هل يتسبب سد النهضة في اشتعال «حرب المياه»؟

«ربما يؤدي سد النهضة الذي يجري بناؤه حاليا على نهر النيل إلى اندلاع حرب على المياه، ما لم تتوصل إثيوبيا إلى اتفاق بشأنه مع مصر والسودان».. بهذه الجملة بدأ ألاستير ليثهيد، مراسل شبكة «بي بي سي» للشؤون الإفريقية، تقريره، الذي يستعرض من خلاله قصة السد والخلافات بشأنه مستعينا بمسؤولين من مصر والسودان وإثيوبيا.
يوضح ليثهيد: «كثيرا ما يقال إن الحرب العالمية المقبلة ستكون على المياه، وهناك مناطق قليلة في العالم تشهد توترا، بنفس الدرجة التي تشهدها منطقة حوض نهر النيل»، مضيفا: «مصر وإثيوبيا بينهما خلاف كبير حول سد النهضة، والسودان في وسط المشكلة، ويتم حاليا تنفيذ تحول جيوسياسي كبير، بمحاذاة أطول نهر في العالم».
ويقول: «لقد كان هناك حديث حول بناء سد على النيل الأزرق منذ سنوات عديدة، لكن حينما بدأت إثيوبيا بناء السد انطلقت ثورات الربيع العربي، وكانت مصر حينها منشغلة بأمورها الداخلية».
وعن أهمية النيل لمصر، يشير مراسل «بي بي سي» إلى أن الفراعنة عبدوا النيل باعتباره إلها، و«مصر هبة النيل»، وعبر آلاف السنين، وفي العصر الحديث بدعم من الاحتلال البريطاني، مارست مصر نفوذا سياسيا على نهر النيل، لكن طموح إثيوبيا غير كل ذلك.
ويذكر: «هناك عدد قليل من الدول الإفريقية لديها خطة، للتعامل مع ارتفاع عدد سكان القارة إلى الضعف، خلال ال30 عاما المقبلة»، متابعا: «وعلى الرغم من التحديات السياسية التي تواجهها، والمستوى المحدود من الحريات، إلا أن إثيوبيا تبني مناطق صناعية، وتسعى للانتقال إلى مصاف الدول متوسطة الدخل، ومن ثم فهي بحاجة إلى الكهرباء، وستتمكن أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وواحد من أكبر السدود في العالم من تحقيق ذلك، ولكن لأن 85% من مياه النيل تأتي من إثيوبيا، فإن مصر تخشى من أن تتحكم إثيوبيا في تدفق مياه النهر».
إثيوبيا: السد أهم مشروع
انتقل المراسل إلى إثيوبيا وتحدث إلى وزير المياه والري والكهرباء سيليشي بيكيلي، الذي قال عن سد النهضة: «إنه واحد من أهم المشروعات الرئيسية، بالنسبة لإثيوبيا».
وأضاف بيكيلي: «إن السد لا يهدف للتحكم في تدفق مياه النهر، لكنه يقدم لنا فرصة لتطوير أنفسنا، من خلال تطوير الطاقة. إنه يتضمن الكثير من الفوائد لدول المصب».
وعلق مراسل «بي بي سي»: «السودان بالطبع يرحب به»، موضحا: «يقع سد النهضة على بعد كيلومترات قليلة من الحدود، وجرى تركيب أبراج الضغط العالي بالفعل، انتظارا لبدء توليد الطاقة الرخيصة والمتجددة، وسريانها عبر الأسلاك».
ويتابع: «في الوقت الراهن، فإن التفاوت بين مستوى المياه العالية والمياه المنخفضة في السودان هو 8 أمتار، وهذا يصعب من إدارة مشروعات الري الواسعة، في ذلك البلد، ومع اكتمال بناء السد، فإن ذلك الفارق سيصبح مترين فقط، كما أن النهر سيتدفق طوال العام».
السودان: السد أفضل شيء حدث منذ فترة طويلة
من إثيوبيا ذهب المراسل إلى السودان، حيث تحدث مع صاحب شركة «دال» التي تدير مزارع ومشروعات للري أسامة داوود عبد اللطيف، الذي أشاد بسد النهضة قائلا: «بالنسبة للسودان فإنه رائع».
وأضاف عبد اللطيف: «إنه أفضل شيء يحدث منذ فترة طويلة، وأعتقد أن الجمع بين الطاقة ومستويات مياه منتظمة يعد خيرا كبيرا»، موضحا أنه يتفهم مخاوف مصر، إذ أن الأمم المتحدة تتوقع أن تعاني نقصا في المياه، بحلول عام 2025.
ويذكر: «النيل هو حبل النجاة بالنسبة لمصر، لذلك لن أقول إنهم مذعورون، لكنهم قلقون للغاية، تجاه أي شيء يفعله الآخرون يتعلق بالمياه». ويعلق مراسل «بي بي سي»: «أي تهديد لمياه مصر يعتبر تهديدا لسيادتها».
خبيرة مصرية: قواعد اللعبة تغيرت
من السودان إلى أكاديمية مصرية تعمل في ألمانيا وهي راوية توفيق التي أوضحت أنه: «يجري حاليا تغيير قواعد اللعبة تماما. هناك نظام جديد يبدأ إرساؤه في المنطقة برمتها».
وتضيف توفيق: «إثيوبيا لأول مرة تجمع بين القوة المادية، باعتبارها دولة منبع، يمكنها بطريقة أو بأخرى التحكم في تدفقات النهر، وكذلك القوة الاقتصادية، بكونها قادرة على بناء سد اعتمادا على مواردها المحلية».
الري: سيصبح لدينا مليون مواطن عاطل
من جانبه، عبر وزير الري محمد عبد العاطي، عن شعوره بغضب شديد، قائلا: «نحن مسؤولون عن بلد يبلغ عدد سكانه 100 مليون شخص. إذا نقصت المياه التي تأتي لمصر بنسبة 2%، فإننا سنفقد نحو 200 ألف فدان من الأرض الزراعية».
ويضيف عبد العاطي: «الفدان الواحد تقتات منه أسرة واحدة على الأقل. ومتوسط حجم الأسرة في مصر هو 5 أفراد، لذلك فإن هذا سيؤدي إلى فقدان نحو مليون شخص لوظائفهم»، مشددا: «إنها مسألة أمن قومي».
«مساحة السد أكبر من لندن»
عن استهلاك محطات توليد الطاقة الكهرومائية للمياه، يوضح مراسل «بي بي سي» أنها لا تستهلك المياه، لكن الأمر يكمن في السرعة التي ستملأ بها إثيوبيا خزان السد، ما سيؤثر على تدفقات المياه نحو المصب، مضيفا: «إنهم يرغبون في توليد الطاقة بأسرع وقت ممكن، لكن الأمر سيستغرق وقتا لملء خزان السد، الذي ستصبح مساحته أكبر من مدينة لندن، وإذا تم ملء خزان السد على مدار 3 سنوات، فإن مستوى النهر سيتأثر، لكن إذا تم ذلك على مدار 6 أو 7 سنوات، فلن يتأثر مستوى المياه بدرجة مهمة».
ويقول: «المفاوضات بين مصر وإثيوبيا لا تجري على ما يرام، ولم تصل المفاوضات بعد إلى مرحلة تقييم آثار السد، بل إنها متوقفة عند مرحلة الاتفاق على كيفية تقييم تلك الآثار»، متابعا: «تقف مصر والسودان على طرفي نقيض، إزاء كمية المياه التي يستخدمها السودان، وحول معدل زيادة تلك الكمية عند اكتمال بناء السد، ومن المفارقة أن مصر فعلت في الستينيات من القرن الماضي ما تفعله إثيوبيا الآن تماما، حينما بنت السد العالي في أسوان».
ويستكمل: «باعتبارها دولة ثورية فيما بعد مرحلة الاستعمار الأجنبي، كانت مصر تفتخر بهذا الإنجاز الوطني، وترى إثيوبيا سد النهضة بنفس الطريقة، وترغب إثيوبيا في أن تتكفل ببناء السد من مواردها المحلية، دون مساعدة دولية، ويدفع موظفو الحكومة في إثيوبيا راتب شهر سنويا للمشروع، وهو الأمر الذي لا يروق لجميعهم، وهناك طرح متوقع لسندات من أجل تمويل السد».
«مصر لا تملك فعل أي شيء تجاه السد»
ويوضح المراسل: «بعد 5 سنوات اكتمل بناء نحو ثلثي السد، وهو بالفعل الآن يقطع النهر، ولا تملك مصر فعل أي شيء تجاه السد، ما عدا اتخاذ إجراء عسكري، الأمر الذي سيكون خطيرا، وهذا هو السبب الذي يجعل من الدبلوماسية والتعاون هما السبيل الوحيد لحل هذه المسألة، لكن حينما يتعلق الأمر بقضايا مثل القومية والقوة النسبية وأهمية الدول، فإن ذلك قد يعكر صفو المياه».
ويختتم مراسل «بي بي سي»: «في النهاية، فإنه يمكن تجنب حدوث أول حرب في العالم على المياه في حوض نهر النيل، وربما يمكن أن يصبح ذلك مثالا على كيفية حل الخلافات المعقدة على المياه، لكن هناك حاجة لبذل مزيد من الجهد، من أجل التوصل لاتفاق بين إثيوبيا والسودان ومصر، لحل هذه القضية».