(أبلغ رئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه برى السفيرة الأمريكية فى لبنان إليزابيث ريتشارد خلال استقباله لها, أن مجلس النواب اللبنانى بصدد التحضير لدراسة التشريعات اللازمة لتقنين زراعة «الحشيشة» وإقرارها، وتصنيعها للاستعمالات الطبية على غرار العديد من الدول الأوروبية وبعض الولاياتالأمريكية). كانت السطور السابقة خبرا نشر فى 18يوليو الحالي، وبمجرد انتشار الخبر فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى فى لبنان،انقلبت الدنيا رأسا على عقب،بين مؤيد ومعارض وساخر وخائف،خاصة بعد فشل الدولة فى منع زراعة الحشيشة، ومقاومة المزارعين للقوى الأمنية بالسلاح وقطع الطرقات. وفى حال تم تنفيذ ما قاله رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل حليف حزب الله نبيه برى ،وأقر المجلس النيابى قانونا لتشريع وتقنين زراعة الحشيشة فى لبنان ، فسوف يُرفع الحظر عن زراعة القنب الهندى - الحشيش- والتى كانت تعد قبل عقود صناعة تدر ملايين الدولارات ،قبل أن تجرمها الدولة،والمفروض حسب كلام برى أن يتم استخدام النبتة المخدرة لأغراض طبية. رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى زعيم الدروز وليد جنبلاط كان من أبرز المطالبين منذ سنوات بتشريع زراعة الحشيش، وإلغاء مذكرات التوقيف بحق المطلوبين فى هذا المجال،ولكن اقتراحه قوبل بالاستهجان والسخرية،واتهمه البعض بأنه يريد تخدير الشعب اللبنانى لينسى مشاكله أو يتكيف معها ،باستخدام «الكيف»،بالرغم من اتهام الشعب للقادة السياسيين وزعماء الطوائف بأنهم وراء المشاكل المستعصية التى يعانيها المواطن اللبناني. جاء تصريح برى للسفيرة الأمريكية فى بيروت بعد توصية شركة الاستشارات المالية العالمية «ماكنزي» الأمريكية، للنهوض بالاقتصاد اللبنانى الذى يعانى فى كثير من القطاعات، حتّى أصبح لبنان فى المركز الثالث من حيث المديونية العامة فى العالم،وحدّدت ماكنزى رؤيتها لاقتصاد لبنان، مع توصيات تراوحت بين بناء مركز لإدارة الثروات والاستثمار والبنوك، إلى تشريع زراعة وبيع «القنب الهندي» المعروف ب«الحشيشة» لغايات طبيّة،مؤكدة أنّ الحشيشة تزرع فى مناطق شرق البقاع، على الرغم من حملات إزالتها من قبل الدولة اللبنانية. وقال وزير الاقتصاد اللبنانى رائد خورى عقب توصيات ماكنزى فى حديث صحفى إنّ لبنان يمكن أن يشرّع زراعة وتصدير الحشيشة من أجل العلاجات الطبية، مؤكدا أن«جودة الحشيشة لدينا تعدّ من الأفضل فى العالم، وقد تدرّ على لبنان مليار دولار». وقدّم وفد من ماكنزى تقريرًا مختصرًا لرئيس الجمهورية ميشال عون، ويجب أن تتم الموافقة على التقرير كاملاً من قبل الحكومة الجديدة، التى يُنتظر أن يؤلّفها رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. كان برى قد أشار لمساعد وزير الخزانة الأمريكى لشئون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلّينجسلى فى يناير الماضي، إلى إمكان تطبيق النموذج المتبع فى الولاياتالمتحدة وأوروبا لتشريع زراعة الحشيشة للصناعات الطبية فى لبنان. وزير الزراعة فى حكومة تصريف الأعمال غازى زعيتر قال إن برى منفتح على مسألة تشريع زراعة الحشيشة، مشيراً إلى أنّ التشريع سيكون خلال أسابيع أو شهور. عضو اللقاء الديمقراطى النائب وائل أبو فاعور الذى يتبع جنبلاط ، قال: «منذ أعوام وأهالى بعلبك - الهرمل ورئيس الحزب التقدمى الاشتراكى وليد جنبلاط معهم ،يطالبون بتشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية، ولا يستجيب أحد، واليوم جاءت التوصية بتشريع زراعة الحشيشة من تقرير شركة ماكنزي، على أمل ان يستجيب المسئولون هذه المرة للتوصية الرفيعة الشأن والكلفة». المذيعة التليفزيونية والنائبة بمجلس النواب بولا يعقوبيان، قالت فى تغريدة لها عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي :تحية إلى كل كتلة نيابية ستصوت لصالح اقتراح قانون تشريع الحشيشة ،والذى ستقدمه كتلة التنمية والتحرير،وسأكون من أول الداعمين لأنه يشكل بداية للنهوض باقتصاد لبنان، لم نكن بحاجة لماكنزى لندرك أهمية زراعة الحشيشة إذا شرعوا الحشيش«. حشيش لبنان ولبنان يعرف زراعة الحشيشة منذ أكثر من 5000 عام، عندما أدخلها الرومان، وازدهرت زراعتها فى البقاع منذ زمن العثمانيين، وبلغت ذروة زراعتها خلال الفوضى التى شهدها لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990، التى جعلت زراعتها والاتجار بها واقعا مفروضا برعاية من ضباط الوصاية السورية الذين دخلوا شركاء فى تهريبها عبر الحدود المختلفة،إذ يقدّر أن ألفى طنّ صدّرت سنويًا عبر مرافئ غير شرعيّة على الساحل. ومع استقرار الوضع الأمنى وعودة مؤسسات الدولة بعد اتفاق الطائف، توقفت عمليات التهريب وزراعة الحشيشة إلى حد كبير بموجب قرار سورى - لبنانى ترافق مع رقابة دولية منظمة، وسعت الدولة مع منظمات دولية إلى تنفيذ مشروع »الزراعات البديلة« منذ العام 1992، لتشجيع المزارعين على استبدال زراعة النبات المخدر ،بزراعات أخرى تؤمن دخلا كافيا، وكان مقرراً أن يمتد المشروع 15 سنة (1992 - 2006) بتكلفة قُدّرت بنحو 3٫3 مليار دولار، تعهدت الأممالمتحدة بتوفيرها، لكن المبالغ التى تم تأمينها لم تتجاوز ال 20 مليون دولار، فتوقف المشروع عام 2000، وعاد المزارعون لزراعة الحشيشة،كما أن الأزمة السورية التى نشبت عام 2011 أدّت إلى ازدهار جديد لدى المزارعين، الذين يقولون إن تجارتهم ازدهرت بنسبة 50% منذ العام 2012، إذ يمكنهم التصدير عبر الحدود سرا. صحيفة الجارديان البريطانية نشرت تقريراً عقب تقرير شركة ماكنزى بعنوان «الحشيشة تحول كبير فى الاقتصاد اللبناني» أكدت فيه أن الحشيش يمكن أن يشكل تحولاً كبيرًا فى لبنان،مشيرة إلى أنه فى بلدة بريتال البقاعية تجرى زراعة الحشيشة، وعُرفت لسنوات بأنّها منطقة محظورة، ولكن إذا استمر الاقتصاديون بخطّتهم، فإنّ تلك البلدة والمناطق المُحيطة بها ستتحوّل إلى معمل شرعى للحشيشة يعود بمليار دولار على الاقتصاد اللبناني. واستناداً إلى مكتب الأممالمتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة، يُعدّ لبنان ثالث أكثر البلدان تصديرًا للحشيش فى العالم، «حيث يحصل المصدرون على ما بين 175 مليون دولار، و200 مليون دولار سنويًا، من خلال تصدير الحشيشة إلى دول الخليج وأوروبا وإفريقيا وأمريكا». أوساط إعلامية تؤكد أن تشريع زراعة الحشيشة هو سياسى بحت،ومرتبط بالرد على الهجوم الذى أطلقه مدير الأمن العام الأسبق النائب اللواء جميل السيد على رئيس مجلس النواب نبيه بري،بينما يخص مشاكل أهالى البقاع الذين يزرعون الحشيشة. المعارضون أما المعارضون لتشريع زراعة الحشيشة فيؤكدون أن هذا التشريع يواجه محاذير كثيرة ،منها رفض المجتمع الدولى السماح للبنان بزراعة ما يمكن أن يعتبر من الممنوعات فى بلد مصنف من دول العالم الثالث ،وعدم قدرته على الإمساك بمفاصل قانونية تضبط هذه الزراعة،وقد تعترض أمريكا بشكل خاص، لأن هذه الزراعة تقع فى المناطق الشيعية الخاضعة لنفوذ حزب الله، وقد تسهم فى تمويل حزب الله الذى يصنفه الغرب ودول الخليج كمنظمة إرهابية،خاصة أن أمريكا تعتبر أن المخدرات وغسيل الأموال من أهم مصادر تمويل حزب الله. وإذا كانت الحكومة قد عجزت عن السيطرة على زراعة الحشيشة التى جرمت زراعتها مطلع تسعينيات القرن الماضي، فمن سيضبط هذه الزراعة بعد تشريع زراعتها ؟ وهل ستكون شركة التبغ والتنباك هى المسئولة عن مراقبة الزراعة وجنى المحاصيل وبيعها؟ وهل سيشكل تقنين زراعة الحشيشة مصدرا للدخل لدى الشيعة دون غيرهم، خصوصا أن معظم المزارعين من الشيعة؟وهل ستقبل الولاياتالمتحدة، وخلفها المجتمع الدولي، بتشريع زراعة الحشيشة فى لبنان؟وهل سيتم العفو عن نوح زعيتر أشهر المطلوبين فى زراعة وتجارة وتهريب الحشيشة؟ وهل سيتوقف تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الجوار وغير الجوار بمجرد تقنين زراعة الحشيشة؟وهل سيصدر لبنان الفائض من الإنتاج للدول الأخرى لأغراض طبية،أم أن المهربين سيجدون طرقا سهلة وقانونية للتهريب،ويتحول الأمر إلى كولومبيا أخرى فى المشرق العربي،أم أن تصريح برى وترحيب البعض جاء لسحب البساط من تحت أقدام مدير الأمن العام الأسبق والنائب الحالى جميل السيد ،ليستعيد برى ثقة أهل البقاع ؟ ولماذا لم يصدر حتى الآن تأييد أو رفض من حزب الله لتقنين زراعة الحشيشة؟