يتجه لبنان إلى تقنين زراعة الحشيش أو كما يطلق عليه "القنب الهندي"، بعد أن كشف رئيس البرلمان نبيه بري أن المجلس بصدد التحضير لدراسة وإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة الحشيش وتصنيعه للاستعمالات الطبية. هذه الخطة اللبنانية تأتي بعد التوصية التي توصلت إليها شركة ماكنزي الأمريكية ضمن مقترحات النهوض باقتصاد لبنان، والتي كلفتها الحكومة بدراسة الوضع الاقتصادي المتأزم في البلاد. وتتحدث التوصية التي جاءت ضمن دراسة أُعدّت في شهر يونيو الماضي عن أهمية الاستفادة من الحشيش لتحقيق أرباح اقتصادية لدعم الموازنة، وتجاوبت بيروت مع هذا المقترح وكلفت لجنة مختصة لإعداد صيغة للقانون المتعلق بتشريع زراعة القنّب الهندي. إنقاذ الاقتصاد وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال في لبنان وعراب دراسة ماكنزي، رائد خوري، شرح الخلفية الاقتصادية التي أعادت فتح النقاش بشأن تشريع الحشيش قائلا "أرض لبنان تنتج نوعية جيدة جدا من الحشيش يُمكن أن يُستخدم في تصنيع زيت القنب الذي هو زيت طبي، مطلوب وغالي الثمن، وبالتالي يمكن أن يدرّ ذلك مئات الملايين من الدولارات على الدولة". اقرأ أيضا : هل تعرقل السعودية تشكيل الحكومة اللبنانية؟ وليد جنبلاط عضو البرلمان اللبناني الذي يعد أكثر المؤيدين لتشريع الحشيش في مجلس النواب، تساءل عن ضرورة الاستعانة بماكنزي، قائلا: "لن أقرأ هذا الهراء، أنا اقترحت هذه الفكرة قبل زمن طويل، لسنا ملزمين بدفع مليون ونصف المليون دولار للوصول إلى نتيجة مفادها أن علينا أن نشرع الحشيش". ورغم تحفظات جنبلاط على التقرير، لا يزال يدعم الفكرة، ويقول: "يمكن تنفيذها نظريا، ويمكن أن تكون عامل تحسين وتطوير للمناطق المهملة في بعلبك والهرمل"، حسب صحيفة "العرب". مطلب تشريع الحشيش ليس جديدا في البلاد، لكن الوضع الاقتصادي المتأزم دفع باتجاه البحث عن حلول وتشريع ما كان محرَما. وكانت بعض الأصوات السياسية البارزة في لبنان، ارتفعت مطالبة بتشريع زراعة القنب، وحتى تقنين تعاطي الحشيش في عام 2014. إلا أن الأمر يبدو مختلفا بالنسبة لحزب الله، رغم أن تجارة المخدرات من أهم مصادر تمويله، فإن الخطة ستواجه معارضة شديدة من حزب الله، إذ يعتبر البقاع بالنسبة له قاعدة دعم وعمليات، ويريد إبقاء هذه المنطقة فقيرة حتى يتمكن من جذب الشباب للقتال من أجله. ويرجع متابعون موقف حزب الله إلى قلقه من تأثير مثل هذا المخطط على سيطرته على المنطقة، وعلى أحد أهم مصادر تمويله. صناعة مزدهرة خلال الحرب الأهلية (1975-1990) شكلت زراعة الحشيش اللبناني صناعة مزدهرة كانت تدر ملايين الدولارات، وحاولت السلطات بعد ذلك القضاء عليها. ويشهد وادي البقاع زراعة الحشيش منذ العصر العثماني على الأقل، ووصلت الصناعة إلى ذروتها إبان الفوضى التي صاحبت الحرب الأهلية إذ وصل مقدار ما كان يخرج من المنطقة من الحشيش عبر موانئ غير قانونية إلى ألفي طن سنويا. ومنذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بلغ إنتاج القنب في لبنان ما يقارب الألف طن سنويا، قبل أن يتوقف فترة وجيزة في الفترة ما بين عامي 1991 و1993. اقرأ أيضا: دخول الإيرانيين لبنان دون ختم.. هل يحول مطار بيروت إلى قاعدة للحرس الثوري؟ وعمدت السلطات اللبنانية بعد الحرب، إلى شن حملات للقضاء على هذه الزراعة، واعدة بزراعات بديلة، الأمر الذي لم يتحقق وسط استمرار بعض المناطق بزراعتها. ويعتبر مراقبون أن المناطق التي تشكل الحاضنة الشعبية لميليشيات حزب الله، لاسيما في منطقة بعلبك، التي استمرت في زراعة الحشيش مستفيدة من سطوة سلاح الحزب، حسب "سكاي نيوز". ورغم أن زراعة هذه النبتة غير مشروعة في لبنان، فقد كان مُلاك الأراضي من أصحاب النفوذ يزرعون حقولًا من القنب على مدى عقود في وادي البقاع الخصب دون أن تتمكن جهات إنفاذ القانون من منعهم. فحقول الحشيش تنبسط على جانبي بعض الطرقات في بلدات في البقاع، حيث إن عدم مشروعيتها لم يمنع يوما زراعتها، ويعد مناخ منطقة البقاع فريدا في لبنان، ففي النهار، الشمس حارة جدا وفي الليل تنخفض درجات الحرارة إلى حدود منخفضة جدا. ويرى البعض أن هذا النوع من الطقس هو ما يجعل حشيش البقاع من الأفضل في العالم من حيث النوعية، وعادة ما تتجاور بعض حقول الحشيش الواسعة، مع حقول تبغ صغيرة المساحة، حسب "بي بي سي". وتسهم الحرب الدائرة في سوريا، التي اندلعت عام 2011 على الجانب الآخر من الحدود، في زيادة ما يحصل عليه زارعو الحشيش، ويقول المزارعون إن تجارتهم نمت بمعدل 50% منذ عام 2012، إذ ركزت السلطات اللبنانية انتباهها على تأمين الحدود. والآن يجني مزارعو وتجار الحشيش من 175 إلى 200 مليون دولار سنويا، بعد أن بدأوا التصدير إلى الخليج وأوروبا وإفريقيا وأميريكا الشمالية. ويصنف مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لبنان في تقريره لعام 2018 كثالث مصدر رئيسي في العالم للحشيش بعد المغرب وأفغانستان. ماذا بعد تشريع الحشيش الاتجاه إلى تقنين الحشيش أثار الكثير من الجدل داخل لبنان، وجاءت الكثير من التعليقات الغاضبة والساخرة، رغم تأكيد بري أن التشريع سيفيد في الاستعمالات الطبية أسوة بالعديد من الدول الأوروبية وبعض الولاياتالأمريكية. اقرأ أيضا : وزير خارجية لبنان يثير أزمة أممية مع مفوضية اللاجئين وتم إطلاق هاشتاج تحت عنوان "#إذا شرعوا الحشيش"، وعلق أحد المغردين "لبنان رايح رايح شو وقفت عل حشيش"، في حين غرد آخر "ضاقت برئيس لبنان قال يلا حشيش". وعلقت مغردة أخرى قائلة "إذا شرّعوا الحشيش رح نشتاق للخيارة والبندورة والحبقة والشجرة بتخيّل لبنان من فوق سهول حشيش بحشيش بس كرمال نهوض الاقتصاد والمواطن ينام، حششوني دخت". وجاء تعليق غاضب آخر "بعد ناقصو لبنان من دون حشيش مش خالصين ماحدا محشش غيركن استحوا ع حالكن بقا". وأكد مستخدم على توتير "ما بدنا تشريع ولا بدنا حشيش بدنا نعيش بكرامة وبدنا حقنا متلنا متل أي محافظة بلبنان وما حدا يسمسر عضهرنا واللي حابب يشرع الحشيشة يأخدها ع منطقتو وخلصنا بقا متتجرة بابن بعلبك..". وقال آخر: "أحدهم يسأل هل تشريع الحشيشه يشمل لبنان بأكمله أو ينحصر بمنطقة البقاع يعني ناس تزرع وناس تشرب وناس تشرب وناس تعالج، يعني رح يتحول لبنان إلى بلد منتج للصواريخ وبدل ما نضيف شاي نضيف صاروخ حشيش ويمكن بفتوى يكون حلال..". وفي إشارة مباشرة لحزب الله، قال مغرد "لبنان سيستغني عن السياحة عشان حزب الله لا يزعل، وبدلها بيزرعون حشيش ويهربونه لدول العالم كله عشان الحزب ما يتخلى عن سلاحوووو". وعلق آخر ساخرا "إذا شرعوا الحشيش هيصير علم لبنان هيك"، واتبع التعليق بصورة لعلم لبنان يتوسطه نبات الحشيش. جاء قرار اللجوء إلى "ماكنزي" بعد تنبؤات متزايدة بشأن تداعيات الأزمة المالية التي تشهدها البلاد، إذ يعد لبنان ثالث أكثر البلدان مديونية في العالم، إذ بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 153 بالمائة، كما زادت الحرب الأهلية في سوريا المجاورة الوضع سوءا حيث تراجع النمو الاقتصادي من 9 بالمائة قبل الحرب إلى حوالي 2 بالمائة. اقرأ أيضا: تعثر جهود الحريري في تشكيل الحكومة اللبنانية يقود الاقتصاد للهاوية