كتبت- مروة فتحي وإيهاب محمد: لا يوجد ما يعبر عما يحدث الآن في الساحة الثقافية سوى مقولة نجيب محفوظ "زمن المبادئ مضى، وهذا زمن الهجرة"، فالحقيقة أصبحت غائمة، غائبة، والمصالح والتسليع أصبحا هما الأساس في كل شيء، حتى الأدب، فقد تحوَّل نجيب محفوظ إلى سلعة في سوق الكتب يخضع للعرض والطلب، "أوكازيون" على الأعمال التي لا تلقى رواجا كافيا، وبلغة التجار "عطش السوق" على بعض الأعمال ذات الطلب العالي، واختار السعر الذى يحقق مكسبا مربحا، ليس مهما القارئ؛ وبالأخص صاحب الدخل المحدود الذي يهوى الأدب. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك من يرى أن الحملة، التي قام بها عدد من المثقفين ضد "دار الشروق للنشر"، وأصدروا بيانا يطالبون فيه وزارة الثقافة بالتحرك ضد دار النشر لنزع حق ملكيتها نشر روايات "صاحب نوبل" ليست إلا معركة بالوكالة لصالح آخرين، وأن كل ما يتردد هو غير صحيح، وأن المعركة ليست معركة ثقافية من الأساس، لذا يجب أن يخرج منها نجيب محفوظ وأعماله، حتى لا يعاني القارئ بسببها، ف"محفوظنا" قال: "أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري"، ولا نريد أن نهزم نحن أيضا كقراء ونحرم من شراء أعماله. عدد من أصدقاء أديبنا الراحل رفضوا الحديث حول الأزمة، لكن ابنته أم كلثوم قالت ل"التحرير": هناك قانون لحقوق الملكية الفكرية، ومن حق الورثة أن يحتفظوا بهذا الحق لمدة 50 عامًا، ومن حقنا التعاقد مع أي ناشر يطبع الكتب، وكان والدي قديمًا يطبع في مكتبة "السحار"، حين كان الشباب وقتها يجد صعوبة في طبع الكتب، لكن بعد ذلك حدثت بعض المشاكل، وتم إقناع إبراهيم المعلم بطبع كتب نجيب محفوظ، وتعاقدنا مع "دار الشروق". وتابعت: تحديد من يتولي طبع أعمال نجيب محفوظ، حق الورثة فقط، وهذا ليس دفاعا عن "الشروق"، لكنه مسألة مبدأ، ومن المفترض على من أصدر البيان أن يرجع لأصحاب الحق ويستشيرونهم، وللأسف أي شيء عن نجيب محفوظ نجد من يعطي الحق لنفسه بالحديث نيابة عنا دون العودة إلى أصحاب الشأن، وطبقا للقانون، فلن يستطيعوا إعطاء حق نشر كتب نجيب محفوظ لأي دار أخرى، لأن ذلك ليس من حقهم، ولا بد من احترام الملكية العامة والخاصة، وستظل "دار الشروق" تصدر كتب نجيب محفوظ حتى انتهاء العقد معها، وبعدها سنرى إن كنا سنستمر أو نبحث عن ناشر آخر. من جانبه قال أحمد بدير، مدير عام "دار الشروق": إن الدار لم تحجب أعمال الأديب الكبير، ولا يمكنها فعل ذلك، ويمكن لأي شخص التوجه لأي فرع من مكتبات الدار، ويسأل عن أي عنوان لنجيب محفوظ، وإن لم يجده فإن البيان الذي أصدره بعض المثقفين به شيء من الصحة وليس كل الصحة، لافتا إلى أن كل كتب نجيب محفوظ باختلافها وتنوعها متاحة بشكل ورقي وإلكتروني على أكثر من منصة، ومنها منصة أمازون وجوجل بلاي بوكس وكتبي، إضافة إلى الشكل الصوتي من خلال خدمة "اقرأ لي". وأكد أن دار "الشروق" تحرص على طبع كتب الأديب الكبير كلما نفدت، وإن وجدت مكتبة تبيع عنوانا واحدا فقط، فهذا من حق صاحب المكتبة، أنه يريد بيع هذا العنوان فقط، وليس من حق المثقفين أن يطالبوا وزارة الثقافة بما ليس من حقها أو تخصصها، ومن الأفضل مطالبتها بأشياء من تخصصها كأن يكون نجيب محفوظ هو ضيف شرف معرض الكتاب العام المقبل في يوبيله الذهبي وعامه الخمسين، وهو ما ليس موجودا، أو المطالبة بأن تقوم قصور الثقافة أو مكتبة الأسرة بإصدار كتب الأديب الراحل، ونرحب بكل هذا، ونمد يدنا للتعاون معه، لكن مطالبتها بأشياء ليست من حقها مرفوض تماما. ويبدو أن المثقفين خسروا هذه الجولة، فليفكروا الآن فى كيفية إنقاذ متحف نجيب محفوظ المتعثر بين دهاليز بيروقراطية وزارة الثقافة، وإنقاذ مقتنياته المعرضة للسرقة والضياع، هذا ربما يكون أجدى، بعد أن خطت أم كلثوم على نفس دروب نجيب محفوظ الشهير: الالتزام بالوعد مهما كان مجحفا، هكذا فعل فى أزمة رواية "أولاد حارتنا"، وظل رافضا لطباعتها فى مصر التزاما منه بوعد. ليس موقف أم كلثوم محصنا من النقد، وليس "الشروق" كذلك، لكن الأزمة برمتها تبدو فى بدايتها، وربما السنوات الثلاث الفاصل بيننا وبين انتهاء العقد الذى وقعه نجيب محفوظ مع "الشروق"، كافية للتفكير جديا فى كيفية التعاطى بصورة مناسبة مع إبداعه وتراثه بصورة تليق به.