منذ أشهر قال زعماء الغرب إن الربيع العربى يوفر فرصة تاريخية ورقيقة لتحول الشرق الأوسط إلى ما هو أفضل. هم محقون بشأن ذلك، فإذا استطاعت المظاهرات الشعبية فى مصر وتونس وليبيا أن تحقق أهدافها بالوصول إلى ديمقراطية ليبرالية وتحديث اقتصادى، فيمكن عندها أن تستقر أكثر مناطق العالم تقلبا واضطرابا، وهذا هدف يستحق استثمارا ضخما، وعلى الرغم من مشكلاتهم المالية عرضت الدول الغنية وعودا طموحة، ففى اجتماع لمجموعة ال8 بنيويورك الأسبوع الماضى، قال وزير الخارجية الفرنسى آلان جوبيه إنه تم التعهد بمعونة بقيمة 80 مليار دولار لكل من مصر وتونس والأردن والمغرب خلال العامين المقبلين. المشكلة، كالعادة فى المعونة الدولية، تكمن فى أن الأموال لا يتم تسليمها، فمصر، على سبيل المثال، عرض عليها ما يزيد على 17.5 مليار دولار، وفقا لما ذكره وزير التضامن الاجتماعى المصرى، ولكن لم يتم الحصول على أى منها بشكل مادى «وكثير من الحديث عنها مجرد دعاية» كما أخبر مؤخرا صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية. ومن الناحية العملية، يتضور المجلس العسكرى الحاكم جوعا للأموال حيث يواجه إضرابات عديدة مثل إضرابات المعلمين والأطباء وموظفين حكوميين آخرين، يطالبون فيها برفع رواتبهم، هذا بخلاف بقية الشباب المصرى الذى قام بالثورة المصرية ويعانى 40% منه البطالة. مصر تحتاج إلى أموال للاستثمار على المدى الطويل، ولكنها تحتاج إلى أموال نقدية على وجه السرعة أيضا. فعلى الرغم من عدم انهيار الاقتصاد المصرى، ما زالت السياحة المصرية تعانى كسادا، والاستثمار الأجنبى تراجع بنسبة الثلثين. وقام المجلس العسكرى باستهلاك ثلث احتياطيات البلد فعليا وزاد من معدلات الفائدة المحلية باقتراضه، والمرحلة الحاسمة التى تتضمن حملات سياسية وانتخابات وكتابة دستور جديد، على وشك البدء، قد تؤدى إلى انخفاض فى معدل التوظيف أو فى النفقات الحكومية مما سيقود بالتالى إلى سيطرة الأحزاب الإسلامية غير المؤيدة للغرب. جزء من مشكلة التدفق النقدى، هو خطأ المجلس العسكرى المتعثر، عندما رفض تمويل قيمته 3 مليارات دولار، الذى قامت حكومته المدنية بالتفاوض عليه مع صندوق النقد الدولى، فضلا عن مليار دولار من البنك الدولى. كما كان لواءات المجلس على خلاف مع إدارة أوباما حول تخصيص قيمة 140 مليون دولار من الأموال التى أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية. ومنتهجا أداء النظام الاستبدادى السابق، هدد المجلس الجمعيات المدنية التى تتلقى تمويلا أمريكيا أو أى تمويل أجنبى دون موافقة من الحكومة، فى الوقت الذى يسعى فيه إلى استمرار المعونة العسكرية الأمريكية السنوية بقيمة 1.3 مليار دولار. كل هذه المواقف غير مقبولة، ولكن وعد اللواءات بالتنحى عن الحكم فى الشهور القليلة الماضية، وما يهم الآن أن لا ترث الحكومة المدنية المنتخبة الجديدة منهم خزانة فارغة أو أزمة اقتصادية. ولهذا السبب يجب أن تسلم المعونة الأمريكية وأى معونات متعددة الأطراف أخرى الآن، وللسبب ذاته يعتبر تردد الكونجرس فى التصديق على الأموال الجديدة قِصَر نظر. وتواجه مقترحات الإدارة لتخفيف أعباء الديون بالقاهرة بالإضافة إلى تمويل جديد لدعم المؤسسات الخاصة مقاومة من الجمهوريين، الذين تنتابهم الشكوك حول حكم الإسلاميين مصر، ومستقبل معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب. هذه الشكوك فى الحقيقة «مخاطر» ولكن سيكون احتمال حدوثها أكبر إذا أصبحت مصر المحرومة من المعونة الغربية عاجزة عن دفع رواتب العمال أو توفير فرص عمل للشباب فى الأشهر المقبلة.