من شعب ابن نكتة، يفرح يضحك، يحزن يضحك، إلى أصل الضحكة في مصر.. سنوات فائتة فقدت سماتها بالوصول إلى 2017، ليمر العام بكل ما حمل من أعمال فنية سجلت طفرة كبيرة على مستوى الإنتاج السينمائي والدراما التليفزيوينة، دون أن يفرز كوميديانًا واحدًا ترى من خلاله ملامح ضحكة حقيقية صادقة تطمئنك على مستقبل هذا الركن الإبداعي الأهم والأخطر، كما كانت عودة بعض «عتاولة الضحك» من المخضرمين وفي مقدمتهم النجمان عادل إمام ومحمد هنيدي، باهتة لا تجديد فيها ولا مجاراة للواقع الجديد، فضلًا عن ضعفها شكلًا ومضمونًا. المقدمة السابقة ليست مجرد مراسلة إنشائية أو تهويل بلا سند، إنما حقيقة كشفتها المحافل والمهرجانات الفنية التي نظمت على مدار العام الجاري، والتي دائمًا ما تشهد تكريمات للأعمال الناجحة والنجوم المميزين بمختلف تصنيفاتهم طوال محطات السنة، وفقًا لمحددات وتقييمات نقدية من المتخصصين وكذلك الجمهور، إذ خلت قوائم التكريم في أغلب المناسبات البارزة من الجوائز المخصصة للكوميديا، كما لم يحصد أي فنان يصنف كوميديًا على أي جائزة، والتكريم الوحيد ل«ملك الكوميديا» عادل إمام في مهرجان الجونة السينمائي كان عن مجمل أعماله. والأمر ليس بالهين، أن يحجب استفتاء ضخم لجوائز الدراما التليفزيونية، اعتادت مؤسسة الأهرام العريقة أن تنظمه سنويًا، وشارك فيه هذا العام قرابة المليوني شخص، الجوائز الخاصة بالكوميديا، نظرًا لتراجع الأعمال في هذا التصينف خلال سباق الدراما الرمضانية الماضي، رغم تواجد الزعيم عادل إمام بمسلسل «عفاريت عدلي علام» وعدد آخر من المسلسلات التي حققت نسب مشاهدة مرتفعة على «يوتيوب»، منها «ريح المدام» لأكرم حسني وأحمد فهمي، و«في اللالا لاند» لدنيا سمير غانم بمشاركة والدها الكوميديان الكبير وشقيقتها إيمي، و«هربانة منها» لياسمين عبد العزيز، إلا أنها قوبلت جميعًا بهجوم كبير من النقاد وتحفظات من قطاع واسع من المشاهدين، إما لضعف الآداء وسطحية القصة، أو بسبب الاعتماد على الإيفهات المبالغة، أو اللجوء الكثيف إلى الإسفاف والكلمات الخارجة والإيحاءات الجنسية. وعلى مستوى الشاشة الفضية، ظهرت مؤشرات قوية تتنبأ بواقع ضحل لمستقبل «الضحك» في مصر، كان أولها عزوف الجماهير عن التزاحم على شباك تذاكر الأفلام الكوميدية، لتشهد تراجعًا كبيرًا على مدار مواسم العام السينمائية من حيث المنافسة على الإيرادات، حتى مع عودة واحدًا من أبرز النجوم البارعين في نقش الضحكة داخل قلوب الملايين بمختلف تنوعاتهم، وهو الفنان محمد هنيدي بفيلمه «عنتر بن بن بن شداد»، بعد غياب عامين، بقى الأمر كما هو عليه، إذ حقق فشلًا زريعًا رفعت معه دور العرض السينمائية الفيلم بعد 6 أسابيع فقط. وتمحورت أسباب الحضور المخيب لنجم كبير بحجم هنيدي، حول إطلالته التقليدية وضعف المضمون، بخلاف التغافل عن المتطلبات الفنية والتسويقية الجديدة والتي باتت البطولة الجماعية ثمة أساسية في تحديد مؤشر النجاح، كما سقط أيضًا أبطال «مسرح مصر» بفيلمهم «خير وبركة»، وفقًا للمعايير الفنية السينمائية والجماهيرية، لسطحية العمل والاعتماد على إطلاق النكات المستهلكة. والظاهرة اللافتة والموثقة لهذا التراجع، أيضًا، أنه في الوقت الذي لم يحصد أي فيلم كوميدي أو أحدًا من الأبطال المشاركين، أي جائزة في الدورة 21 من المهرجان القومي للسينما، حصلت الفنانة منى زكي، والتي لا تصنف «كوميديانة» أساسًا، على أفضل ممثلة كوميدية، في حفل توزيع جوائز أوسكار السينما العربية، في دورته الثانية، أكتوبر الماضي، وذلك عن دورها في فيلم الدراما والتشويق «من 30 سنة» الذي عرض عام 2016. المؤشرات السابقة، تقود إلى انتكاسة حقيقية أصابت الكوميديا في عام 2017، أحد عواملها الاستسهال من جانب النجوم والممثلين الصاعدين الذين يفتقدون «حرفنة» خطف الجمهور في لقطة وليس حتى إيماءه، وهو ما من شأنه أن يؤثر بالسلب على مستقبل الضحكة على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، ما لم يتدارك الفنانين والقائمين على الصناعة الأزمة سريعًا، ويتلاشوا أسبابها كافة، حتى ترجع الكوميديا من جديد إلى مكانتها الكبيرة داخل قلوب الجماهير، باعتبارها متنفس صحي لتفريج هموم وضغوط الحياة، ولقدرتها على تغيير الحالة النفسية للأفضل.