يحيى الفخراني.. القدير الذي أسس مدرسة التمثيل الجامعة بين الجد والهزل والحقيقة والسخرية، الساخر الباكي الهاوي إلى حد الفلسفة، السهل السلس الناضج المدهش الذي نحبه، كهل الفن الذي لا نعرف من أي طبقة ينتمي ولا من أي حارة جاء، السفير نادر التركي الذي لم يسرقه منصبه الدبلوماسي في "بالحجم العائلي" إلى عالمه المزعج ويعزله عن روعته وبساطته المفرطة، ليخلع جلباب السياسة ويفتح فندقًا سياحيًا ضخمًا في مرسى علم ليُصبح "عمدتها"، ويواصل كذلك عمادته لرُقي الأداء الفني والسمو في إجادته. رحلة طويلة للفخراني مع عالم الدراما الرمضانية، فهي مملكته الخاصة على الشاشة الصغيرة التي يمتلك زمام أمورها، فمنذ ثلاثين عامًا والنجم القدير طقس ثابت من طقوس شاشة رمضان بدءًا من تقديمه شخصية سليم باشا البدري التي تُعد من العلامات الفارقة، في واحد من أهم المسلسلات في تاريخ الدراما، وهو "ليالي الحلمية" أواخر الثمانينيات بأجزائه الخمسة، ثم العديد من الأعمال الأخرى، ومنها: "التعلب فات، زيزينيا، للعدالة وجوه كثيرة، أوبرا عايدة، الليل وآخره، عباس الأبيض في اليوم الأسود، سكة الهلالي"، وهي أعمال غالبيتها تحول إلى "نوستالجيا" لا تفارق ذاكرة الجميع. في عام 2008 قدّم الفخراني واحدًا من أضعف أعماله وهو "شرف فتح الباب"، وتبعه بمسلسل لم يكن على قدّر طموحات جمهوره "ابن الأرندلي" 2009، قبل أن يستعيد توهجه ويطل عملاقًا بمسلسل "شيخ العرب همام" في 2010، وابتعد عام ليعود في "الخواجة عبد القادر" عام 2012، وخفت خلاله بريقه، ليغيب عامًا اَخر مجددًا، واستمر ذلك في "دهشة" عام 2014، لكنه كان في الموعد عام 2016 بمسلسل "ونوس" الذي حقق نجاحًا كبيرًا. وبعد أن غاب الفنان الكبير عن خوض منافسات الماراثون الرمضاني الماضي في 2017، عاد مجددًا إلى جمهوره هذا العام في "بالحجم العائلي"، ليعود به أيضًا للكوميديا الاجتماعية التي خاصمها طيلة 11 عامًا منذ "يتربى في عزو" 2007، ليُبهرنا ويُبهجنا بكوميديا عائلية بامتياز، وضحكة صافية يخرجها منّا بسهولة ويسر. المسلسل يشهد انفصال الفخراني الأول عن التعاون مع ابنه المخرج شادي الفخراني منذ بدء اعتماده عليه في "الخواجة عبد القادر"، ثم "دهشة"، و"ونوس"، ويتعاون النجم القدير للمرة الأولى مع المخرجة هالة خليل، صاحبة التجارب السينمائية المميزة مثل "نوارة، أحلى الأوقات"، ويبدو في "بالحجم العائلي" أنها مهتمة بالتفاصيل للغاية، كما يتعاون للمرة الأولى مع المؤلف محمد رجاء، كاتب مسلسلي الفنانة يسرا في العامين الماضيين "فوق مستوى الشبهات، الحساب يجمع"، فكتب له فكرة بسيطة قائمة على الشغف بأشياء نحبها، مستغلًا الكيمياء الخاصة بين الفخراني وجمهوره، ونجح للغاية في ذلك. "بالحجم العائلي" هو تجربة إبداعية أجاد اختيارها الفخراني بعد قراءة 36 سيناريو، وبمشاركة عدد من الفنانين، أبرزهم القديرة ميرفت أمين، في اللقاء التليفزيوني الأول بينهما، والشاهد أيضًا على تعاونهما بعد توقف 31 عامًا منذ قاما معًا ببطولة فيلم "امرأتان ورجل" عام 1987، ويشاركهما النجوم الشباب يسرا اللوزي، شيماء سيف، كارولين خليل، ركين سعد، أحمد مجدي، محمد مهران، وغيرهم. فين قلبي.. فين قلبي يا ناس دلوني دلوني دلوني عليه تاه مني.. تاه مني خلاص وإزاي إزاي أزاي ألاقيه فين قلبي يا ناس دلوني عليه شخصية "السفير نادر التركي" التي يُجسدها يحيى الفخراني هي في حد ذاتها كفيلة بإشاعة البهجة، حيث إنه شخص ترك كل شيء وراءه بسبب حبه الأكل، وارتباطه بهوايته المفضلة، وهي الطهي، ليفتتح مطعمًا خاصًا به، ويمارس الطبخ بنفسه للزبائن، لكنه نتيجة ذلك يتعرض لأزمات كبيرة مع عائلته، لكنه يتغلب على ذلك بدخوله عرينه "المطبخ"، فتراه يقفز ويرقص على أنغام محمد فوزي ويرسل ضحكاته في كل اتجاه بخفة لا نظير لها، ليُقدّم لنا كوميديا هادئة نظيفة لا يخشى المشاهد على أطفاله منها، كوميديا لا تعتمد على "الإيفهات" التي أصبحت السمة الجامعة لكل الأعمال الكوميدية.