كتب - محمد شرف الدين لحظات تاريخية مصبوغة بالدماء تعيشها حاليًا مدينة حلب السورية، والعالم أجمع، على وقع جنازير دبابات النظام وحلفائه التي اجتاحت - حتى هذه اللحظة - نحو ثلاثة أرباع ما بات يعرف منذ عام 2012 ب"حلب الشرقية"، والتي يُقصد بها المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في القسم الشرقي من عاصمة الشمال السوري. أعلام النظام تخفق أخيرًا على معظم الأحياء الشرقية لحلب، بعد أكثر من 4 أشهر من الحصار التام، و3 أسابيع من الهجوم النهائي الكاسح، لكن ما قد يبدو مثيرًا للاهتمام هو أن الأيدي التي ترفع هذه الرايات ليست سورية بالضرورة، بل إيرانية ولبنانية وعراقية أيضًا، بل وفي الكثير من الأحيان أفغانية وباكستانية.. ترفع هذه الأيدي الأجنبية علم "الجهورية العربية السورية" وتظللها جميعًا سحابة نارية من الطائرات الروسية. وفي خضم المعارك، لا يخلو بيان تقريبًا لأي جهة محسوبة على النظام السوري من الإشارة إلى دور "القوات الرديفة" أو "الحلفاء" في تحقيق الانتصارات بحلب خصوصًا، فمن هم هؤلاء "الحلفاء"؟ وما الذي أتى بهم إلى سوريا؟ رغم ارتكاز الدعاية الإعلامية للنظام منذ اندلاع الثورة السورية على كونه في مواجهة مع مؤامرة، تقودها دول غربية بمشاركة ميليشيات أجنبية، إلا أنه اضطر بشكل متصاعد إلى الاستعانة بأطراف وعناصر خارجية في حربه ضد المعارضة، خاصةً مع التناقص المطرد في أعداد قواته.. فتنوعت الأعراق وتعددت اللغات داخل جبهة بشار الأسد، لكن لا يهم، ما دمت تقاتل تحت راية "الجيش العربي السوري". ومع تمايز "الحلفاء" وتنوع جنسياتهم، إلا أن قاسمًا مشتركًا يجمعهم بلا استثناء، وهي أنهم جاءوا إلى سوريا جميعًا بدعوة من علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، فيما تكفل الحرس الثوري الإيراني بمصاريف الشحن. 1- حزب الله «اللبناني» تُعد ميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية أول "الحلفاء" مشاركةً إلى جانب الجيش السوري النظامي، حيث ظهرت لأول مرة بشكل فعال في معركة الاستيلاء على مدينة "القصير" الإستراتيجية من قبضة المعارضة، والتي امتدت بين شهري مايو ويونيو 2013. برر حزب الله مشاركته في "القصير" بالدفاع عن الحدود اللبنانية ضد "الجماعات الإرهابية"، لكن قواته ما لبثت أن انتشرت في مختلف أنحاء الأراضي السورية، كما لعبت دورًا بارزًا هذا العام في فرض الحصار على شرق حلب والتصدي لهجمات المعارضة المضادة، ثم في الهجوم النهائي على المدينة الذي أوشك على تحقيق كامل أهدافه. ويقترب عدد قتلى حزب الله في الحرب السورية من 2000 قتيل وفقًا لبعض التقديرات، في ظل عدم إعلان الحزب عن العدد الرسمي لقتلاه. 2 - حركة النجباء «العراقية» انبثقت "حركة النجباء" عن ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية في عام 2013، تحت قيادة رجل الدين الشيعي، أكرم الكعبي، الذي يدين بالولاء للمرشد الإيراني الأعلى، وتعد الحركة من ضمن مكونات تحالف "الحشد الشعبي" الشيعي الذي يقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى جانب الجيش العراقي، إلا أن دورها الأكبر يتجلى في الحرب السورية. بزغ نجم "النجباء" أيضًا في معركة "القصير"، قبل أن تُقدم إسهامات كبيرة في فك حصار قوات المعارضة لقريتي "نبل" و"الزهراء" الشيعيتين الواقعتين شمال حلب، في 3 فبراير الماضي، لتشارك بعد ذلك في تشديد الخناق حول الأخيرة، ثم اقتحامها. وفي 7 سبتمبر الماضي، وبينما كان النظام السوري وحلفاؤه يحتفلون بنجاحهم في إغلاق ثغرة الراموسة، وإعادة فرضهم للحصار الكامل على شرق حلب مرة أخرى، كشفت "النجباء" عن دفعها ب1000 مقاتل جديد من العراق إلى سوريا، وذلك في ذات اليوم الذي تفقد فيه قائد فيلق القدسالإيراني، والمسؤول الأبرز عن إدارة حروب طهران في الشرق الأوسط، الجنرال قاسم سليماني، مواقع الحركة في ريف حلب، وفقًا لما أعلنته "النجباء" حينها. 3- لواء فاطميون «الأفغاني» يختلف "لواء فاطميون" عن "حزب الله" و"النجباء" في كونه ميليشيا مكونة من اللاجئين الأفغان الشيعة بإيران، الذين ينتمون لأقلية "الهزارة" ويربو عددهم على مليون لاجىء، وفقًا لفيلم وثائقي أعدته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" هذا العام، بعنوان "فيلق إيران الأجنبي"، وأشارت فيه إلى استغلال سلطات "الجمهورية الإسلامية" معاناة اللاجئين الذين يعانون الاضطهاد والتمييز العرقي، في الزج بهم إلى أتون الحرب السورية، مقابل رواتب شهرية ووعود بتحسين أحوال أسرهم في إيران، بالإضافة إلى استحضار الدافع الديني لديهم، وهو "الدفاع عن العتبات المقدسة" التي يُقصد بها الأضرحة الشيعية في سوريا. تأسس "فاطميون" في نوفمبر 2014، وشارك في العديد من المعارك الرئيسية منذ ذلك الحين، من بينها معركة "جسر الشغور" في العام الماضي، والتي انتهت بهزيمة النظام وحلفائه أمام "جيش الفتح"، الذي تقوده جبهة فتح الشام "النصرة سابقًا" وحركة أحرار الشام. كما يشارك اللواء بقوة في معارك حلب الدائرة حاليًا، لكن يسود اعتقاد بضعف القدرات القتالية للاجئين الأفغان غير الحاصلين على تدريب كافي، مقارنةً بقوات "حزب الله" و"النجباء"، ما أدى إلى مقتل وأسر الكثير منهم. وفي 1 ديسمبر الجاري، أعلن التلفزيون الحكومي في كابل أن أكثر من 1000 مقاتل أفغاني قد قضوا نحبهم في الحرب السورية، وذلك بعد نحو 7 أشهر من موافقة البرلمان الإيراني على منح الجنسية لأقرباء القتلى الذين كلفتهم طهران بمهام عسكرية في دول أخرى، وذلك خلال مدة أقصاها عام واحد من تقديم طلب الجنسية، في محاولة لتحفيز اللاجئين الأفغان على الذهاب للقتال في سوريا.. وربما الموت هناك. 4- لواء زينبيون «الباكستاني» على غرار شقيقه الأفغاني، تشكل "زينبيون" من أبناء الطائفة الشيعية في غرب باكستان على يد ضباط بالحرس الثوري الإيراني. صعد اللواء الباكستاني إلى الواجهة منذ مايو 2015، وهو العام الذي شهد انتكاسات متلاحقة للجيش النظامي السوري، أبرزها نجاح "جيش الفتح" المعارض في انتزاع محافظة إدلب كاملةً، وتهديد الساحل السوري الذي يحتضن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، وهو ما عجل بتدخل موسكو المباشر في الحرب بنهاية سبتمبر 2015 من أجل الحفاظ على مصالحها، بعد أن أضحت المعارضة قاب قوسين أو أدنى من ملامسة مياه البحر المتوسط في معاقل النظام الرئيسية. كما أجبرت انتصارات المعارضة المتتالية حينها إيران على الدفع بألوف المقاتلين الشيعة متعددي الجنسيات إلى جبهات القتال السورية، في محاولة لإنقاذ حليفها بشار الأسد من هزيمة ساحقة كانت تلوح في الأفق. وكما هو الحال مع "فاطميون"، تُرسل جثث مقاتلي "زينبيون" من سوريا بالعشرات لتُشيع وتُدفن في إيران، حيث ترفض الحكومة الباكستانية استقبالها. 5- لواء القدس «الفلسطيني» يتكون اللواء في الأساس من لاجئين فلسطينيين بمخيم "النيرب" في حلب، ويساند قوات النظام في حربها ضد المعارضة منذ عام 2013، وبرز اسمه في وسائل الإعلام في يوليو الماضي، خلال معارك إحكام الطوق حول حلب عبر قطع طريق الكاستيلو، الذي كان يمثل خط الإمداد الرئيسي لشرق المدينة الخاضع لسيطرة المعارضة، وقد خسر اللواء مؤخرًا قائد عملياته، محمد رافع، الذي سقط قتيًلا في 27 نوفمبر المنصرم. الحرس الثوري الإيراني لا يقتصر الحرس الثوري على لعب دور «مقاول الأنفار» في الحرب السورية، فهو لا يكتفي بحشد آلاف المقاتلين من الأعراق غير الفارسية على الجبهات إلى جانب "الجيش العربي السوري"، بل يقدم أيضًا دعمًا استشاريًا وعسكريًا للقوات النظامية، بواسطة عدد كبير من ضباطه المتمركزين في مواقع القيادة بالقرب من خطوط القتال الأمامية، وهو ما يعرضهم في الكثير من الأحيان للقتل أو الإصابة جراء قصف قوات المعارضة، مثلما حدث عندما نجح "جيش الفتح" القادم من ريف حلب الغربي في اختراق دفاعات الحكومة بالمدينة، مطلع نوفمبر الماضي، قبل أن ينسحب مهزومًا مرة أخرى تحت تأثير هجوم نظامي معاكس بدعم جوي روسي. وفي 22 نوفمبر الماضي، أعلن محمد علي شهيدي، رئيس مؤسسة الشهداء وقدامى المحاربين الإيرانية، أن "عدد شهداء إيران المدافعين عن مقام السيدة زينب في سوريا قد تخطى الألف". لكن يُعتقد أن العدد الأكبر من هؤلاء القتلى من الأفغان والباكستانيين والمتطوعين الإيرانيين غير النظاميين، حيث يتجنب الحرس الثوري في الغالب توريط قواته بشكل مباشر في الاشتباكات، تاركًا هذه المهمة لمقاتلي الأعراق الأخرى الذين استجلبهم من بقاع مختلفة للدفاع عن "العتبات المقدسة"، وما يسمى ب"الجمهورية العربية السورية".