شتت الحرب والفقر المواطنين الأفغان حول العالم، حيث يعييش الملايين منهم في معسكرات اللاجئين في باكستانوإيران، أو كعمال في دول الخليج العربي، وسطرت السنوات الأخيرة سطرًا جديدًا في مأساة الأفغان، حيث الحرب الدائرة في سوريا. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرًا عن مأساة اللاجئين الأفغان وعلاقة الحرب الدائرة في سوريا بمأساتهم، حيث أشارت إلى المواطن الأفغاني عبدول أمين الذي غادر قرية "فولادي" في ولاية "باميان" الأفقر في أفغانستان، من أجل البحث عن فرصة عمل في إيران، حيث يعيش أكثر من 2 مليون أفغاني دون أوراق هوية، ونحو مليون آخرين يعيشون كلاجئين. ويعيش نحو ثلثي سكان مقاطعة "باميان" بمتوسط دخل أقل من 25 دولار شهريًا، حيث يدفع الفقر المدقع وغياب فرص العمل الآلاف من سكان الولاية من الشباب للسفر بطرق غير مشروعة إلى إيران للبحث عن فرص عمل، حيث ينتهي بهم المطاف في خوض معارك الآخرين. وأضافت الصحيفة أن أمين كان يعمل في مجال البناء في مدينة أصفهان الإيرانية مقابل 200 دولار شهريًا، ليقرر العام الماضي السفر إلى العراق مع مجموعة من اللاجئين الأفغان لزيارة مدينة كربلاء، حيث قتل الإمام الحسين حفيد الرسول (ص)، وبعد عودته إلى إيران فشل في العثور على عمل لمدة 3 أشهر، ليواجه الذل والتمييز والخوف المستمر من الترحيل كغيره من اللاجئين الأفغان في إيران. في الشتاء الماضي قدمت السلطات الإيرانية عرضًا لأمين لا يمكن رفضه، حيث سيتم تقنين وجوده في إيران، وتصريح للإقامة لمدة 10 سنوات، وراتب شهري 800 دولار، وذلك مقابل السفر لسوريا للقتال لحماية ضريح السيدة زينب حفيدة الرسول (ص). وفي 2013 كانت السلطات الإيرانية قد ضخت مليارات الدولارات لدعم الرئيس السوري بشار الأسد والذي كانت تخسر قواته أمام الثوار، حيث دعمت دخول قوات حزب الله على خط المواجهة مع قوات النظام، واستدعت الميليشيات الشيعية من العراقوأفغانستانوباكستان، وباقي الدول ذات الأغلبية الشيعية. وبالفعل تسعى إيران لحماية المقدسات الشيعية في دمشق وحلب والرقة، ولكن استخدام الميليشيات الشيعية في سوريا ماهو إلا جزء من الخطة الإيرانية للسيطرة على الشرق الأوسط، والتي ينفذها قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. حيث شكلت إيران في أوائل 2014 لواء الفاطميون، والذي يبلغ قوامه ما بين 8 آلاف إلى 14 ألف مقاتل شيعي أفغاني، تم تدريبهم على يد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وتكونت في البداية من الشيعة "الهزارة الأفغان" الذين يعيشون في إيران بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان، وسيطرة طالبان على البلاد بعدها. وجاء تجنيد إيران للاجئين الأفغان لتشكيل لواء الفاطميين، على غرار ما فعلته باكستان من تجنيد اللاجئون الأفغان من السنة البشتون، لإنشاء جماعة طالبان في التسعينيات. وخلال السنوات الأخيرة، توسعت إيران في عمليات التجنيد للواء الفاطميين لتشمل المقيمين الغير شرعيين من الأفغان مثل "أمين"، والذين وصلوا إيران للبحث عن فرص عمل، فبالإضافة للدوافع الاقتصادية، استغلت إيران إيمان اللاجئين الأفغان بالمقدسات الشيعية، لتجنيدهم للقتال بجانب قوات الأسد. ونقلت "نيويورك تايمز" عن أحمد شجاع الباحث السابق في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن الإعلام الإيراني صور الحرب في سوريا كحرب مقدسة للدفاع عن العقيدة الشيعية، وحماية المقدسات الشيعية، قائلًا "أن معظم اللاجئين ليسوا على علم بالسياق السياسي والأمني للحرب في سوريا، فمعظمهم لا يتحدث العربية ولم يخرج من أفغانستان أو إيران"، مشيرًا إلى ضعف مستواهم العلمي واصفًا إياهم ب"الشيعة المتدينين". حيث أرجع أمين الحرب في سوريا إلى خلاف بين الرئيس السوري بشار الأسد، وجبهة النصرة، والتي أراد قائدها بناء متجر مكان أحد المساجد، الأمر الذي دفع الأسد لحماية المسجد والدفاع عن الأماكن المقدسة بسوريا خاصة الأضرحة الشيعية، الأمر الذي دفع قائد جبهة النصرة الدعوة لإسقاط بشار الأسد وهدم جميع الأضرحة -على حد وصفه-. وقام مقاتلو حزب الله والحرس الثوري بتدريب أمين، وغيره من اللاجئين الأفغان على عدد من الأسلحة لمدة شهر قبل انضمامهم للواء الفاطميين، حيث تم تدريبهم على بنادق القنص والدبابات، ليسافروا بعدها إلى سوريا للمشاركة في الخطوط الأمامية على الجبهة في دمشق وحلب. فدائمًا يضع الإيرانيين المقاتلين الأفغان في الخطوط الأمامية في معظم المعارك، حيث شارك المقاتلون الأفغان في معارك دمشق وحماة واللاذقية ودير الزور وحمص وتدمر وحلب، ولعبت الميليشيات الشيعية الأجنبية التي تقاتل إلى جوار الأسد، دورًا هامًا في انتصار قوات النظام في معركة حلب المصيرية. الإنتصار الذي رجح كفة النظام السوري، ومنح إيران الأمل مرة أخرى لتكوين الهلال الإيراني من طهران إلى بيروت، مرورًا بسورياوالعراق. ولقي المئات من المقاتلين الأفغان مقتلهم في المعارك الدائرة في سوريا، حيث تم تنظيم جنازات طافت في شوارع طهران ومدينة "قم" شمال إيران، قبل دفنهم، كما قام آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، بزيارة أهالي المقاتلين الأفغان الذين قتلوا في المعارك في سوريا. وفي 2016 طالب هيثم المالح القائد في المعارضة السورية، الرئيس الأفغاني أشرف غني، بمنع تدفق المقاتلين الأفغان للمشاركة في المعارك الدائرة في سوريا، كما دفعت الأعداد المتزايدة للقتلة الأفغان في سوريا والذي بلغ عددهم نحو 600 قتيل، عدد من رجال الدين الأفغان لمعارضة الخطط الإيرانية. وبعد إصابته في حلب، منحت السلطات الإيرانية عبدول أمين الإقامة لمدة 10 سنوات في إيران، ووعد بتوفير منزل في إيران، أو سوريا بعد إنتهاء الحرب، ولكنه فضل العودة إلى بلدته في مدينة "باميان"، والعمل في الزراعة قائلًا "إذا تحسن الوضع هنا سأبقى، وإذا استمر الوضع كما هو سأعود إلى إيران، ولكن دون خوف من الترحيل".