تشهد العلاقات التركية اليونانية حالة من التوتر، نتيجة الأزمات المتراكمة بين البلدين، بداية من النفط وفرض النفوذ على جزيرة قبرص، مرورا برفض اليونان تسليم 8 جنود أتراك متهمين بالانقلاب العسكري، ما دفع الجانب التركي إلى الرد بالمثل عن طريق اعتقال جنديين وإدانتهما بتهمة التجسس. بالأمس، تظاهر نحو خمسة آلاف يوناني في مدينة أورستيادا الحدودية، لمطالبة الحكومة التركية بالإفراج الفوري عن جنديين يونانيين محتجزين في تركيا منذ عشرة أيام. كانت دورية تركية قد ألقت القبض على الجنديين، وهما ملازم ورقيب، في الأول من الشهر الجاري بعد اجتيازهما الحدود مع تركيا. ما أقدمت عليه تركيا مخالف للقانون الدولي، خاصة أن الدولتين تابعتان لحلف الناتو، ولا يجوز لدول متحالفة احتجاز جنود بعضهم البعض كرهائن. ويبدو أن الصراع بين البلدين ليس وليد اللحظة، خاصة أن الطرفين يحاولان إظهار التحدي والقوة ضد بعضهما، عبر المنابر السياسية من ناحية وعسكريًا من ناحية أخرى. وظهر ذلك من خلال مساعي اليونان إلى فرض السيطرة حول قضية قبرص، والتي انتهت بالفشل، حيث أرادت اليونان حينها انسحاب القوات التركية من الجزيرة، إلا أن أنقرة رفضت الاستجابة. بل وصل الأمر إلى أن تركيا وجهت رسالة إلى حلفاء اليونان بالمنطقة وبالأحرى مصر، قائلة: "تركيا دولة ذات قوة ملموسة، والمناورات العسكرية والتحالفات السياسية التي تقومون بها على الجانب اليوناني لجزيرة قبرص، ستواجه بالمزيد من العزم على حماية مصالحنا ومصالح القسم التركي من جزيرة قبرص التركية". تحذيرات الدولة العثمانية قوبلت باستنكار شديد، ودفعت كلا من مصر واليونان وقبرص إلى إجراء مناورات عسكرية في بحر إيجة وفقًا للاتفاقيات المُوقعة بين البلدين، الأمر الذي زاد من غضب تركيا. يمكننا الإشارة في هذا الصدد إلى أن اليونان أرادت إيصال رسالة إلى السلطان العثماني، بأن مصالحها فوق أي اعتبار، ولن تتراجع عن إجراء أي مناورات عسكرية مع حلفائها بما يخدم أهدافها ويحافظ على أمنها القومي. وحينما نتحدث عن الأزمات بين البلدين المتجاورين يجب العودة إلى الوراء قليلًا وبالأحرى في 17 يناير من العام الحالي، حيث اقترب قارب يوناني عسكري من جزيرة "كارداك" المتنازع عليها مع الجانب العثماني، واصطدم بقارب تركي. تسارع وتيرة الصدام بين أثيناوأنقرة، ما هي إلا رسالة سياسية تُظهر مدى قوة البلدين، واستعدادهما للتحديات السياسية والأمنية، خاصة في حال فشل التوافق. لكن الحقيقة التي نحن بصددها أن الجانب التركي حاول أن يلعب دورًا سياسيا في الأزمة، وذلك من خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى أثينا والإدلاء بتصريحات حول ضرورة مراجعة معاهدة لوزان الموقعة 1923 والتي توضح الحدود بين البلدين. تصريحات أردوغان "أغضبت الجانب اليوناني ودفعته إلى التأكيد على أن المعاهدة غير قابلة للتفاوض بأي شكل من الأشكال". وسرعان ما بادرت أنقرة بالرد على أثينا، وذلك عن طريق إلقاء القبض على جنديين يونانيين داخل الأراضي التركية، ووجهت إليهما تهمة التجسس. وظل هناك تساؤل.. حول إمكانية إجراء صفقة تبادلية بين البلدين، بحيث تقوم الأخيرة بتسليم 8 جنود أتراك مقابل الجنديين؟ لا يمكن الجزم بما ستؤول إليه الأحداث قريبا، خاصة أن الأزمة زادت من حدتها وقد تصل إلى حد المواجهة، ومن الصعب أن تُقدم تركيا على عقد صفقة مع اليونان حول الجنود. وتأكيدا على ذلك، تصريح المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداج، الذي نفى وجود أي نية لدى الحكومة التركية لإجراء صفقة تبادل جنود مع اليونان، موضحًا أن الحكومة اليونانية لم تتقدم بطلب بخصوص ذلك، والحكومة التركية لا تُفكر إطلاقًا في ذلك، وفقًا ل"الأناضول". في حين صرح وكيل وزارة الخارجية اليوناني يورجوس كاتروجالوس، أن بلاده لا تعتزم مبادلة الجنديين اليونانيين اللذين تحتجزهما تركيا بثمانية جنود أتراك طلبوا اللجوء في اليونان، قائلًا: "هذه مجرد أوهام.. نحن لسنا في حرب مع تركيا لنقوم بتبادل سجناء". يذكر أن العلاقات بين الجارتين الشريكتين في حلف الناتو، اليونان وتركيا متوترة، منذ منتصف يوليو 2016 عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في أنقرة، واتهام الأخير لأثينا بحماية جنود الانقلاب.