نجحت الكرة الأفغانية في جذب أنظار وسائل الإعلام الأجنية للمرة الأخيرة، عندما ارتدى طفل صغير قميصًا مصنوعًا من البلاستيك يحمل ألوان قيمص المنتخب الأرجنتيني ولاعبه ليونيل ميسي، ليقرر الأخير في شهر ديسمبر الماضي مقابلة ذلك الطفل، الذي يدعى مرتضى أحمدي، بعدما انتشرت صورته بشكل كبير في وسائل الإعلام العالمية. وبعد انتقال الطفل أحمدي إلى مقاطعة غزني شرقي أفغانستان، قررت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ترتيب مقابلة بين أحمدي وميسي في العاصمة القطرية الدوحة قبل مباراة ودية جمعت بين برشلونة الإسباني والأهلي السعودي، وكان ذلك الطفل هو التميمة الرسمية للمباراة. ولحسن حظ الطفل، تسببت شهرته العالمية في رحيل عائلته صوب باكستان، خوفًا من اختطاف الطفل بسبب الاضطرابات الأمنية، التي تعاني منها أفغانستان لأكثر من عقدين من الزمان. وأظهرت تلك المشكلة الأزمة الكبيرة التي تعاني منها أفغانستان من الاقتتالات العنيفة والصراع العاصف الذي يضرب البلاد، كما أوضحت صحيفة "الجارديان" البريطانية، تلك الأزمة التي اختفت في الآونة الأخيرة بعد العمل الكبير، الذي بذلته الحكومة الأفغانية من أجل بدء الدوري المحلي في البلاد منذ 5 سنوات. ويتألف الدوري الأفغاني من 8 فرق فقط، وتستمر المنافسة لمدة 3 أشهر في الفترة ما بين شهري أغسطس وأكتوبر من كل عام، على أن تقام جميع مباريات المسابقة في بلد واحدة، لتؤكد كرة القدم بالتالي على قدرتها في إخراج أفضل ما لدى الشعوب في أحلك الظروف. وقبل ظهور الدوري الأفغاني بشكله الجديد كانت هناك مسابقات كروية غير رسمية في البلاد، حتى أعلن حلف الناتو عن سحب قواته العسكرية من البلاد، لتقرر أفغانستان تدشين مسابقة الدوري الخاصة بها في خطوة كبيرة نحو تطوير كرة القدم في البلاد. وتمتعت كرة القدم بشعبية جارفة في أفغانستان منذ سنوات عديدة، حيث تأسس الاتحاد الأفغاني لكرة القدم في عام 1933، وأصبح عضوًا في الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في عام 1948، عندما خاضت أفغانستان أول مباراة رسمية لها في أولمبياد لندن عام 1948، وخسرت حينها من لوكسمبورج بسداسية نظيفة، ومن ثم انضمت أفغانستان إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في عام 1954. وتحت حكم طالبان، الذي امتد من عام 1996 وحتى 2001، لم تشهد المباريات إقامة المباريات بشكل منتظم نظرًا لتأجيلها في معظم الأوقات بسبب الاقتتال العنيف، الذي تشهده البلاد، الذي خلق أجواءً من الرعب بين الجماهير التي شهدت بدورها العديد من حالات الإعدام العلني داخل ملاعب كرة القدم. وعلى الرغم من محاولة إعادة كرة القدم إلى صورتها الطبيعية في السنوات الأخيرة، فإن تلك المحاولات واجهت صعوبات كبيرة بسبب قوة طالبان في البلاد، لتقتصر إقامة المباريات لأسباب أمنية على ملعبين فقط في العاصمة كابل. ونظرًا لاعتياد أفغانستان على تدخل القوة الغربية في البلاد واعتمادها بشكل أساسي على المساعدات، حرص مجموعة من الشركاء الدوليين على دعم اللعبة ماديًا، إلى جانب استثمار الفيفا نحو 1,5 مليون دولار في اللعبة منذ عام 2005 بهدف تطوير الملاعب وإنشاء مقر للاتحاد الأفغاني لكرة القدم. كما شارك في تلك المساعدات كل من الاتحاد الإنجليزي والألماني لكرة القدم، من خلال عمل الاتحاد الإنجليزي على تمويل تطوير المهارات التدريبية في البلاد بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني. وفي عام 2013 توجه ديفيد كاميرون رئيس الوزراء حينها رفقة مايكل أوين لاعب ريال مدريد وليفربول السابق إلى معسكر باستيون، حيث تشاركا النوم في سرير بطابقين من أجل إحضار اللاعبين الأفغان الموهوبين إلى حديقة سانت جورج في بريطانيا، التي تعمل على تطوير مستوى اللاعبين، ومن جانبها دعمت الحكومة اليابانية إنشاء الأضواء الكاشفة كي تقام المباريات في فترة المساء. وبالنظر إلى الدوري الأفغاني الحالي، نجد أن الفرق الثمانية المشاركة في المسابقة تمثل المناطق الثمانية الأساسية في البلاد، ففي نهائي العام الماضي تواجه فريق دي ميواند أتالان وهو فريق يمثل المنطقة الجنوبيةالغربية للبلاد، وهي المنطقة التي لا تزال معقلًا لطالبان ومركزًا للتمرد، مع فريق شاهين أسمايي من العاصمة كابل معقل الحكومة. ويمثل الفريقين وجهتين سياسيتين مختلفتين تمامًا عن بعضهما البعض، ومع ذلك ساعدت كرة القدم في تواجههما وتمكنا من تقديم مباراة مميزة للغاية، تابعها قطاع كبير من الشعب الأفغاني في ذلك اليوم. ويعتبر البث التليفزيوني عنصرًا أساسيًا في عالم كرة القدم، وبالتالي تذاع مباريات الدوري الأفغاني على محطتي "تولو" و"ليمار"، ومع ذلك تعد أهمية البث التليفزيوني للدوري الأفغاني أكبر بكثير من المعتاد. فعندما بدأ الدوري الأفغاني، تم اختيار عدد قليل من اللاعبين من كل فريق للظهور في برنامج "جرين فيلد"، وهي الحيلة التي أسهمت في جذب الانتباه للدوري الوليد، حيث تمت مشاهدة نهائي عام 2016 من قبل 57% من الجمهور المحتمل، وهي النسبة التي تؤكد قدرة كرة القدم في توحيد البلاد. وأوضح كريس ماكدونالد، الشريك المؤسس للدوري الأفغاني، في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن كرة القدم باتت شغف الجماهير في أفغانستان، وتجلب السعادة والمرح للشعب الأفغاني، وهو أمر سيسعى إلى زيادته في الأعوام المقبلة. ويبلغ ثمن التذكرة في الدوري الأفغاني 0,5 دولار، بينما تصل ثمن تذاكر مقاعد "VIP" نحو 1,5 دولار، ويحصل اللاعبون على مبلغ مالي قدره 12 دولارًا يوميًا من اتفاقات الرعاة مع الأندية. وشهد الدوري الأفغاني زيادة ملحوظة في المشاركة، فبعد أن تواجد 20,000 ألف لاعب فقط مسجل في الاتحاد الأفغاني لكرة القدم في عام 2006، وصل هذا العدد إلى 54,000 لاعب في عام 2015، واللافت للنظر أن من بينهم 1,000 لاعبة في فئة السيدات اللاتي أسسن دوري خاصًا بهن، وهو أمر لم يكن ليحدث في أفغانستان من قبل، في ظل التحفظ الكبير حول مبدأ لعب السيدات كرة القدم في المجتمع المحلي هناك. واحتفالًا باليوم العالمي للمرأة في شهر مارس الماضي، قررت الشركة الدنماركية "هاميل" للملابس الرياضية، تصميم أول زي رياضي مخصص لمنتخب السيدات ويتألف أيضًا من الحجاب. وتتواجد الآن قاعدة صلبة لتطوير كرة القدم للرجال والسيدات في أفغانستان، ففي بداية هذا العام بات شاهين أسمايي أول ناد أفغاني يشارك في كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وهي المسابقة المساوية للدوري الأوروبي وكأس الكونفيدرالية الإفريقية، وخسر حينها من فريق خوسيلوت فرخور من طاجيكستان بهدف دون رد بمجموع اللقاءين في الدور التمهيدي، مما يؤكد قدرة الأندية الأفغانية على المشاركة بصورة طيبة في النسخ المقبلة. وحقق المنتخب الأفغاني نجاحات تذكر على صعيد القارة الآسيوية من خلال فوزه بلقب بطولة جنوب آسيا في عام 2013 أي بعد بدء الدوري بعام واحد من خلال الفوز على الهند في المباراة النهائية بهدفين دون رد. وسيكون هدف أفغانستان المقبل هو التأهل إلى كأس الأمم الآسيوية المقبلة، التي ستقام في الإمارات عام 2019، وسيعتمد المنتخب حينها على فريق مكون من لاعبين ينشطون في الدوري المحلي إلى جانب ميلاد سليم الذي يلعب في ألمانيا ونور حسين الذي يلعب في إنجلترا. وهرب حسين من ويلات الحروب الأفغانية، وهو في عمر 5 سنوات نحو إنجلترا، حيث التحق بأكاديمية نادي ريدنج، وبات هذا العام أول لاعب أفغاني يشارك في مباراة احترافية في إنجلترا عندما سجل في ظهوره الأول مع فريق أكرينجتون ستانلي الذي تغلب على نوتس كاونتي بهدفين دون رد.