شهدت الأيام القليلة الماضية، تصعيدا دبلوماسيا وحربا كلامية بين تركيا وإسرائيل، على خلفية أحداث مسيرة العودة الأخيرة على حدود غزة، واستخدام تل أبيب للعنف غير المبرر مع المتظاهرين الفلسطينيين. واستدعت تركيا سفيرها في تل أبيب وطردت مبعوثي إسرائيل إلى أنقرةوإسطنبول، وردت إسرائيل بالمثل، وطردت القنصل العام لتركيا في القدس واستدعت يوم الأربعاء، نائب سفير البلاد في تل أبيب لتوبيخه. إلا أن عددا من خبراء العلاقات التركية الإسرائيلية، توقعوا ألا تتخذ أنقرة خطوات إضافية ضد إسرائيل، وسيعود الطرفان بهدوء إلى الوضع السابق، في حالة توقفت تل أبيب عن استخدام العنف ضد الفلسطينيين، وإذا لم تعبر إسرائيل بعض الخطوط الحمراء التركية. نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، عن إفرات أفيت من جامعة "بار ايلان"، قولها إن "الوضع متوتر، ولكن حتى الآن، لا يبدو أن أيًا من الجانبين حريص على تصعيد الموقف، ولا يرغب أحد في مزيد من خفض العلاقات". اقرأ المزيد: تاريخ من المد والجزر.. «مجزرة غزة» تعكر صفو العلاقات التركية الإسرائيلية وأضافت أن "القضية الفلسطينية شديدة التقلب، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يرى نفسه كمدافع عن الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين في القدس، لكن طالما لم يحدث شيء دراماتيكي الآن، فإنه لن يقطع العلاقات مع إسرائيل". وأشارت أفيت إلى أن الجانبين قد امتنعا حتى الآن عن قطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل، مما يشير إلى رغبتهما في ترك الباب مفتوحا أمام تطبيع هادئ في المستقبل غير البعيد، قائلة إن "ذلك لن يحدث هذا اليوم أو غدًا، ولكنه لن يستغرق سنوات". وبدأ الخلاف هذا الأسبوع عندما أدانت تركيا رد إسرائيل على الاحتجاجات التي وقعت يوم الاثنين، على حدود غزة، والتي أسفرت عن استشهاد 62 فلسطينيا وإصابة أكثر من 2700 آخرين، وفقًَا لوزارة الصحة في غزة. وألقى أردوغان باللوم على إسرائيل في سقوط الضحايا في غزة، متهما إياها بأنها "دولة إرهابية" ترتكب "إبادة جماعية"، واستدعت تركيا سفيرها من تل أبيب وطردت مبعوثي إسرائيل إلى أنقرةوإسطنبول. وردت إسرائيل بالمثل، حيث قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن أردوغان "يفهم الإرهاب والمذابح بشكل جيد"، ولا ينبغي أن يعظ إسرائيل بشأن الأخلاقيات العسكرية. وطردت إسرائيل القنصل العام لتركيا في القدس، الذي يمثل أنقرة لدى فلسطين، في حين هددت تركيا بتجريم الدولة اليهودية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. اقرأ المزيد: أزمة جديدة بين تركيا وإسرائيل بسبب إيران وفي غضون ذلك، دعت تركيا وسائل الإعلام لتصوير السفير الإسرائيلي لدى تركيا، إيتان نائيه، وهو يخضع للتفتيش الأمني المكثف من قبل مسؤولين في المطار. وانتقمت وزارة الخارجية الإسرائيلية من هذا الإذلال في اليوم التالي من خلال إلقاء القبض على القائم بالأعمال التركي، لكن دون حضور وسائل الإعلام، التي حصلت في وقت لاحق على شريط مصور يظهر الدبلوماسي التركي وهو يخضع لعمليات تفتيش مماثلة. وليزيد الطين بلة، نشر يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي، على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء، صورة للعلم التركي مكتوبا عليها "تبا تركيا". وتبرأت الحكومة من هذه الخطوة، إذ صرح مساعدو رئيس الوزراء، أن يائير مواطن عادي، ولا يمثل الحكومة الإسرائيلية، غير أن منشوره أثار غضبا كبيرا في تركيا، حيث يحظى علم البلاد باحترام كبير. في غضون ذلك، التقى أردوغان، مع مجموعة من اليهود المناهضين للصهيونية من مجموعة "ناطوري كارتا"، الذين أخبروه عن أملهم في تفكيك دولة إسرائيل بسرعة. وقالت الصحيفة العبرية، إنه في الوقت الذي كان يشهد فيه مراقبو العلاقات الإسرائيلية التركية، هذه المواجهة الطفولية، لم يستطيعوا سوى أن يذكروا الحادثة سيئة السمعة في أوائل عام 2010، عندما استدعى نائب وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك داني أيالون، سفير أنقرة في القدس لتوبيخه بسبب عرض برنامج تليفزيوني معاد لإسرائيل في تركيا، وجلس الدبلوماسي على كرسي منخفض، واعتذر أيالون في وقت لاحق عن هذه الواقعة. اقرأ المزيد: في ذكرى مذبحة «مرمرة».. تركيا أردوغان «سمن على عسل» مع إسرائيل وبدأت العلاقات بين تركيا وإسرائيل ببداية جيدة في عام 1949، حيث كانت أنقرة أول دولة مسلمة تعترف بدولة إسرائيل، ولم يتم قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين أبدا، رغم أنها مرت بأزمتين حادتين. ففي عام 1980، خفضت تركيا العلاقات بعد أن ضمت إسرائيل القدسالشرقية رسميا، واستغرق الأمر 12 سنة قبل استعادة العلاقات بالكامل، وفي سبتمبر 2011، في أعقاب هجوم للجيش الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" التي كانت ضمن أسطول الحرية المتوجه إلى غزة لرفع الحصار عنها، والتي قتل خلالها تسعة أتراك. و قامت أنقرة، بتخفيض العلاقات مرة أخرى، وتعليق التعاون العسكري مع تل أبيب، ووضع أردوغان ثلاثة شروط لإعادة العلاقات، تمثلت في تقديم اعتذار من إسرائيل، وتعويض مالي لعائلات الضحايا ورفع الحصار البحري الإسرائيلي عن قطاع غزة. لم يتم رفع الحصار، ولكن بعد مفاوضات شاقة، وقعت إسرائيل وتركيا اتفاق مصالحة في يونيو 2016. وفي الوقت الذي وصلت فيه الأزمة الحالية إلى مرحلة غير مسبوقة، حيث لم تطرد إسرائيل قنصل تركيا في القدس من قبل، ولم تطرد تركيا من قبل القنصل الإسرائيلي في إسطنبول، وسط احتمالات أن يخرج الأمر عن السيطرة، إلا أن عددا من الخبراء أكدوا أن كلا الطرفين لا يهتم فعليًا بمزيد من التصعيد. وقال نمرود جورين، الخبير في شؤون تركيا، ورئيس معهد المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية "ميتفيف"، إنه من الممكن أن يعود السفراء الأتراك والإسرائيليين إلى العمل في غضون عدة أشهر، إذا امتنع أي من الطرفين عن القيام بالمزيد من الاستفزازات التي يمكن أن تعمق الأزمة. وأضاف أنه في الوقت الذي استغرق فيه إصلاح الأضرار الناجمة عن قضية "مافي مرمرة" خمس سنوات، فإن الخلاف الحالي من حيث الحجم مختلف تماما. اقرأ المزيد: تركيا وإسرائيل تقتربان من اتفاق حول «مافي مرمرة» وأكد "أن قضية مرمرة شهدت صداما عنيفا مباشرا بين البلدين، قتل فيه مواطنون أتراك، وقدمت تركيا مطالب محددة لإسرائيل، هذه المرة، لا توجد مطالب ملموسة، اتخذت تركيا هذه الإجراءات احتجاجًا على أشياء حدثت بالفعل". من ناحية أخرى، حذر ألون ليئيل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية والسفير الإسرائيلي في أنقرة، من أن تركيا لديها خطوط حمراء معينة، إذا ما عبرت، ستؤدي إلى تدهور دراماتيكي وفوري في العلاقات الثنائية. وفي أعقاب تعليقات أردوغان ومعاملة الدبلوماسيين الإسرائيليين، دعا بعض كبار السياسيين الإسرائيليين، بمن فيهم وزراء في الحكومة، إسرائيل إلى الاعتراف رسميا بالإبادة الجماعية للأرمن، وحث آخرون تل أبيب على الاعتراف باستقلال الأكراد. وأكد ليئيل الذي خدم في أنقرة في أوائل الثمانينيات، أن "هذه خطوط حمراء مطلقة لتركيا"، مضيفًا أنه "إذا لم نقترب من هذه الخطوط الحمراء، والتوقف عن استخدام العنف في غزة، يمكن التغلب على الأزمة الحالية في غضون أشهر".