■ «الشروق» تمتنع عن إعادة طباعة 3 أعمال ل«أديب نوبل» أشهرها «زقاق المدق» و«دنيا الله» ■ الدار تدعى أن الروايات لا تحقق مبيعات وتواظب على نشر روايات وكتب «الإخوان».. ومصدر: يحق لدور النشر الطباعة إذا أحجمت «الشروق» 3 سنوات «عزاؤنا الوحيد في وفاة فلان أن أعماله وإبداعاته ستظل باقية وخالدة في قلوب جمهوره ومحبيه».. درج المثقفون والمبدعون على أن يقولوا هذه الجملة بمجرد إعلان وفاة أي مثقف أو كاتب أو مبدع زميل لهم، على اعتبار أن ما تركه الراحل من إرث ثقافى تتلقفه الأيدى سيكون تعويضا عن رحيله، وأن الكتاب يرحلون بأجسادهم فقط، بينما يظل ما كتبوه شاهدا على إبداعهم. ويبدو أن الرأسمالية المتوحشة في هذا العصر أبت إلا أن تغتال كبار الأدباء والمبدعين في قبورهم، وبعد رقدتهم الأبدية وصمتهم النهائى، بالإحجام عن إصدار إبداعاتهم والتوقف عن نشر رواياتهم وكتبهم، بحجة أنها لا تحقق الأرباح الكافية التي يتطلعون إليها، وكل ذلك يتم دون تدخل حقيقى من الدولة التي اكتفت بدور المراقب لما يحدث دون أن تحرك ساكنا. قبل عام واحد من رحيل عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، اشترت دار «الشروق» حقوق النشر الحصري، ورقيا وإلكترونيا، لكل رواياته وكتبه، لتنهى بذلك 60 عاما من حقوق «مكتبة مصر- سعيد جودة السحار»، وكان ذلك عام 2005، وبالتعبير العامى، فإن «الشروق» «اشترت حقوق الملكية الفكرية لأعمال محفوظ وسقعتها»، كما لو أنها اشترت قطعة أرض بطريق صحراوي، دون أن تستغلها بشكل فعلى، ليتضاعف سعرها خلال أعوام، ليفاجأ عشاق أديب نوبل بتضاعف ثمن رواياته عدة مرات، مما أدى إلى إحجام فئات كثيرة من المجتمع الذي يعانى من أزمات اقتصادية في الأساس عن شراء أعمال صاحب «الحرافيش»، إلى أن وصلنا الآن إلى موقف أغرب من الخيال يتمثل في عدم وجود أي روايات من أدب نجيب محفوظ إلا عددا محدودا جدا. بالسؤال عن أعمال نجيب محفوظ داخل مكتبات الشروق، لن تجد أغلبها مثل مجموعة «دنيا الله» و«ليالى ألف ليلة»، و«الليالي»، و«زقاق المدق»، و«خمارة القط الأسود»، و«الشحاذ»، و«بداية ونهاية»، و«همس الجنون»، و«تحت المظلة»، و«رادوبيس»، و«قلب الليل»، و«الطريق»، «وقصر الشوق»، لأنه ليس في خزينة «الشروق» إلا نحو 18 عملا، أي ما لا يزيد على ربع التراث المحفوظى الهائل. هذه الأزمة كانت آخر ما أشار إليها الكاتب الصحفى محمد خير في مقال بعنوان «هكذا أعدمت «الشروق» نجيب محفوظ». موقف «الشروق» من نجيب محفوظ لم يختلف كثيرا عن موقفها من عدد من كبار الأدباء، مثل الكاتب الروائى الكبير عبدالحكيم قاسم الذي اشترت حقوق الملكية الفكرية له دون أن تضمن لها انتشارا جماهيريا حقيقيا، وكذلك حدث الأمر مع الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور حينما اشترت «الشروق» حقوق الملكية الفكرية لمؤلفاته دون أن تعمل على إصدارها، ما دعا هيئة الكتاب إلى إصدارها فيما بعد، ليخلق ذلك جدلا قانونيا واسعا بين «الشروق» والهيئة، وهو ما تكرر فيما بعد عندما أصدرت الهيئة «الرحلة» لرضوى عاشور. على جانب آخر، نجد أن «الشروق» تواظب على نشر أدب الإخوان وسيد قطب الذي اشترت حقوق الملكية الفكرية له، وهو ما صنع أزمة حادة في الدورة الماضية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، بعد أن لاقت هذه الكتب رفضا شعبيا كبيرا في المعرض. وفى ظل ما سبق من حقائق مخيفة يمكن أن تكشف عن سر تدهور الواقع الثقافى، فإن أحد المصادر التي رفضت ذكر اسمها أكدت «أن القانون يتيح نشر الأعمال التي لم تصدرها دور النشر التي تملك حقوق الملكية الفكرية لمدة ثلاث سنوات متتالية، حيث تنص المادة 144 من قانون حقوق الملكية الفكرية لعام 2002 على الآتى: للمؤلف وحده – إذا طرأت أسباب جدية – أن يطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بمنع طرح مصنفه للتداول أو بسحبه من التداول أو بإدخال تعديلات جوهرية عليه برغم تصرفه في حقوق الاستغلال المالى، ويلزم المؤلف في هذه الحالة أو يعوض مقدما مما آلت إليه حقوق الاستغلال المالى تعويضا عادلا يدفع في غضون أجل تحدده المحكمة وإلا زال كل أثر للحكم». وأضاف المصدر: «إذا قامت دار النشر بالتوقف عن طباعة الأعمال بعد أن حصلت عليها حصريًا، فهذا يعتبر تعنتا من قبلها، ويحق لأى دار نشر أخرى أن تقوم بطباعة هذه الأعمال على نفقتها الخاصة، مع الحفاظ على نسبة الدار صاحبة الملكية عن طباعة الأعمال لمدة ثلاث سنوات، وهذا ما قامت به الهيئة العامة للكتاب، حيث قامت بطباعة أشعار ومسرحيات عبد الرحمن الشرقاوى التي توقفت دار «الشروق» عن طبعها، وكذلك الأعمال الكاملة للشاعر صلاح عبدالصبور الذي توقفت «الشروق» أيضًا عن طبعها». وتابع المصدر: «حدث أن قامت «الشروق» بإقامة دعوى قضائية ضد الهيئة العامة للكتاب، بعد أن قامت الأخيرة بطباعة رواية «أشواك» التي تبرأ منها سيد قطب، وهى كانت من حقوق «الشروق» الحصرية، وخسر إبراهيم المعلم القضية، بعد أن دفعت الهيئة نسبة «الشروق» في المبيعات، ومن ثم، فإن أعمال نجيب محفوظ التي لم تطبعها «الشروق» من حق أي ناشر آخر يقوم بطباعتها على أن يحاسب «الشروق» على المبيعات، أسوة بالهيئة العامة للكتاب». في حين قال الدكتور محمد أبو الفضل بدران، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة: «لابد من إتاحة أدب نجيب محفوظ للجمهور لأنه ليس ملكا لعائلة أديب نوبل أو الدار التي حازت على حقوق الملكية الفكرية لأعماله، وإنما ملك لجميع القراء في العالم العربى، كما أن اهتمام المستشرقين بأدب نجيب محفوظ يزداد يوما بعد يوم، ولذا فإننى أطالب بتدريس عدد من رواياته للطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية». من جانبه، قال الناشر عادل المصري، رئيس اتحاد الناشرين المصريين: «إن العلاقة بين دار النشر والمؤلف يحكمها القانون والتعاقد بين الطرفين، ويكون الاتحاد حكما في قضايا حقوق الملكية الفكرية، فالقانون هو المنظم لتلك المسألة، وطالما أنه لا توجد شكاوى من ورثة المؤلف ضد دار النشر المحتكرة لأعمال المؤلف، لا يستطيع أحد إجبارها على نشر أعماله، ولو أن هناك بندا في العقد بين الدار والورثة ينص على وجود أعمال المؤلف في السوق بصفة مستمرة أو فترات بعينها، وقامت الدار بالإخلال يحق لهم التعاقد مع دار أخرى بالاتفاق مع دار النشر الأصلية والدار الجديدة، ويحصل الورثة على أموالهم من الدار الأصلية، ولو فعل المؤلف والدار الجديدة ذلك من أنفسهما فيعد ذلك تعديا على حقوق الدار الأصلية، ويجوز للناشر مقاضاتهما». وأشار المصرى إلى أن هناك حسابات والتزامات سوق يعمل من خلالها الناشر عبر رؤيته، وطالما أنه تعاقد مع الورثة على نشر أعمال المؤلف ولم ينشر غير عمل واحد على سبيل المثال، لا يستطيع أحد إجباره على نشر باقى الأعمال، ما دام أنه ليس له حق في عملية التسويق التي تقوم بها الدار، لافتًا إلى أن وزارة الثقافة لو أرادت نشر أعمال كاتب كبير لم تقم الدار الخاصة بنشرها لفترة، من الممكن أن يتم الاتفاق معها على شراء 1000 نسخة مثلا من تلك الأعمال ووضعها في مكتبة الأسرة. أما الدكتور هيثم الحاج على، رئيس هيئة الكتاب، فقال: «لقد كانت الأوضاع القانونية لتدخل هيئة الكتاب في الوقائع المماثلة لهذا الأمر مختلفة عن هذه المسألة، لأن نشر الهيئة لأدب صلاح عبد الصبور وسيد قطب وغيرهما، جاء بسبب وجود مدة بينية كبيرة مكنت الهيئة من نشر أعمالهما بشكل قانونى، وهو الأمر الذي لا يتوافر في هذه القضية». وأضاف الحاج على: «سوف أطرح هذا الأمر على اللجنة العليا لمكتبة الأسرة لإيجاد حلول لها، للموافقة على إصدار عدد من أعمال محفوظ في إطار شراء حقوق الملكية الفكرية لها، على اعتبار أن أعمال نجيب محفوظ جزء مهم من تراثنا، كما أن العام المقبل 2016 سيوافق مرور عشرة أعوام على وفاته، وهو أمر سيسمح للهيئة أن يكون لها دافع للتركيز على صاحب «الحرافيش».