بأمر الرئاسة.. طرح المستشفيات الحكومية للجمعيات الخيرية والمجتمع المدني للتطوير والإدارة في ظل أوضاع صحية مرتبكة وفشل إداري جار، ونقص حاد في قوائم الأدوية الحيوية الخاصة بالأمراض المزمنة، وعجز المستلزمات الطبية داخل المستشفيات الحكومية طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء افتتاحه أول من أمس، مدينة العلمين الجديدة، مسئولي الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني، ومن بينها جمعية الأورمان ومؤسسة مصر الخير، بالمشاركة الإيجابية مع الدولة في تطوير وإدارة تلك المستشفيات من أجل علاج المواطن المحتاج، ما طرح تساؤلات عدّة بشأن مصير تلك المنشآت بعد ذلك. التساؤل الأبرز الذي طرحه المراقبون والقائمون على المجتمع المدني ما إذا كان ذلك بمثابة الضوء الأخضر للجمعيات الخيرية لتحل محل الدولة في دعم وتطوير تلك المنشآت بحكم الدستور والقانون هربًا من المسؤولية الاجتماعية والحقوق الدستورية أم أنها تساند الحكومة وتعمل جنبًا إلى جنب معها ولا تحل محلها للنهوض بالخدمة الصحية والتخفيف من معاناة المواطنين البسطاء. الدعم مقابل التمويل ومن أجل ذلك فإن الدولة المصرية مستعدة لمنح الجمعيات الخيرية مستشفيات جاهزة لإدارتها بحسب الرئيس السيسي، وغيرها من المستشفيات التي تقوم بهذا العمل الخيرى النبيل، وسوف تدعمها الدولة بشكل كامل طالما كان الهدف هو مساعدة الفرد المحتاج من خلال توفير خدمة لائقة وبالمجان. ودعا السيسي إلى ضرورة الاهتمام بشكل أكبر بإدارة هذه المستشفيات، قائلا: «إن إدارتنا للمستشفيات بشكل عام لم تصل بعد إلى المستوى الذي يرضينا جميعا، فمن يستطيع الحصول على مستشفى أو اثنين من الدولة ويديرها من خلال تبرعات المصريين، فالدولة ستقوم فورا بمنح مستشفيات جاهزة بشكل كامل وعلى أعلى مستوى». لم يكن حديث الرئيس في مدينة العلمين الجديدة عن أوضاع المستشفيات العامة هو الأول، فقد صرح من قبل أثناء حضوره مؤتمر الشباب في محافظة أسوان بأن إنشاء منشأة طبية قد يكون أمرا سهلا على الدولة، ولكن الإنفاق عليها لتشغيلها قد يكون عبئا شديدا لأنه يحتاج لموارد كبيرة، قائلًا: «عندنا مستشفيات كتير في مصر، لكن مش بتقدم الخدمة بشكل كويس». تخوفات و في مصر الآن بعض الجمعيات الأهلية ذات الوزن الثقيل والمدعومة من قبل الدولة أثبتت كفاءتها في إدارة بعض المنشآت الطبية وغير الطبية، فلا أحد ينكر دور مستشفى المواساة الجامعي الخيري بالإسكندرية ومستشفى سيد جلال والمستشفيات الخيرية الملحقة بالمساجد والكنائس وغيرها للتخفيف عن معدومي الدخل، ولكن الإشكالية والتخوف هنا أن يكون ذلك مبررًا للتخلص من تلك المستشفيات أو التنازل عنها لصالح المجتمع المدني كما تم تسليم ملف أكثر من 500 مستشفى من مستشفيات التكامل الصحي من قبل للشراكة مع القطاع الخاص. رغم أن الحكومة المصرية افتتحت نحو 37 مستشفى مركزيا وعامًّا في الآونة الأخيرة بتجهيزات كبرى فإن عدم وجود تأهيل وتدريب لقيادات هذه المستشفيات يضعها على طريق المستشفيات التي تشكو من سوء الإدارة وعدم وجود برامج مكافحة للعدوى نتيجة السياسات المتكررة التي تسهم في إهدار مليارات الجنيهات التي توفرها الدولة، وذلك حسب المحامي الحقوقي محمود فؤاد مدير المركز المصري للحق في الدواء. ويعترض على هذا الرأى اللواء ممدوح شعبان، مدير عام جمعية الأورمان، قائلا: «إن المؤسسة قادرة على المساهمة في تمويل مشروع التأمين على العمالة، بحيث يتم دفع المبلغ المطلوب دفعة واحدة على أن يتم تحصيله من خلال أقساط شهرية». الدكتور عمرو فؤاد، استشاري إدارة المستشفيات، مستشار مالي في شركة درياس الدولية المحدودة، المقيم في ولاية أونتاريو بكندا، أعلن أن قطاعا كبيرا من المصريين يخشون استخدام عبارة شركات التي تُذكرهم ب «بعبع» الخصخصة أو بيع ممتلكات وأصول الشعب ومن ثم جاء البديل الذكي (الجمعيات الأهلية) من خارج الصندوق. وأضاف فؤاد أن "كثيرا من المستشفيات المشهورة بالدولة والتي كانت لها سمعة طيبة وكلنا اتعالجنا فيها بجميع مستوياتنا الاجتماعية (مثل العجوزة والقبطي وهليوبوليس) كانت في الأصل مملوكة لجمعيات أهلية وكانت تدار بكفاءة إلى حد كبير ولكنها تم تأميمها في الستينيات فاستمرت بالجهود الذاتية من 10 -15 عاما إلى أن أصابها «سِحْر» الوزارة وانهارت كذلك الجمعيات المالكة لها، لأن التعويض المالي كان مجحفا بشكل كبير، وبالتالي فهذا يُصلح خطأ تم ارتكابه منذ أكثر من 50 عامًا. المجلس الأعلى للصحة يدير المركز المصري للحق في الدواء أعلن ترحيبه بمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لقيام عدد من الجمعيات بإدارة هذه المستشفيات ولكنه في الوقت ذاته طالب بالإعلان عن تشكيل «المجلس الأعلى للصحة» ليتولى مهمة واحدة تتمثل في وضع خطط محكمة لإعادة تأهيل المستشفيات المصرية وكذا وضع برامج تأهيل إداري طبقًا لبرامج الاعتماد الدولي ويرشح المركز عددا من القيادات التي لها تجارب ناجحة في إدارة مستشفيات تمت بناؤها من أموال التبرعات، بل إن تجاربها أصبحت مثلا دوليا يُحتذى مثل الدكتور محمد غنيم، أستاذ الكبد بجامعة المنصورة والدكتور مجدي يعقوب، جراح القلب العالمي والدكتور شريف أبو النجا، مدير مستشفى سرطان الأطفال 57357 والدكتور محمد أبو الغار، أستاذ طب النساء والتوليد بجامعة القاهرة والدكتور محمد عمارة، أستاذ جراحة القلب وغيرهم. «الصحة جزء من الأمن القومي».. يقول المحامي الحقوقي محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء الذي طالب الدولة بأن تتحكم جيدًا في تسعير الخدمات الصحية بحيث لا تترك المستشفيات العامة والخاصة على حد سواء لسياسات العرض والطلب، لأن الصحة ليست سلعة تُباع وتُشترى كما أن للدولة خططا وأهدافا تريد تنفيذها بناءً على خريطة الأمراض وعدد السكان، على أن يتم هذا في ضوء أن المستشفيات في حاجة لإعادة الهيكلة بدلًا من التخلص منها أو التنازل عنها عملا بنصوص الدستور المصري.