«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زكي سالم في رحاب نجيب محفوظ.. والفُقد الذي لا يُعوض
نشر في محيط يوم 14 - 01 - 2015


أديب نوبل يتخلص من أول ثلاث روايات له
زكي سالم: محفوظ كان يرى توفيق الحكيم الأجدر ب«نوبل»
علاقة "أولاد حارتنا" بحكم العسكر
طقوس نجيب محفوظ الصارمة في حياته اليومية
أول رواية لمحفوظ كانت عن كرة القدم
أديب نوبل يساعد المخبر الذي يسجل ندواته!
محفوظ عاشق للشعر ويحفظ الكثير من القصائد
يدرس بعهد الموسيقى.. ويشيد بتفسير سيد قطب للقرآن
«من أعظم نعم الله عز وجل التي لا تعد ولا تحصى، أن أقترب وأتعلم من أستاذ عظيم، يعد مثالاً رائعاً للإنسان حين يقوم بدوره الحقيقي كخليفةٍ لله في أرضه، فتتجلّى فيه القيم الأخلاقية النبيلة، والمعاني الروحية الرفيعة».
الكلمات السابقة هي ما بدأ بها الدكتور زكي سالم كتابه الذي صدر عن دار الهلال تحت عنوان "نجيب محفوظ.. صداقة ممتدة"، حيث تدور ثنايا الكتاب حول العلاقة التي جمعت بين الأديبين، وتغوص في بحار نجيب محفوظ العميقة، وعلاقته بالوظيفة الحكومية، وثقافته الموسوعية ومحاولة الاغتيال وأثرها على الأديب الكبير، وغيرها من تفاصيل حياة أديب نوبل اليومية والتي تعرفنا على الرجل الأشهر في عالم الأدب المصري والعربي.
البداية
وحينما نقلّب بين ثنايا الكتاب نجد صراع يعيشه المؤلف، بين عمله كناقد وكاتب، وبين علاقته الإنسانية بنجيب محفوظ، لكن يبدو أن هذا الصراع قد حُسم لصالح الصداقة، فنجد أن الكاتب يعترف في مُفتتح الكتاب: «أملك الآن الشجاعة الكافية لكي أعترف بوضوح بأنني لا يمكن أبداً أن اكتب بحياد ولا بموضوعية عن نجيب محفوظ، وذلك لسببٍ في غاية البساطة، فهو أكثر إنسان أحببته طوال حياتي».
كان زكي سالم في صغره كغالبية جيله، مغرماً بأعمال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، إلا أنه يؤكد أن نجيب محفوظ وأدبه كانا عشقه الأكبر، فكان كان شغوفاً بحواراته في الإذاعة والتليفزيون والجرائد، فأسره محفوظ بشخصيته الساحرة.
وهنا يوضح لنا سالم في كتابه أن الأديب العالمي نجيب محفوظ كانت له طقوس صارمة في يومه لا يخرج عنها أبداً، فقد كان «يخرج من بيته في السادسة صباحاً، ليمارس رياضة المشي لمدة ساعة على شاطئ النيل ويشتري الجرائد والمجلات ذاتها من بائع الصحف نفسه ثم يكمل مشواره الصباحي حتى مقهى "علي بابا"بميدان التحرير ليقرأ الجرائد والمجلات في ساعة زمن ثم يعود بعد ذلك إلى بيته ليبدأ في ممارسة إبداعه الأدبي»، وهنا يُظهر سالم جانب من جوانب شخصية نجيب محفوظ، وهو التنظيم الشديد لوقته وتوزيعه ما بين الرياضة والإبداع والعائلة ولقاء الأصدقاء، بحيث لا يجور وقت كل منهم على الآخر.
الندوات.. إبداع آخر
كثيراً ما يقوم الأدباء بندوات وصالونات ثقافية تجذب إليها كبار المبعدين والمثقفين وحتى شبابهم، لكن نجيب محفوظ تفرد وتميز عن الجميع أنه كان شخصاً سهل لقائه، غير مختفي عن الناس كعادة مشاهير الأدباء، فكانت ندوة نجيب محفوظ الثقافية مفتوحة للجميع ويتكلم فيها الجميع ويبدون بآرائهم.
وأيضاً كانت ندوات نجيب مفتوحة لكل التيارات الفكرية والاتجاهات السياسية، ومن ثم فموضوعاتها متنوعة ومتباينة ومختلفة، ولم تكن ندواته مخصصة ليتحدث فيها محفوظ كما شاء، بل على العكس كان أديب نوبل يستمع أكثر مما يتحدث، ويناقش ولا يفرض رأياً أو فكراً على أحد، مما يُظهر لنا نجيب محفوظ الإنسان ذو القلب والفكر المفتوح على الجميع، والقابل لأي رأي مهما كان هذا الرأي معارضاً له شخصياً.
ويحكي الكتاب كيف تعامل الأمن مع ندوة نجيب محفوظ بعد ثورة يوليو، في ظل السيطرة الأمنية الشديدة على مجريات الحياة، حيث ضيق الأمن على الندوة، بل وجعل لزاماً على أعضاء الندوة أخذ إذن مُسبق من قسم الشرطة لإقامة الندوة، بل ووصل الأمر إلى إرسال مخبر إلى الندوة لتسجيل كل ما يقال فيها!
ومن الطريق أن المخبر المسكين كان يستعين بنجيب محفوظ نفسه لترجمة ما دار من الندوة من أحاديث ومناقشات كانت فوق مستوى إدراكه، وبالفعل كان يساعده الأديب الكبير.
جائزة نوبل وتوفيق الحكيم
كانت العلاقة بين الأديبين الكبيرين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطيدة جداً، وكان محفوظ ينظر إلى الحكيم على أنه أجدر شخص مصري وعربي بجائزة نوبل، وقد توفي الحكيم قبل حصول محفوظ على الجائزة بعام واحد في عام 1987م، وهنا سأل زكي سالم صديقه نجيب محفوظ عن رأيه فيما لو حدث أن جاءت إليه جائزة نوبل في حياة توفيق الحكيم، فأجاب محفوظ إجابة تعجب لها زكي سالم، إذ قال: « لو حدث هذا لما خرجت من بيتي!».
الإسكندرية.. مزيج البحر والثقافة
يسرد لنا زكي سالم كيف كان يحب نجيب محفوظ مدينة الإسكندرية التي كان مولعاً بها منذ صغره، وأنه لما شبّ كان يحضر فيها بالصيف ندوات توفيق الحكيم الثقافية، ويبرز لنا سالم كيف أن الأديب العالمي مهتماً بأوقات الإجازة والراحة، وكيف كان يقضي وقته في الإسكندرية مستمتعاً بالبحر والثقافة التي كانت لا تخلو أجوائها من الضحك والمِزاح، حيث كان محفوظ كما يقولون "ابن نكتة" ويعشق خفة الدم والمِزاح.
الشِّعر في حياة محفوظ
قد يظن البعض أن نجيب محفوظ غير مهتم إلا بالقصص والروايات، لكن زكي سالم يقول في الكتاب أن نجيب محفوظ « عاشق للشعر، ويحفظ الكثير من الأشعار العربية القديمة والحديثة، كما أنه مغرم بالشعر الفارسي وبخاصة شعر حافظ الشيرازي، وقد استخدمه بلغته الفارسية في عمله الأعظم ملحمة الحرافيش».
المُعلّم المتواضِع
يقول زكي سالم: « نجيب محفوظ الأب والأستاذ والمعلم، شديد التواضع والبساطة والرقة والجمال، إذا لا يشعر قط أنه أعلى من غيره، ولا يضع نفسه في موضع الملعم أو الأستاذ بالنسبة للآخر».
ويحكي سالم بعرفان شديد كيف وصفه نجيب محفوظ ب"الأخ" في مقدمة مجموعته القصصية الأولى، وهو الأديب العالمي وصاحب نوبل، فيصف شاباً في مقتبل مشواره الأدبي بالأخ! لقطة إنسانية لم ينساها له زكي سالم أبداً.
نجيب محفوظ موظفاً
يندهش زكي سالم من تحمّل مبدع كبير كنجيب محفوظ لروتين العمل الحكومي ومتطلباته طوال سنين عديدة، ولم يستقيل من الوظيفة الحكومية كغيره من المبدعين الذين عاصروه، لكن تزول بعض أسباب الدهشة عندما يعرف سالم أن أستاذه كان ينظر إلى نفسه نظرة مختلفة تماماً، حيث أنه كان يرى نفسه إنساناً عادياً يجب أن يعمل بوظيفة حكومية من أجل أن يوفر حياة كريمة لأسرته.
موقف طريف للأستاذ
يقول زكي سالم إن زملاء نجيب محفوظ في الوظيفة الحكومية لم يكونوا يعلموا شيئاً عن علاقته بالأدب ولا عن حصوله على جائزة نوبل، فيحكي سالم أن الأستاذ قابل أحد زملاء الوظيفة صدفة في الإسكندرية، فسأله زميله مندهشاً: "نجيب لقد شاهدتك في التليفزيون، فلماذا ظهرت فيه؟" فيجيب الأديب العالمي إجابة تعبر عن سخرية الموقف وعن تقبله لمثل هذه المواقف بصدر رحب، حيث قال الأديب: "إن بعض برامج التليفزيون تستضيف أحياناً أُناساً من الجمهور لسماع رأيهم!".
معاهدة استقلال نجيب محفوظ!
بعد أن درس الأديب العالمي نجيب محفوظ عامين كاملين يحضر فيهما لرسالة الماجستير، التي كانت ستقوده لتدريس الفلسفة في الجامعة، يتخذ الأديب قراراً مصيراً بالتوقف عن الدراسة والتفرغ لكتابة القصص والروايات، ويقول نجيب محفوظ أنه شعر بعد هذا القرار بالحرية والاستقلال، حتى أنه كان يقارن في داخله بين معاهدة 1936م. التي أعطت لمصر نوعاً من الاستقلال عن الاحتلال، وبين قراره بالتفرغ للكتابة الأدبية.
ثقافة موسوعية
يحكي زكي سالم عن ثقافة نجيب محفوظ الموسوعية، وكيف أنه قد قرأ دائرة المعارف البريطانية كاملة، حيث وضع لها الأديب برنامج قراءة يومي لمدة سنوات حتى انتهى منها، فقد كان محفوظ محباً للمعرفة بمعناها الواسع، كما أنه كان محباً للموسيقى بشقيها الشرقي والغربي.
كما كان يتابع الأستاذ المعارض الفنية وآخر الإبداعات الثقافية، كما كان يتابع القراءة الحرة في مجالات مختلفة، فيذكر سالم أن أديب نوبل قد عبر له عن إعجابه بكتاب "في ظلال القرآن" ومنهج الشهيد سيد قطب في تفسيره للقرآن.
أولى الخطوات الأدبية
كان نجيب محفوظ منذ صغره مولعاً بالقصص والروايات، وكان كما يقول زكي سالم يلخص ما كان يقرأه من روايات أو يعيد كتابته مرة أخرى بأسلوبه الخاص في كراسات، ويكتب عليها اسمه، وكأنه كان يعلم أنه سيسجل اسمه على العديد من الروايات في المستقبل.
وفي هذه المرحلة المبكرة كان محفوظ يمارس كرة القدم ويتميز فيها، فكتب رواية حول عالم كرة القدم لكنه لم يكملها، ثم رواية بعنوان "أحلام القرية"، والثالثة بعنوان "الأعوام" والتي كتبها بعد قراءة السيرة الذاتية لطه حسين بعنوان "الأيام"، لكن هذه الروايات جميعاً لم تُنشر وتخلص منها نجيب محفوظ عندما رأى أنها دون المستوى.
سيد قطب يمتدح محفوظ
عندما نشر نجيب محفوظ قصة كفاح طيبة، قرأها الناقد الأدبي وقتها الشهيد سيد قطب وأُعجب بها إعجابا شديداً وقال عنها في أحد المقالات: «قصة "كفاح طيبة" هي قصة الوطني المصرية، وقصة النفس المصرية، تنبع من صميم قلب مصري، يدرك بالفطرة عواطف المصريين، .. لو كان لي من الأمر شيء لجعلت هذه القصة في يد كل فتى وفتاة، ولطبعتها ووزعتها على كل بيتٍ بالمجان ..».
التفرّد الإبداعي
عبقرية نجيب محفوظ الإبداعية مستمدة من قدرته الهائلة على تصوير الشخصيات والعوالم التي تجري فيها الأحداث، بل تجده في كثير من الأحيان يبدع عالماً جديداً وفي نفس الوقت يضفي عليه بأسلوبه لمسة واقعية.
ويقول زكي سالم إنه جاء في حيثيات جائزة نوبل إشارة لمثل هذا، حيث أنه عندما أُشير في الحيثيات إلى رواية "زقاق المدق" قيل: « لقد جعل من الزقاق مسرحاً لنماذج مختلفة من الشخصيات رسمها بواقعية، سيكولوجية ».
الثلاثية.. عمل محفوظ الأكبر
يقول سالم إن ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" كانت جميعها في الأصل عملاً واحداً، لكن الناشر أبى أن ينشرها هكذا لكبر حجمها.
ويضيف سالم أن هذه الرواية قد جسد فيها محفوظ نفسه بشخصية كمال أحمد عبد الجواد، كما مثل بطريقة غير مباشرة بيته وعائلته وجيرانه وعالمه كله.
أزمة أولاد حارتنا
بعد أن انتهى نجيب محفوظ من كتابة الثلاثية توقف عن الكتابة أكثر خمس سنوات، ثم يخرج في عام 1959م، برواية أحدثت وما زالت تحدث الكثير من اللغط والتأويل حول مغزى محفوظ منها، حتى أن البعض قال إن الرواية يجسد فيها محفوظ تاريخ الأنبياء عبر العصور، وأنه يعادي الدين ولا يقدر مشاعر الجماهير المتدينة!
لكن محفوظ يقول كما نقل عنه زكي سالم في الكتاب: « لم يكن هدفي أن أقدم بحثاً عن الأنبياء عبر العصور، بل كان الهدف الأهم هو نقد حكم العسكر، ونظامهم العسكري الباطش، بالنظر إليهم كمجرد فتوات جُدد للحارات المصرية، إذ يحكمون البلد كله بمنطق الفتوات "البلطجية"، لا بمنطق "رجال الدولة"، ولا حتى بمنطق الفتوات "الجدعان" الشرفاء.
وقدر تعرض محفوظ أكثر من مرة للمسائلة الأمنية وإن كانت بصورة خفيفة بسبب هذه الرواية، وتم سؤال محفوظ عن مقصده بالفتوات؟ فأجاب محفوظ بذكائه المعروف: "أقصد قوى الشر في المجتمع".
محفوظ والقصة القصيرة
يقول زكي سالم إن نجيب محفوظ كتب مئات من أجمل القصص القصيرة في الأدب العربي، ويعد نجيب محفوظ ضمن قائمة أعظم كُتاب القصة القصيرة في العالم أجمع.
ويعيب سالم على التصنيف الذي ظلم إبداع نجيب محفوظ في مجال القصة، حيث أن الناس في المجتمع الثقافي يستسهلون على حد وصفه، فهم يضعون محفوظ في خانة الروائيين فقط، متناسيين تراثه القصصي الذي به يُعد محفوظ من أفضل كتّاب القصة القصيرة.
نوبل وخطاب الجائزة
يقول زكي سالم إن حكماء الأمة وكتابها الكبار لو اجتمعوا معاً لكتابة الكلمة التي أرسلها نجيب محفوظ مع الكاتب محمد سلماوي ليلقيها بالنيابة عنه أمام ملك السويد في حفل تسلم جائزة نوبل، لما أمكنهم أن يكتبوا مثل ما كتب الأستاذ من كلمات في غاية الصدق والقوة والعمق والروعة والجمال.
وقد قال الأديب في كلمته: « أنا ابن حضارتين تزوجتا في عصر من عصور التاريخ زواجاً موفقاً، أولاهما عمرها سبعة آلاف سنة وهي الحضارة الفرعونية، وثانيهما عمرها ألف وأربعمائة سنة وهي الحضارة الإسلامية .. قدر لي يا سادة أن أولد في حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبانهما وأتغذى على آدابهما وفنونهما، ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة ».
محاولة الاغتيال
في عام 1995، تعرض الأديب العالمي نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال، حيث هاجمه شخص بسلاح أبيض وطعنه في رقبته طعنة قاتلة، لكن رفيق محفوظ في تلك اللحظة وهو الدكتور فتحي هاشم أسرع به إلى المستشفى ليتم إنقاذه بأعجوبة، وقد تبين فيما بعد أنا طاعن محفوظ قد قام بذلك بسبب رواية "أولاد حارتنا" التي ظهرت العديد من الفتاوى التي تقول إنها رواية إلحادية.
ويقول زكي سالم إن محفوظ نظر إلى الحادث على أنه قضاء وقدر، ولم يتأثر به من الناحية النفسية، بل كانت تصريحاته بعد الحادث تحمل نوع من التعاطف والخوف على الشاب الذي طعنه، فقد تساءل محفوظ: "لماذا يضيع مثل هذا الشاب مستقبله؟!".
فُقد ما لا يُعوض
« ثمة حكمة إنسانية رائعة في التأقلم مع الفقد، كما ذكرنا، لكن في الوقت ذاته ثمة فقد لا يمكن أبداً أن يُعوض، وهذا هو ما شعرت به شخصياً لحظة رحيل أستاذي العظيم عن عالمنا»، هذا ما قاله زكي سالم في أواخر سطور كتابه .. عن فقد للأستاذ والصديق نجيب محفوظ .. الذي ظل ينهل سالم من علمه وأدبه وفلسفته طوال ربع قرن من الزمان .
وهنا ننتهي معكم من قراءة كتاب "نجيب محفوظ.. صداقة ممتدة" للأديب زكي سالم، حيث ينتهي الكتاب برحيل محفوظ عن الدنيا، وفقد سالم لأديب وصديق وفيلسوف قال يوماً وهو يتخيل النهاية: « لقد بنيت حياتي كلها على حب الحياة، وحب الناس، وحب العمل، وأخيراً حب الموت».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.