"اللى باع واللى اشترى" ليس فقط عنواناً لواحد من أشهر أفلام المخرجة السينمائية الكبيرة عطيات الأبنودى عن عصر الانفتاح. لكنه عنوان يمكنه أيضاً أن يصف حياتها التى تمسكت خلالها بكل ما تؤمن به من مبادئ تخلى عنها آخرون. توطدت صداقتى بها بعد تجربة طلاقها من الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، وإصرارها العادل على حقها فى الاحتفاظ بلقبها الذى اكتسبته منه بالزواج، والذى لم يكتسب بريقه إلا بعد أن كافحا وصنعا شهرتهما معاً. "اللى باع واللى اشترى" ليس فقط عنواناً لواحد من أشهر أفلام المخرجة السينمائية الكبيرة عطيات الأبنودى عن عصر الانفتاح. لكنه عنوان يمكنه أيضاً أن يصف حياتها التى تمسكت خلالها بكل ما تؤمن به من مبادئ تخلى عنها آخرون. توطدت صداقتى بها بعد تجربة طلاقها من الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، وإصرارها العادل على حقها فى الاحتفاظ بلقبها الذى اكتسبته منه بالزواج، والذى لم يكتسب بريقه إلا بعد أن كافحا وصنعا شهرتهما معاً. تعددت زياراتى لها ولقائى بها مع الأصدقاء فى أواخر التسعينيات، وفى إحدى تلك الزيارات اقترحت صديقتى عزة شعبان، مساعدة الإخراج فى فيلمها قطار النوبة، أن أقوم بإعادة صياغة الأغانى التراثية النوبية بالعامية القاهرية، لتنقل شجن البكائيات التى أبدعها النوبيون قبل أن تكتسح بحيرة السد العالى قراهم التى تم تهجيرهم تعددت زياراتى لها ولقائى بها مع الأصدقاء فى أواخر التسعينيات، وفى إحدى تلك الزيارات اقترحت صديقتى عزة شعبان، مساعدة الإخراج فى فيلمها قطار النوبة، أن أقوم بإعادة صياغة الأغانى التراثية النوبية بالعامية القاهرية، لتنقل شجن البكائيات التى أبدعها النوبيون قبل أن تكتسح بحيرة السد العالى قراهم التى تم تهجيرهم منها. تحمست كثيراً واقترحت على المخرجة الكبيرة بلا تردد أن أقوم بذلك على طريقة الدبلجة الغنائية التى لن تنقل معنى الغناء فقط لمن يقرأ شريط الترجمة، ولكنها ستحتفظ له أيضاً بالإيقاع والميلودى الذى يستمع إليه بعد أن تنقله إلى لغة أخرى. نظرت لى عطيات مبتسمة ولمعت عيناها ووافقت على الفور. فى جلساتنا الطويلة مع كبار المفكرين النوبيين الحافظين لتراث أجدادهم، ومنهم الباحث والأديب سليمان جد كاب، أطال الله عمره، إن كان لا يزال حياً، تعلمت منها مهارة إدارة الحوار، وانبهرت كثيراً بقدرتها الفذة على استخلاص رحيق تلك المقابلات، والغوص بسلاسة مذهلة إلى أعمق مناطق ثراء التجربة الإنسانية التى ربما لم يسبر أصحابها أنفسهم أغوار أعماقها السحيقة تلك من قبل. أبهرتنى عطيات المناضلة اليسارية الصلبة برؤيتها السينمائية الفذة التى جسدت هموم فقراء الوطن فى أفلامها، بقدر ما أبهرتنى كإنسانة عظيمة رقيقة القلب احتضنت أسماء ابنة صديقها القاص الراحل المدهش يحيى الطاهر عبد الله الذى اختطفه الموت فى أوج تفجر موهبته. احتضنتها لتكون ابنة لها بالاختيار، ولتصبح عطيات فيما بعد أماً بالاختيار للطفلة أسماء التى أصبحت الآن شابة متألقة، ودكتورة جامعية تخصصت فى علوم الأدب المسرحى. فى العام الأول لرئاستى لتحرير مجلة قطر الندى للأطفال أخبرت صديقتى عطيات الأبنودى برغبتى فى الحصول لتلك المطبوعة، التى تدعمها الدولة، على أعمال جديدة يرسمها خصيصاً لها فنانون كبار ممن أثروا مجلات الأطفال المصرية والعربية فى عصورها الذهبية. لم تكذّب عطيات خبراً، وأخذتنى من يدى لزيارة صديقها الفنان الكبير إيهاب شاكر وزوجته الكاتبة الكبيرة سميرة شفيق، بارك الله فى عمريهما، لأصبح صديقاً لهما من أول لقاء، ويتفضلا بكل حب بمنح قطر الندى حلقات جديدة رائعة من أراجوزهما الشهير، وأغلفة مدهشة تعد من أفضل ما نشر على صفحاتها طوال تاريخها. عطيات الفنانة الكبيرة الفذة، والصديقة العزيزة الغالية، اختارت الوطن واشترت همومه بكل ما تملك من فن وصحة وجهد. فهل يستوى من باع بمن اشترى؟