلن أجد من هو أحسن من حسنى مبارك إخلاصا وتفانيا وحسن تصرف.
أنيس هو المسئول وحده عن ما قاله ونقله، فقد قاله له السادات، لم يشهد أحد عليهما، أراد فقط أن يثبت شيئا إيجابيا لمبارك، في عصره وعلى عينه، وما يؤكد ذلك أن أنيس يكمل في مقاله: «وقد صدقت نبوءة السادات، وحسنى مبارك لا يسعده أن يقال له: يا حلاوتك يا جمالك يا عظمتك، ويا خيانة ودمار وخراب أنور السادات، إنه لا يصدق ذلك».
ومن السادات ومبارك إلى مبارك وجمال عبدالناصر.
يرى أنيس أنه لا يوجد وجه للشبه بين أسلوب الرئيس مبارك والرئيس عبدالناصر في أسلوب الحكم، ولا موقفيهما من الصحافة والحرية، رغم أن المزيفين للتاريخ يحاولون أن يجدوا أوجه للشبه بينهما.
يحاول أن يمجد أنيس في مبارك بالطبع، لكنه قبل أن يفرغ لهذه المهمة، يلخص بعضا من ثأره من عبدالناصر.
يذكر أنيس أنه بعد تأميم الصحافة جمعهم الرئيس عبدالناصر، وسألهم سؤالا واضحا وصريحا: هل تريدون الإبقاء أو الإلغاء للرقابة على الصحف؟ فصرح الجميع: بل رقابة يا ريس، لأن الحقيقة -كما يرى هو- لم يكن أحد ليجرؤ أن يقول عكس ذلك.
ويجيب أنيس عن سؤال: لماذا طلب الصحفيون بأنفسهم الإبقاء على الرقابة؟
يقول: «طلبنا أن يبقى الرقيب في كل صحيفة، لأنه هو الوحيد الذي يعرف ما هو المسموح بنشره وما هو الممنوع، فيشطب كما يريد، أما إذا لم يكن هناك رقيب تعرضت الصحيفة عند الطبع لمن يوقف المطبعة ويمنعها من الصدور».
ويكمل أنيس ما لديه: «وفى إحدى الليالى حذف الرقيب صفحتين من مجلة الجيل، فما كان من الرقيب إلا أن تفضل مشكورا وكتب عن الشاعر عبدالحميد الديب، وظلت المطبعة واقفة ونحن نستعجله أن يكتب ما يشاء وبسرعة ونحن نساعده على أن نملأ الباقى بصور للديب، ولم نجد صورا له، فطلبنا إليه أن يضع في هذا المقال أسماء الأدباء: العقاد وطه حسين والحكيم والمازنى، وأى شخص آخر لكى نملأ الصفحة بهذه الصور.
شهوة الحكى أخذت أنيس بعيدا عن سياق مقاله، الذي أراد من خلاله أن يقارن بين عبدالناصر ومبارك، فواصل سرد حكاياته، يقول: «وأذكر أننى داعبت الرقيب، وتحدثت بالتليفون على أنى جمال عبدالناصر، وبلغ من سذاجة الرقيب أنه صدقنى، وأنا أقول رأيى في عبدالحميد الديب، فطلب منى صورة كبيرة لعبدالناصر، ولكننى اعتذرت له خوفا على مستقبله».
ثم يصل أنيس إلى مبارك، يحكى أنه اتصل به مستنكرا ما كان يكتبه إحسان عبدالقدوس وحسين مؤنس، ولما طلب منه أنيس أن يلفت نظرهما، رفض قائلا: «كل واحد حر يكتب ما يمليه عليه ضميره، وكلاهما وطنى، ولكنى أتحدث كمواطن لا كرئيس جمهورية».
يقول أنيس: «تكرر ذلك كثيرا والرئيس مبارك في كل مرة يؤكد أنه غاضب على مثل هذه المقالات، ولكنه يؤكد احترامه لكل رأى مهما كان مختلفا معه، والرئيس مبارك هو الذي طلب من الصحف أن تخصص صفحات لآراء القراء».
ولا يغادر أنيس مقاله إلا أن يضع لمسة الانتقام من عبدالناصر بوضوح وصراحة مطلقة، يقول: «والناصريون المزيفون يقارنون بين عبدالناصر ومبارك، إنها كالمسافة بين الأرض والسماء، أرض السجون وسماء الحرية».
هكذا مرة واحدة، قل ما تشاء بالطبع عن أداء عبدالناصر مع الصحافة، منع وعطل وأغلق وشرد صحفيين، لن أجادلك في ذلك، لكن مبارك فعل ما هو أبشع من وجهة نظرى في الصحافة، فقد قام بإخصائها، عندما أفقد ما تنشره كل قيمة، عندما جاء ما يكتبه الصحفيون مجرد هراء لا يلتقت إليه أحد.
لقد حاربت الصحف فساد أحد وزراء مبارك لأكثر من عشر سنوات، ولم يقترب منه أحد، ولو كان مبارك يهتم بالصحافة ويقدر ما تنشره، لأمر بالتحقيق مع هذا الوزير، على الأقل التحقيق معه، ليعرف ما إذا كانت الصحافة على حق أم أنها تفترى على من يعملون معه، لكنه كان يتجاهل الجميع، فأدرك الناس أن الصحافة بلا تأثير، فانصرفوا عنه، وعليه فقد قضى مبارك على الصحافة المصرية بطريقته الخاصة، وهى التجاهل التام، وهى طريقة ابتكرها هو في قتل خصومه، ومؤكد أن الصحافة كانت أحد خصوم مبارك.
لكن ما استوقفنى هنا ما قاله أنيس منصور، من أن الرئيس مبارك هو الذي طلب من الصحف أن تخصص صفحات لآراء القراء، وكأن الصحافة المصرية لم تعرف مساحات آراء القراء إلا بعد أن طلب مبارك هذا، وهى مغالطة تاريخية كبرى، فقد اشترك القراء في تحرير الصحف المصرية منذ أول صحيفة صدرت في مصر، حيث كانت جريدة «الوقائع» تتلقى مساهمات من القراء وتحتفى بنشرها... لكنها عادة أنيس، فهو يخترع تاريخا على هواه وينسبه إلى من يريد.
■ ■ ■
هل أقول ما هو أكثر؟ لقد حاول أنيس منصور أن يطوع الرئيس مبارك ليصنع منه «سادات» آخر، عله يحظى بالقرب منه، لم يجر أنيس حوارات كثيرة مع مبارك، فعندما أمسك خليفة السادات بمقاليد الحكم، كان زمن أنيس منصور الصحفى قد انتهى تماما.
هل هناك دليل على ما أقول، في حوار مطول أجراه أنيس مع مبارك، وضمنه كتابه «الرئيس قال لى وقلت له»، يمكن أن نضع أيدينا على شىء من هذا.
■ سأل أنيس: سيادة الرئيس ما الذي تقصده بالضبط عندما تعلن أن سياستك هي الاستمرار في سياسة الزعيم الراحل (هكذا كان يتحدث عن السادات)؟ ألم تظهر مواقف اقتضت منك أن تتخذ قرارا مخالفا أو مغايرا حتى الآن؟
- أجاب مبارك: عندما أقول إننى أسير على نفس الخط السياسي للمرحوم السادات فإننى أقصد المبادئ العامة، السلام وإقامة علاقات مع الإخوة العرب على أساس السلام أيضا، لا رجوع عن ذلك ولا ردة، فالرئيس كان يود أن يصلح ما بينه وبين العرب، وكان يهاجم أحيانا، ولكن لكل مجال مقال، وكل ظروف لها أسلوب، ولكن الخط السياسي واحد، وكذلك أقصد الحالة الاقتصادية للبلد، فلا بد من تطوير الموقف الاقتصادى، وتصحيح مساره بصفة مستمرة، وكان الزعيم الراحل قد اختار ذلك ومضى فيه.
إجابة مبارك لم تكن شافية، كان أنيس منصور يبحث عن أوجه تشابه أعمق، كان يريد «سادات» جديد، ليتعامل معه بنفس طريقته القديمة، يتصل به يوميا أربع خمس مرات، يتناول معه الإفطار والغداء والعشاء أربع خمس مرات في الأسبوع، ويشاركه في صناعة قراراته ويشهد عليها. ولذلك واصل الحرية بحثا عن نقاط تشابه بين الرئيسين.
■ سأل أنيس: «سيادة الرئيس ما الذي استفدته من علاقتك العميقة بالزعيم الراحل؟ وكيف تتفق معه وتختلف في تناولك وتقديرك لشئون الدولة؟
- أجاب مبارك: لقد كنت الرجل الثانى، ولهذا السبب كنت أرى أكثر مما كان الرجل الأول، وقد أتيحت لى فرصة عظيمة لكى أشاهد الأحداث والقضايا، وكنت أناقش الرئيس السادات يرحمه الله في جميع ما يعرض له من أمور، وأحيانا يكون لى رأى مختلف، ولكن خبرته أكبر وتجربته أوسع، وكان يرى رأيا آخر، ويتخذ قرارا غير الذي كنت أتصوره، وعندما يتخذ هو القرار، فإننى أتبناه فورا، لأن هذه هي المصلحة العليا للبلد، أعتقد أننى استفدت الكثير جدا من قربى من الزعيم الراحل».
تعلم مبارك من السادات الكثير، لكنه لم يفعل مثله تحديدا في علاقته بالصحفيين والأدباء والكتاب، فلم يكن يتحمل أصحاب الأفكار، وهو ما شهد به سكرتيره للمعلومات الدكتور مصطفى الفقى أكثر من مرة، قال لى: «لم يكن للرئيس مبارك صبر على من يتحدث معه عن أفكار عميقة، كان يحب أن يتحدث معه الناس ببساطة وسلاسة».
لم يجد أنيس منصور شيئا عظيما لدى مبارك ليكتب عنه، رغم أنه كان يتمنى هذا ويترجاه، ولو جربت وقرأت مقالات أنيس عن مبارك ستجدها سطحية جدا، مجرد كلام إنشائى، وسأضع أمامك دليلا واحدا.
كتب أنيس ثلاث مقالات قصيرة عن خطب مبارك، ضمنها بعد ذلك في كتابه «آه لو رأيت».
في المقال الأول يقول: «في كل خطاب يوجهه الرئيس مبارك إلى الشعب يطلب وقف هذا السيل من الأطفال، فالدولة غير قادرة على إطعام وإسقاء وتعليم وعلاج هذا العدد المتزايد من الأطفال، حتى عندما ضبطنا النسل فليس كما يجب، فالآباء والأمهات غير قادرين على إنتاج كل احتياجات أطفال مصر من طعام وشراب وخدمات».
وفى المقال الثانى يقول: «هات كل خطب الرئيس حسنى مبارك، فسوف تجد فيها هذه الخيوط الذهبية: الاستقرار والاستمرار والتنمية والدعم، ومعنى هذا أن هناك خوفا من عدم الاستقرار، أو استقرار الاستمرار، وأن هناك معوقات للتنمية».
وفى المقال الثالث يقول: «خطب الرئيس مبارك ليست للتصدير، أي أن همنا الأكبر هو أن يرى الناس ويسمعوا ماذا يقول الرئيس للشعب في مصر، ولكن الأهم أن تكون هذه الخطب للتطبيق المحلى لنا، إنها خطة عمل، إنها برنامج، أو من الواجب أن تكون كذلك».
كلام إنشائى، تشعر بأزمة كاتب محترف مثل أنيس منصور وهو يكتبه، فهو يريد أن يضع نفسه على خريطة رئيس ليس فيما يفعله أو يقوله شىء عظيم، وربما لهذا السبب كان أنيس قاسيا جدا عندما هاجم مبارك وأهانه بعد خلعه بثورة 25 يناير، لقد وضع فيه غضب كاتب لم يتمكن من أن يكتب شيئا عظيما عن رئيس دولة عظيمة، لكنه للأسف الشديد لم يكن كذلك.
هامش
كتاب أنيس الممنوع بأمر مبارك
تحدث أنيس منصور كثيرا عن كتابه الخاص عن الرئيس السادات، وهو الكتاب الذي يقال إنه تقدم بنسخة منه إلى جهاز المخابرات العامة المصرية، فوافقوا على نشره، بشرط أن يحصل على توقيع الرئيس مبارك على كل ورقة فيه.
لم يمنح مبارك أنيس منصور توقيعه، تقريبا تهرب منه، وفى كل مرة كان يسأله أنيس عن التوقيع، كان يتعلل بأنه لم يقرأ الكتاب بعد، وكان أنيس يصمت مقدرا وقت الرئيس الضيق، ومشغولياته الكثيرة.
والسؤال: هل تعمد مبارك تعطيل كتاب أنيس عن السادات؟
قبل الإجابة لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب يحوى كما يتحدث أصدقاء أنيس أسرار السنوات الأخيرة في حياة الرئيس السادات، تحديدا الفترة الممتدة من عام 1975 إلى يوم وفاته في 6 أكتوبر 1981، ويروى أنيس فيه وقائع لم يتطرق إليها في كتاباته، وكان مبارك الذي عينه السادات نائبا له خلال تلك الفترة قاسما مشتركا في الكتاب، وربما لهذا السبب طلبت المخابرات العامة توقيعه عليه.
لكن السؤال الأهم هو: إذا كانت المخابرات وافقت على الكتاب، وإذا كان أنيس منصور ظل على قيد الحياة بعد رحيل مبارك لما يقرب من سبعة أشهر، فلماذا لم يصدر الكتاب هو، أم أنه لم يكن هناك كتاب على الإطلاق، وكان الحديث عنه مجرد حكاية من حكايات أنيس، أعتقد أن الكتاب لو موجود بالصورة التي تحدث عنها هو، فمن الواجب أن يصدر الآن، على الأقل لنعرف ما الذي قاله عن السادات، وما الذي قاله عن مبارك، ولم يرحب به الرئيس الأسبق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.