تبقى مصر أمة واحدة في التسامح والرقي والمعايشة وإن اختلف الدين والعقيدة، بعيدا عن العصبية والتعصب وشطط التطرف، وتستمد قوتها وشموخها من نسيجها الوطني المتين، كما تنبعث من وحدتها الوطنية درعا لدحر أهل المكر والشر. وعرفت مصر التعايش بين مسيحييها ومسلميها منذ عقود بعيدة، وتأصلت العلاقة بين الطرفين لتبلغ حد التكامل في العادات والتقاليد والأخلاق وذهب البعض لأبعد من ذلك فأسهم مسلمون في تشييد كنائس لإخوانهم الأقباط والعكس بالعكس، إذ تطوع مسيحيون لبناء مساجد للمسلمين أو ترميمها أو تخصيص أراض لها، وليس ذلك كل شيء بل أطلق مسلمون أسماء العائلة المقدسة على أسماء مساجدها في أروع مثال على النضج الفكري والعقائدي. مسجد العذرا علي الطريق الصحراوي الشرقي، ناحية الكوبري الشرقي بالمنيا تقع عينك على مسجد السيدة مريم، مجسدا روح المحبة والألفة بين شقى الأمة ودليلا حيا على أن روح التسامح والأخوة، ولاقى الاسم استحسانا كبيرا لدى المسلمين هناك كما وضعه الأقباط محل تقدير وإجلال. أنشئ المسجد في عام 2015 وأطلق عليه قبل البناء اسم "السيدة مريم"، إجلالا لمكانتها في نفوس المصريين أقباطا ومسلمين، وتولى أحد رجال الأعمال بمحافظة المنيا؛ بناءه على نفقته، ويقع المسجد بالقرب من مسار العائلة المقدسة بمناطق جبل الطير والبهنسا ودير الجرنوس، والتي مر بها السيد المسيح في رحلته الشهيرة. مسجد السيدة مريم بمدينة المنيا تحفة معمارية، على ضفاف النيل على مساحة 800 متر وبتكلفة 15 مليون جنيه، وبه مستشفى خيري لخدمة أهالى المنيا، ودار لتحفيظ القرآن الكريم، ووحدة عناية مركزة ومعامل تحاليل وأشعة لخدمة المواطنين مسلمين ومسيحيين، كما يضم حضانات أطفال. وتم الانتهاء من أعمال البناء والتشطيبات للمسجد وافتتح لأداء الشعائر، بحضور قيادات ورموز من الأزهر والكنيسة، كاللواء صلاح الدين زيادة محافظ المنيا السابق، ويتكون المسجد من ساحة صلاة كبيرة وثلاثة طوابق وبه ثلاث قباب ومئذنة.
جامع عريان باشا "عوض عريان المهدي" أول "مسيحي" يشيد مسجدا للمسلمين، في بني سويف، هو أحد أهم علامات حى "مقبل" بوسط مدينة بني سويف، في الوقت الحالي، بحسب المصادر فإن المسجد تم تشييده على 17 فدانا أوقفها محمد عوض عريان باشا لله بعد إشهار إسلامه منتصف عشرينيات القرن الماضي، تأسس فى منطقة "مُقبل" على الأرض التى أوقفها "عريان باشا" للصرف منها على المشروعات الإسلامية التى تشرف عليها وزارة الأوقاف، والآن أصبح المسجد وما يعتليه من جمعية خيرية علامة من العلامات التاريخية للمحافظة.
ويقول المؤرخ سلامة مدكور، صاحب كتاب "شخصيات لها تاريخ"، إن عوض عريان المهدي، من الشخصيات التى تجاهلها المؤرخون أثناء تأريخهم لثورة 1919، مثل عديد من الشخصيات التى يتجاهلها المعنيون بالاحتفال بتاريخ بنى سويف النضالى والوفاء لأبطالهم.