"الرشوة" هي إحدى أكثر الجرائم التي تمس نزاهة الوظائف العامة والقيادية، وأكثرها إخلالاً بالشرف والأمانة، وبالرغم من هذا وذاك، تعتبر الرشوة هي الجريمة الأكثر انتشارا في الأوساط الإدراية، حتى في ظل حالة النشاط التي تشهدها الأجهزة الرقابية في مواجهة قضايا الفساد المالي والإداري، خبراء القانون أكدوا أن جرائم الرشوة لها أضرار فادحة تنعكس على أداء الأجهزة الإدارية بالدولة وعلى أفراد المجتمع أيضاً. التحرير رصدت عدداً من وقائع الرشوة التي تورط فيها مسئولون خلال الشهور الماضية، وكان آخرها واقعة ضبط (ى.م.ى) النائب الأول لرئيس الاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي بشيك بنكي بقيمة مليون ومائتى وأربعين ألف جنيه و14 عقدًا لوحدات سكنية ومحلات تجارية بأحد الأبراج السكنية قيمتها 8 ملايين جنيه متحصلات الرشاوى التي تقاضاها من أحد المقاولين.
هيئة الرقابة الإدارية ضبطت كلا من المتهم، وعلي (ا.ا.غ) رئيس جمعية الشباب الوطني للإسكان التعاوني بالسويس، و(ع.ا.ع) نائب رئيس الجمعية، عقب حصوله على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من مسئولي الجمعية، وذلك مقابل استغلال نفوذه الوظيفي بالاتحاد، حيث إنه مختص بالرقابة علي كافة أعمال جمعيات الإسكان على مستوى الجمهورية وقام بحفظ تقارير التفتيش على الجمعية والتي تتضمن ارتكاب مسئولي الجمعية العديد من المخالفات المالية والإدارية الخاصة بعملية إنشاء أحد الأبراج الشهيرة بمحافظة السويس.
التحريات كشفت عن إسناد نائب رئيس الاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي الأول عملية إنشاء البرج السكني بالأمر المباشر لذات المقاول إبان فترة رئاسته السابقة للجمعية وقبل توليه منصبه الحالي، وبعرض المتهمين على النيابة العامة قررت حبسهم جميعا. مدير تسويات البنك الأهلي نهاية الأسبوع الماضي تمكنت هيئة الرقابة الإدارية، القبض على (ع . أ)، مدير عام التسويات بالبنك الأهلي المصري، متلبسا بتقاضي مبلغ 20 ألف جنيه على سبيل الرشوة من أحد أصحاب شركات المقاولات الخاصة، نظير إنهاء الإجراءات الخاصة ببيع أرض مصنع النشا والخميرة بالإسكندرية. وتعود ملكية الأرض للبنك، وأراد المشتري تغيير نشاط استخدامها من صناعي إلى سكني، وتبلغ مساحتها حوالى 64 ألف متر مربع، ويقدر ثمنها بحوالي 210 ملايين جنيه. وحسب بيان صادر عن هيئة الرقابة، أكدت فيه تمكنها من القبض على نائب رئيس الاتحاد التعاوني الإٍسكاني لتلقيه رشوة بقيمة 8 ملايين جنيه.
قاضي الإسكندرية واقعة شهيرة دارت أحداثها بمحافظة الإسكندرية، حيث تمكنت الأموال العامة في أغسطس الماضي، من ضبط قاضٍ بمحكمة الإسكندرية، ومحامين متلبسين فى قضية رشوة، للحكم ببراءة أحد المقاولين فى قضية توثيق قطعة أرض.
وبعد وضع خظة أمنية محكمة تم ضبط المتهم الأول المستشار "أ.و" رئيس محكمة جنح الرمل أول بالإسكندرية، ومعه المحامى "م.م" فى قضية الرشوة التى كانت مسجلة بالصوت والصورة بمعرفة الجهات الرقابية، من على أحد المقاهي فى الإسكندرية على كوبري ستانلي، وبحيازتهم حقيبة فيها مبالغ مالية كبيرة هى قيمة الرشوة. وكانت المفاجأة حين كشفت التحقيقات المسجلة بالصوت والصورة، قيام المحامى بالتوسط لدى قاضى المحكمة بينه وبين أصحاب الدعوى القضائية، حتى يصدر رئيس المحكمة قرارًا لصالحهم بتوثيق قطعة أرض متنازع على ملكيتها.
قاضي الشرقية وفي محافظة الشرقية تمكنت الرقابة الإدارية، في أغسطس الماضي من ضبط "ص.غ" قاضي بدرجة رئيس محكمة جنايات الزقازيق، متلبسًا بتلقي رشوة مالية، مقابل إصدار حكم لصالح أحد المتهمين في قضية قتل. وأشارت التحريات إلى أن القاضي المتهم، تم ضبطه حال تلقيه 300 ألف جنيه، دفعة أولى من الرشوة، وذلك بوساطة من عضو سابق بمجلس النواب عن دائرة مركز ومدينة منيا القمح، وآخر عن إحدى الدوائر التابعة لمحافظة المنوفية.
حوت التموين لم تنتهِ وقائع الرشوة بعد، إذ تمكنت الإدارة العامة لمباحث التموين والتجارة الداخلية، في أغسطس الماضي، من ضبط رئيس مكتب تموين بالجيزة لإهداره مليون جنيه من أموال الدعم الذى توفره الدولة لمحدودى الدخل. وكشفت التحقيقات أن المتهم حصل على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من المواطنين مقابل تعلية أعداد المستفيدين فى البطاقات التموينية خلافا للحقيقة، مهدرا أموالا طائلة من أموال الدعم، وأكد ذلك التقرير الفنى من شركة البطاقات، كما أكدت التحقيقات قيام المتهم بتعلية ٣٧٤٩ بطاقة بإجمالى ٢٧٩٧٤ مستفيدا دون وجه حق.
رئيس الحي الراقي في نوفمبر الجاري كشفت هيئة الرقابة الإدارية، عن واقعة فساد جديدة كان بطلها، رئيس حى الرحاب بجهاز مدينة القاهرة الجديدة، والذي تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبطه برفقة مدير إدارة الشئون القانونية بمدينة الرحاب، متلبسين بتقاضي رشوة. وكشفت التحريات أن المتهم اتفق على تقاضي رشوة قدرها 200 ألف جنيه من أحد المقاولين مقابل إنهاء ترخيص عقار. وباستئذان النيابة، تم التنسيق بين الأجهزة المختلفة، وتم عمل كمين للمتهمين، أسفر عن ضبطهم، متلبسين بتقاضي مبلغ الرشوة، وجار العرض على النيابة المختصة.
حاميها حراميها أكثر الوقائع غرابة بدأت أحداثها حين تمكنت هيئة الرقابة الإدارية من ضبط رئيس لجنة مكافحة التهرب الضريبي بمركز مارينا العلمين السياحى ويدعى (ص.ي.ص.) عقب طلبه وتقاضيه مبلغ ٢مليون جنيه رشوة من أصحاب الشواطئ المؤجرة بمنطقة مارينا، مقابل غض البصر عن سداد مستحقات الدولة، التي تقدر بعشرات الملايين من الجنيهات مقابل الاستخدام المخالف للشواطئ بمنطقة مارينا العلمين، وتبين من التحقيقات أن المتهمين ظلوا يساومون ويضغطون على مستخدمى الشواطئ مهددينهم باتخاذ الإجراءات القانونية إن لم يسددوا مبالغ الرشوة المحددة منهم. وفي لحظة حاسمة، تدخل رجال الرقابة الإدارية وتمكنوا من ضبط المتهمين ومبلغ الرشوة أمام إحدى بوابات مارينا العلمين.
رشوة 150 مليون جنيه في ديسمبر من العام الماضي، كشفت الأجهزة الرقابية عن واقعة رشوة من العيار الثقيل، حيث تمكنت من ضبط مدير المشتريات بمجلس الدولة لاتهامه بتقاضي رشوة بلغت ١٥٠ مليون جنيه. وأكدت التحقيقات أن المتهم أحمد جمال اللبان مدير مشتريات، ومختص بالتعامل والتوريدات مع مجلس الدولة، وأكد أيضا محضر الرقابة الإدارية أنه استغل منصبه كمسئول بإحدى الجهات الحكومية وطلب رشوة مالية وتم ضبطه وبحوزته الرشوة عقب تسجيل المكالمة واللقاء بالصوت والصورة عقب استئذان النيابة العامة. وبتفتيش منزل المتهم تم العثور على 24 مليون جنيه مصرى، بالإضافة إلى 4 ملايين دولار أمريكى (نحو 80 مليون جنيه مصري) و2 مليون يورو (35 مليون مصري) ومليون ريال سعودى، وكمية كبيرة من المشغولات الذهبية بخلاف العقارات والسيارات التى يملكها.
رشوة البيه المدير محافظة السويس، كانت شاهدة على واقعة رشوة بطلها مدير السلامة والصحة المهنية بإحدى شركات البترول، لاتهامه بالحصول على رشوة مالية من مسئول شركة توريدات خاصة. تقرير خبير الأصوات الذى تسلمته النيابة كان هو الدليل الأكبر على الجريمة بعد تطابق الصوت الموجود بالتسجيلات بالقضية مع صوت المتهم "م.ف"، الذى تم ضبطه مُتلبسا بالرشوة، داخل كافتيريا بمنطقة الملاحة بالمحافظة، بعد تصويره بالصوت والصورة خلال تلقيه الرشوة من مدير شركة توريدات. وأشارت التحقيقات إلى أن المتهم طلب رشوة مالية من مسؤول شركة التوريدات، التى تورد معدات للشركة البترولية، التى تقدمت بطلب توريد بعد قيام الشركة البترولية بطرح مناقشة توريد، واتفق الطرفان فيما بينهما على أن يساعد المتهم شركة التوريد فى الحصول على المناقصة مقابل حصوله على مبلغ 250 ألف جنيه. من جانبها أكدت التحريات الأمنية أن مدير إدارة السلامة والصحة المهنية هو من طلب من الشركة إجراء مناقصة لشراء معدات ومستلزمات لإدارة السلامة والصحة المهنية تمهيدا لطلبه رشوة، كما أكدت التحقيقات أن مدير شركة التوريدات شاهد بالقضية، وأول من اتصل بالأمن منذ البداية وأبلغه أن مدير إدارة السلامة والصحة المهنية بإحدى شركات البترول طلب رشوة 250 ألف جنيه.
الرشوة في القانون محمد سمير خبير القانون، أن جرائم الرشوة لها دلالة واضحة على الإخلال بمبدأ العدل والمساواة، لا سيما وإنها عادة ما ترتبط بجرائم مالية كبرى ناتجة عن وقائع فساد إداري داخل مؤسسات الدولة، خصوصاً الأجهزة المحلية.
وأشار سمير، إلى عقوبة جرائم الرشوة قد تصل إلى السجن المؤبد إلا أن هناك بعض الثغرات يستغلها دفاع المرتشين للإفلات من العقوبة الملائمة لهم، لأن المادة 103 من قانون العقوبات نصت على أن يكون المرتشي موظفا عاما أو أن يدخل في طائفة معينة اعتبرها في حكم الموظفين العموم، كما اشترطت لجريمة الرشوة أن يقبل الموظف الوعد بالعطية الذى صدر من الراشي. فيما أكد الدكتور عادل عامر أستاذ القانون، أن القانون أعطى الحق للقاضي أن يخفض العقوبة إلى الحد المسموح به طبقا لنص المادة 17 عقوبات إذا اقترنت الجريمة بأحد الظروف المخففة، مشيراً إلى أن هناك وقائع رشوة عديدة ينجح المتهمون خلالها في الهروب من العقوبة القانونية، بسبب ثغرات قانونية، لا سيما أنها من القضايا التي تحتاج إلى العديد من الإثباتات والأدلة الواضحة التي لا تقبل الشك، نظراً لطبيعة الاتهام. وتابع عامر، هناك بعض المحامين الموكلين بالدفاع عن متهمين بقضايا الرشوة، يلجأون إلى البحث عن هذه الثغرات استنادا إلى قانون الإجراءات الجنائية الذى ينص على عدم السماح بتسجيل مكالمات بين المرتشي والراشي إلا عقب الحصول على إذن من القاضي، حيث يعد غياب هذا الشرط ثغرة للإفلات من العقوبة، حيث تكون قضايا الرشوة المقترنة بتسجيل مكالمات أو لقاءات بين الطرفين دون إذن النيابة من القضايا التي لا يعتد بها.