تصوير- هانى شمشون يُخرج حصان والده، يضع فوق رأسه اللجام، يربطه بالعربة، يرفع الأجولة فوقها، يطلق صرخة استعجال «يلا يا أمى هنتأخر»، تركب والدته، ويرفع سوطه إيذانا للحصان بالتحرك. يغدو فى الشوارع هنا وهناك بحثًا عن صناديق القمامة، وفور إيجاد أحدها، يقفز ووالدته داخلها، بحثًا عن البلاستيك والكارتون وعلب «الكانز»، يبيعون الحصيلة، ليعودوا آخر اليوم بنحو مئة جنيه. كان هذا هو السيناريو اليومى ل«سعد» -صاحب العشرة أعوام- ووالدته، القاطنين بعزبة الصفيح بحى المطرية، بحثًا عن إطعام إخوته الثلاثة لكن هذا السيناريو اليومى توقف بسبب قرار رئيس حى المطرية، الذى قرر منع سير عربات النقل البطيء -الكارو- بكل ميادين وشوارع الحي. محافظ القاهرة: صادِروا الكارو فى السادس والعشرين من نوفمبر الماضى، أمر المهندس عاطف عبد الحميد، محافظ القاهرة، رؤساء أحياء العاصمة بمنع سير عربات الكارو بالميادين والشوارع، بمداخل المحافظة ومخارجها، والتحفظ على العربة وتسليم الدابة التى تجرها إلى حديقة الحيوان. وشدد عبد الحميد، على الأجهزة المعاونة بالأحياء والرصد البيئى، وشرطة المرافق بالالتزام، بتنفيذ قرار منع سير عربات الكارو بشوارع الحى، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدها، مع تكليف مرور القاهرة حال ضبط أى عربة كارو بشوارع العاصمة بحجز العربة وسحب البطاقة، من سائقها والاتصال برئيس الحى لاتخاذ اللازم. سعد يحكي قصة هروبه "حاولوا إيقافي، فهربت، طاردوني فأخذت أضرب الحصان بكل قوة، كي ننجو من أياديهم، حتى وصلنا للبيت سالمين" هذا ما قاله «سعد» صاحب العشرة أعوام عن هروبه من قبضة موظفي حي المطرية، الذين أرادوا إعدام عربة والده ومصادرة الحصان، وهو ما يعني خراب بيتهم -بحسب ما قال-. وأضاف سعد أنه يخرج يوميا، ووالدته المصابة بالربو، يجمعان البلاستيك والكارتون من الشوارع وصناديق القمامة، في جونيا -أجولة-، ليعودوا بنحو مئة جنيه، لإطعام أسرتهم. العيش داخل حظيرة جالسة فوق كومة من القش يحيط بها صغارها وروث البهائم، داخل حظيرة يبيت بها حصان، التقطت أم سعد أطراف الحديث من ولدها، قائلة: «اسمي فوزية محمد السيد، تزوجت منذ 14 سنة، في غرفة بهذا البيت، في عزبة الصفيح بالمطرية، المكون من ثلاث غرف وطرقة و«زريبة»، أعيش فيها وزوجي وأبناؤنا الأربعة، وغرفة لوالده ووالدته، وأخرى تعيش بها أخته وأطفالها الأربعة. وأضافت أم سعد -كما تفضل أن نناديها-، أنها طيلة أربعة عشر عاما مضت، تعمل مع زوجها بالعربة الكارو، في رفع القمامة وفرزها، رغم معاناتها الشديدة في التنفس، حيث إنها مريضة بالالتهاب الرئوي، وتداوم على استخدام جهاز للتنفس الصناعي -ولاد الحلال اشتروهولي-، خلال أزمات صعوبة التنفس المتكررة. هنا صمتت قليلا ورُسمت على وجهها ابتسامة ساخرة، ثم قالت: «الدكتور بيقولي لازم تقعدي في مكان نضيف، قولتله أنا باشتغل زبّالة.. فنظر إلى الأرض وسكت». تحدثت أم سعد عن معاناتها مع موظفي الحي ومطاردتهم لها، وهروبها ونجلها من أيديهم بأعجوبة، مبدية استعدادها للتخلي عن الكارو، ولكن من أين ستأكل هي وزوجها وصغارها، مناشدة المسئولين: «لو عايزين تاخدوا العربة، وفرولنا البديل». حصان بالتقسيط «باشتغل في أي حاجة، مابقولش لأ، بابيع برتقال، فول حراتي، ولو الدنيا نايمة، بالم زبالة، أبيع أنابيب» هذا ما قاله بدوي السيد، صاحب عربة كارو -بالقسط-، مضيفًا أنه منذ عشرة أيام، صادر حي المطرية حصانه وعربته الكارو، خلال سيره بالشارع، فأعدموا العربة، وأودعوا الحصان حديقة الحيوان. وأردف بدوي، أنه اضطر إلى شراء عربة وحصان جديد بنظام التقسيط، ورغم ذلك حملات الحي لا ترحمه، وتلاحقه أينما ذهب، متمنيًا أن ينجح في بيع حمولة «الفول الحراتي» منذ ثلاثة أيام كاملة، قبل تلفها. قُطعت يدي.. ولم أجد غير الكارو تحنو عليّ وفي الجوار يقف عثمان سيد، يقيم بإحدى العشش بعزبة الصفيح، وراح يحكي قصته: «قطعت يدي اليمنى في حادث، حاولت العمل في مهن مختلفة إلا أن الإعاقة التي في يدي، كانت كفيلة برفض أصحاب الأعمال لي، إلى أن اهتديت إلى أن أستأجر عربة كارو ب60 جنيهًا في اليوم، أحمل عليها البلاستيك والكارتون، مما أجمعه من الشارع، ثم أبيعه، ويتبقى لي خمسون جنيها بعد خصم أجرة العربة وطعام الحصان». وأكمل عثمان: «منذ سبعة أيام، وأنا أسير بأحد الشوارع، هاجمني موظفو الحي، وأخذوا مني الحصان، وناشدتهم عدم تحطيم العربة، فتعاطف أحدهم مع ذراعي المقطوعة، فأمر بمصادرة عجلات العربة الأربع، فتركوها لي جثة هامدة، فألزمني مالك العربة بدفع ثمن الحصان وإصلاح عربته، ومنحني أخرى بالإيجار». «لا مانع من ترك هذه المهنة، ولكن وفروا لي أخرى بديلة عنها، أنا تعبت من رفض أصحاب المحال لعملي معهم، بسبب يدي المقطوعة، الشغلانة دي هي اللي رضيت بيا، فيا ريت تسيبوني في حالي» هذا ما ختم به عثمان، مناشدته المسئولين. «ضربوني وأخدوا الحصان والعربية» وعلى بعد أمتار قليلة يُجهز إبراهيم عبد الناصر، عربته وحصانه، للخروج للعمل، سألناه عن رأيه في قرار مصادرة العربات الكارو، فبدأ في سرد قصته: «ماتت زوجتي وتركت لي طفلين، كنت أعمل سمكريا إلى أن شُلت يدي، وأصبحت عاجزًا عن العمل سمكريا، بحثت عن عمل آخر، إلى أن يئست فلم أجد سوى تلك المهنة، اشتريت عربة كارو، أسدد ثمنها بالقسط، آخذ معي أحد أطفالي يقود لي العربة، وأجمع أنا المخلفات. منذ سبعة أيام، اعترضني موظفو الحي، صادروا الحصان، والعربة فكسروها، الله يسامحهم، واعتدوا عليا بالضرب، لمجرد رفضي تركها، فألزمني مالك العربة الأصلي بدفع كامل ثمنها بالتقسيط، وأعطاني واحدة غيرها، بالقسط أيضًا. وفي نهاية حديثه، قال إبراهيم عبد الناصر: «لو الحكومة مش عايزة الكارو، يوفرولنا بديل، لكن يقطعوا عيشنا، يبقى هناكل منين؟». رئيس الحي: صادرنا 55 عربة كارو لأن شكلها غير لائق في المقابل قال اللواء خالد المحمدي، رئيس حي المطرية «حينما توليت رئاسة الحي في فبراير من العام الماضي، وجدت بعض المشكلات، منها التوك توك، المباني المخالفة، الطرق غير المرصوفة، وانتشار القمامة في الشوارع». وأضاف المحمدي أن مشكلة الباعة الجائلين، كانت تؤرق كثيرا من السكان، حيث كانوا يفترشون الشوارع والميادين، ويعطلون حركة السير بشكل مستفز، فنفذنا عددا من الحملات على الباعة وعربات الكارو، ونجحنا في مصادرة ما يزيد على 55 عربة كارو، حيث إن شكلها غير لائق تمامًا، فمن غير المنطقي أن تعتمد القاهرة -العاصمة في القرن الواحد والعشرين، على سيارات قديمة متهالكة -كارو- تسبب تلوثًا بيئيا. وعن البدائل التي يطالب بها «العربجية»، أوضح رئيس حي المطرية، أن هناك بدائل كثيرة لأصحاب العربات الكارو، حيث إن العربة والدابة التي تجرها، ثمنهما لا يقل عن عشرة آلاف جنيه، في الوقت الذي لا يزيد فيه ثمن التروسيكل عن 15 ألف جنيه، إذن الفرق بينهما ليس كبيرا، ويحققان نفس الدخل تقريبًا، بل التروسيكل أسهل في الحركة، متسائلا: لماذا لا نطور أنفسنا ووسائل التنقل بين الشوارع؟ واختتم المحمدي، بأنه تم إجراء دراسة لتكرار تنفيذ مشروع «شارع مصر» بالمطرية، بشارع ترعة الإسماعيلية، بداية من قصر الثقافة حتى مسجد الرحمن، على مساحة تتجاوز ستة آلاف متر، وتم تجهيز المكان، وقد تشهد الفترة القليلة المقبلة بدء تنفيذ المشروع.