تعرف على أسعار الخضار والفاكهة في أسواق البحيرة اليوم    حرائق تلتهم غابات الجبل الأخضر وتقترب من المناطق السكنية شرق ليبيا    ليبيا..تسريب نفطي في أحد خطوط الإنتاج جنوب مدينة الزاوية    وزارة الخارجية والهجرة تحتفل بيوم أفريقيا    "مساهمات كثيرة".. ماذا قدم محمد صلاح في مبارياته أمام كريستال بالاس؟    تمهيدًا لتعميم التجربة.. مطار الغردقة الدولي يُطلق خدمة جديدة لذوي الهمم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    إصابة عدة أشخاص في أوكرانيا بعد ليلة ثانية من هجمات المسيرات الروسية    «حلم الكهرباء الموحدة».. مطلب عاجل بربط حلايب وشلاتين بالشبكة القومية للكهرباء    جدول مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة: ليفربول ومانشستر سيتي.. نهائي الكونفدرالية    طقس اليوم: شديد الحرارة نهارا ومعتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 38    سعر الدولار اليوم الأحد 25 مايو 2025 في 4 بنوك    عيار 21 بكام.. ارتفاع أسعار الذهب الأحد 25-5-2025 في مصر    نموذج امتحان الجبر والهندسة الفراغية الثانوية الأزهرية 2025.. تفاصيل امتحانات طلاب الأزهر    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    إعلام: عطل في اتصالات مروحية عسكرية يعطل هبوط الطائرات في واشنطن    مصرع ميكانيكي سقط من الطابق الخامس هربًا من الديون بسوهاج    عاصفة تهز سوق العملات الرقمية.. أكثر من 100 مليار دولار تتبخر في ساعات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 25-5-2025.. كم بلغ سعر طن حديد عز؟    مي عبد الحميد: تنفيذ أكثر من 54 ألف وحدة إسكان أخضر.. ونستهدف خفض الطاقة والانبعاثات    القبض على 3 شباب ألقوا صديقهم في بيارة صرف صحي ب15 مايو    خبير اللوائح: أزمة القمة ستسمر في المحكمة الرياضية الدولية    الكشف الطبي على 570 مواطنًا خلال اليوم الأول للقافلة الطبية    مستشفى دمياط التخصصي: حالة الطفلة ريتال في تحسن ملحوظ    نجاح أول جراحة «ليزاروف» في مستشفى اليوم الواحد برأس البر    ترزاسكوفسكي يرفض التوقيع على إعلان الكونفدرالية بشأن أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والأسلحة    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    بينهم موسيقي بارز.. الكشف عن ضحايا تحطم الطائرة في سان دييجو    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنتم الجدار المائل
نشر في التحرير يوم 31 - 12 - 2017

في بداية حياتي الطبية كنت أعمل في استقبال مستشفى (.....) بطنطا كطبيب امتياز. كان هناك حشد من الأدوية الناقصة التي يمكن أن تملأ مجلدات لو دونت أسماؤها. أما الاستقبال فكان غرفة رطبة ضيقة قذرة، وجوار الباب تجلس ممرضة جوار غلاية الحقن التي تعمل طيلة الوقت، وهي تعتقد واهمة أنها تتخلص من فيروس سي، الذي لم يكن العلم قد عرفه وقتها.
ولم يكن مع الممرضة سوى قرصين من الأسبيرين وقرصين من دواء المغص. وكان المرضى يصلون في حالات بعضها لا يستدعي الدخول.. أي هم محتاجون لعلاج حقيقي فعال، لكنهم أكثر صحة من دخول المستشفى، فكنا نكتب لهم العلاج الحقيقي والتحاليل الحقيقية في قصاصات ورق مع توصية بالتردد على العيادة بمجرد أن تبدأ العمل صباحًا.
كنا نحاول أن نقدم خدمة محترمة حسب الإمكانيات دون تمسك بحرفية القانون، وكانت النتيجة أن أحد المرضى خرج بالقصاصة إلى المحافظة وشكا أن الأطباء يكتبون أدوية من الخارج. وسرعان ما دارت عجلة كراهية الأطباء المستعدة دائمًا، وقيل إننا نرسل المرضى لصيدليات خاصة نتقاسم معها الأرباح.. إلخ... ثم صدر قرار مدير المستشفى بحظر كتابة أدوية من الخارج. فلم يعد لدينا سوى تقديم أقراص الأسبيرين وما تيسر من حقن بالاستقبال.. والغريب أن هذا لم يملأ قلب المرضى فرحًا كما توقع المدير. أنت تعطي مريض الربو حقنة من الأمينوفللين ثم تتركه لمصيره بدون موسعات شعب أو طوارد بلغم.. ولسوف يكتشف في عيادة الصدر أنه لن ينال غير هذا، ولو كتب له الطبيب طارد بلغم يشتريه فهو الخراب والهلاك.
عادت هذه القضية على السطح مع طبيب شاب من الزقازيق اسمه محمود ناصر، يعمل في مستشفى الجامعة. وكما تصف القديسة د.منى مينا ما حدث في مقال لها: "كطبيب مقيم حديث ليس له إلا أن يسير على نظام العمل بالقسم دون أدنى اعتراض.. القسم به منظار ركبة واحد صالح للعمل.. وقوائم انتظار المرضى طويلة.. لذلك تم التوافق في المستشفى الجامعي بشكل أو بآخر على أن يتم تأجير منظارين آخرين من شركة خاصة.. لتعمل 3 غرف عمليات على التوازي..
لم يتم التعاقد بشكل رسمي مع الشركة.. فالمستشفى الجامعي لا يستطيع دفع إيجار المنظارين.. وسارت الأمور بشكل غير رسمي.. المرضى يدفعون للشركة.. والأطباء يعملون.. والخدمة الطبية تقدم بعد أن تجهز المستلزمات بهذه الطرق المرتبكة والعرجاء.. ولكنها أحيانا كثيرة تكون -للأسف- الطريقة الوحيدة لتقديم الخدمة..
حتى "تيجي الطوبة في المعطوبة" ويعترض أحد المرضى عندما طلب منه دفع مقابل للمنظار المؤجر.. فلجأ ومعه كل الحق لإبلاغ جهة رقابية.. راقبت وسجلت.. لكنها لم تحاول أن تبحث لماذا لا توجد مناظير كافية في المستشفى الجامعي.. ولا كيف يمكن توفير ميزانية جيدة للمستشفى الجامعي لتأجير المناظير.. وتم إلقاء القبض على الطبيب وعرضه على النيابة وحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق بسبب تأجير المناظير الخاصة للعمل في القسم!!!! الطبيب الشاب كبش الفداء..
هل كان يملك رفض العمل بهذه الطريقة "العرجاء"؟؟؟ هل كان يملك الاعتراض على ضعف الإمكانيات.. وضعف الميزانية الذي لم يمكن المستشفى من تأجير رسمي للمناظير؟؟؟ هل كان لا سمح الله يستطيع المطالبة بتحسين إمكانيات وميزانية المستشفى الجامعي؟؟ للأسف كان د.محمود ناصر في وضع لا يتيح له الاختيار.. أما نحن فنملك الاختيار.. نملك ألا نترك زميلنا يقدم كضحية لجريمة لم يرتكبها.. نملك أن نذهب للنيابة في الزقازيق ونقدم شهاداتنا عن العجز في العديد من أدوات ومستلزمات العمل الأساسية في مختلف الأقسام التي نطلب من المرضى شراءها من الخارج".
ما حدث فعلاً هو أن الأطباء قرروا أن يوفروا على المريض 15 ألف جنيه يدفعها في مستشفى خاص، فاقترحوا أن يقوم بتأجير منظار ب500 من شركة خاصة. وكان معه قرار وزاري يسمح ب300 جنيه، لذا ظل هناك 200 جنيه مشكلة. قام المريض بتسجيل هذه المحادثة واتهم الطبيب بطلب رشوة.. والنتيجة أن الطبيب ذهب للسجن.
كانت غضبة الأطباء عظيمة على الشبكات الاجتماعية، كما نرى هنا:
لم يتكلم أحد عن نقص إمكانيات مستشفى جامعي في مصر في الوقت الذي نشتري فيه حاملات طائرات ومفاعلات ذرية، لكن استفادت الحكومة جدا كالعادة من تأجيج خلاف الجبهة سهلة الاشتعال بين الأطباء والمرضى (أقاربهم على الأصح).
يقول د.أحمد حسين عضو مجلس نقابة الأطباء: "عندما ترتبط واقعة جديدة في نوعها أن من يساهم عمدا في تشويه الأطباء بشكل شخصي هو أحد أقارب المرضى وهو يعلم تماما أبعاد الموضوع، فهنا لا بد من وقفة نخشى معها ألا نستطيع كبشر أن نستمر في تحمل مسئوليتنا في الدفاع عن حقوق المريض أمام فشل الجهات التنفيذية في توفير احتياجاتهم، ولا نستطيع أن نطالب زملاءنا الأطباء للقيام بأكثر من دورهم المهني في حدود إمكانيات المستشفى التي يعملون بها أيا كانت كافية أم يشوبها العجز والنقصان، وليتحمل كل دوره في حدوده اختصاصاته المهنية والوظيفية... نخشى جميعا أن يتحول الفريق الطبي وفي القلب منه الأطباء إلى آلة بيروقراطية أو موظف طابع الدمغة بلغة الجهاز الإداري البيروقراطي".
.............................................
"أطالب جهات التحقيق بسماع شهادات إدارة جامعة الزقازيق والمستشفى الجامعي والفريق الطبي العامل به عن علمهم وتعودهم على هذا التوجيه الذي فعله الطبيب نتيجة عجز المستشفى عن دفع كامل تكاليف المستلزمات للشركات الموردة، فإني أيضا أطالب جهات التحقيق والجهات الرقابية أن تبحث عن المُتهم بل المُجرم الفعلي في حقيقة نقص أو غياب الأدوية والمستلزمات بالمستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية".
كان هناك قرار شجاع من رئيس جامعة سوهاج يعترف فيه بشكل واضح بنقص الأدوية والمستلزمات، ويوجه الطبيب لنصح أهل المريض بشراء اللوازم من الخارج. هذه واقعية يحسد عليها. هذا يضع المريض في الصورة الكاملة، وليعلم أن المشكلة هي مشكلة الدولة واقتصاد يدار بحماقة، وليست مشكلة الجدار المائل الأبدي الجالس في استقبال المستشفى ينتظر المشاجرة التالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.