ظلت الصين على مدار سنوات طويلة المنقذ الرئيسي للاقتصاد الكوري الشمالي في ظل ما تعانيه بيونج يانج من عقوبات ضخمة على خلفية استمرار برنامجها النووي، الأمر الذي أدخلها في صراع سياسي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في منطقة شرق آسيا وعلى رأسهم كوريا الجنوبية واليابان. التدخل الصيني للحفاظ على الاقتصاد الكوري الشمالي من الانهيار، لم يكن بمنأى عن الأبعاد السياسية لبكين على مستوى الساحة الدولية، غير أن هذا الأداء الرفيع لمعدلات التجارة الثنائية بين البلدين لم يستطع المواصلة على نفس المستويات. وحسب ما ذكرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، فإن انخفاض المستويات التجارية بين الصينوكوريا الشمالية كشف العديد من عورات نظام بيونج يانج بقيادة زعيمها كيم جونج أون، والذي كان يرتكز إلى علاقته مع شريك بلاده التجاري الأول والأكبر من أجل الحفاظ على ما تبقى من قدرات كوريا الشمالية الاقتصادية. جسر داندونج الرابط بين الصينوكوريا الشمالية هو المتنفس الباقي لبيونج يانج للحصول على البضائع والمستلزمات المختلفة، وهو الأمر الذي جعل تلك المنطقة جاذبة للآلاف من الأشخاص بشكل مستمر. هل تنجح الصين في تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية؟ وكان الجسر الذي يعبره الآلاف من الرجال والنساء المصاحبات لهم بشكل يومي للوصول إلى المحلات التجارية الصينية لشراء مستحضرات التجميل والمواد الشخصية الأخرى، أحد أهم شرايين الحياة لكوريا الشمالية. كان وجود هؤلاء الزائرين علامة صغيرة ولكنها مؤثرة على الدور الحاسم للصين في الحظر الدولي المفروض على التجارة مع بيونج يانج، وهو الحظر الذي تعتمد عليه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجبار كوريا الشمالية على التوقف عن بناء الأسلحة النووية. ورصدت الأقمار الصناعية الأمريكية والبحرية اليابانية عمليات نقل مشبوهة غير قانونية بين سفن البلدين، ويقول الخبراء إن العمال الكوريين الشماليين يعودون إلى وظائفهم داخل الصين، بعضهم تحت ستار التبادلات التعليمية. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن آلاف العمال الكوريين الشماليين دخلوا روسيا أيضا منذ حظر الأممالمتحدة ضد تصاريح العمل الجديدة في سبتمبر الماضي. ويرسل العمال أجورهم نقدية صافية إلى بلادهم، بالإضافة إلى أموال صفقات ضخمة في الفحم وشبكات تجارة سرية بين كوريا الشماليةوالصين، وهو الأمر الذي سمح لبيونج يانج متابعة طموحاتها النووية مع الحفاظ على قدرتها الاقتصادية. الأحلام الكورية الشمالية لم تستمر طويلًا، فمع بداية العام الجاري بدأ الضغط الصيني يظهر بشكل أوضح للمجتمع الدولي، وهو ما ظهر من خلال المستويات التجارية بين البلدين. لماذا «بكين» خائفة من التقارب بين واشنطنوبيونج يانج؟ وتراجعت تجارة الصين مع كوريا الشمالية 56.8% خلال الأشهر الستة الأولى من 2018، كما سجلت التجارة بين البلدين 887.4 مليون دولار خلال 6 أشهر من العام الجاري. وانخفضت الصادرات من كوريا الشمالية للصين بنسبة 87% لتصل إلى 94.3 مليون دولار في مايو الماضي، كما سجلت صادرات الصين إلى كوريا الشمالية 217.2 مليون دولار في الشهر نفسه. كوريا الشمالية تتفق مع الصين على نزع الأسلحة النووية وبعد اجتماع القمة المثير بين ترامب وكيم جونج أون في يونيو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي على تويتر: "لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية"، وسارع مسؤولو الإدارة إلى القول إن القضاء الفعلي على هذا التهديد سيكون موضوع مفاوضات جارية الآن. وقالوا إن الحظر التجاري الذي فرضته الصين كان دورًا محوريًا في تطبيق السياسة الأمريكية للضغط على كوريا الشمالية، حيث راهنت واشنطن على الصعوبات التي ستجدها بيونج يانج على المستوى الاقتصادي، وهو ما قد يجبرها للجوء إلى طاولة المفاوضات. وعلى مدار سنوات طويلة كانت الصين المتنفس التجاري والاقتصادي الأوحد لكوريا الشمالية، وهو ما يفسر أن ضغوط التي أظهرتها بكين على بيونج يانج كان لها بالغ الأثر في تغيير مسارها السياسي وقبول التفاوض مع واشنطن، بل والتعهد بتفكيك كامل منشآتها النووية في المستقبل.