فى صباح يوم الأربعاء، الحادى والعشرين من سبتمبر، اكفهرّت سماء الثقافة، وبكت سحب الأدب، بأمطار من ألم وأسى، وهامت رياح الحزن، على جيل كامل، تربّى على مطالعة روايات مصرية للجيب، وعلى شخصياتها، التى صارت عشقا لشباب العالم العربى من المحيط إلى الخليج، طوال ربع القرن الأخير من الزمن.. هذا لأنه، فى ذلك اليوم، وبعد صراع طال مع المرض، توفى الأب الروحى لروايات مصرية للجيب، ورائد صناعة الكتاب المدرسى فى مصر، وأسطورة كل شاب يحلم بدخول عالم الرواية، الأستاذ العظيم، أستاذى، ومعلمى، وأبى الروحى، الأستاذ/ حمدى مصطفى. ما زلت أذكر، حتى يومنا هذا، كيف استقبلنى فى مكتبه بالترحاب، وكنت أيامها مجرّد نكرة فى عالم الأدب، أقدّم له روايتى الأولى، التى احتضنها واحتضننى، وقدّمها وقدّمنى إلى عالم، عشت حياتى كلها أحلم بدخوله. وكان دوما بسيطا متواضعا، ينعم بالخير على كل من حوله، ولا يفكّر فيه ولو لحظة لنفسه. وكم من الناس، وأنا على رأسهم، يدينون له بالكثير، ويذكرون له كيف كان دوما إلى جوارهم، بروح وشهامة فارس، حتى ولو كانت بينه وبينهم ما صنع الحداد. كان فارسا، فى عصر خلا من الفرسان، ومقاتلا، لم أره يستسلم أو يتراجع مرة، طوال ثمانية وعشرين عاما، هى عمر صداقتنا، التى كنت وما زلت وسأظل أفخر بها دوما. كانت لنا وقفاتنا، وخلافاتنا، واتفاقاتنا، وكلها تحكمها القاعدة، التى تعلمتها منه.. الشرف، ثم الشرف.. ثم الشرف. كان تغمّده الله الغفور الرحيم بعظيم مغفرته، يمتلك قلبا من ذهب، ويحاول طوال الوقت أن ينفى عن نفسه هذه الصفة، باعتبار أنه تاجر، وسيسىء البعض استغلال طيبته، على نحو غير صحيح، وعلى الرغم من أنه صاحب فكرة «سلاح التلميذ»، أشهر كتاب مدرسى خارجى، ويعتبر عميد ناشرى الكتب المدرسة، فإنه كان شديد الفخر بمشروع روايات الجيب، باعتباره كاتبا قديرا، كانت كتبه تدرّس فى المراحل الدراسية قديما، مثل «جول جمال» و«بطولة سفينة»، و«أيام عصيبة فى أبو عجيلة». ولقد كان يعتبر أن روايات مصرية للجيب هى حلمه، الذى تمنى إصداره منذ زمن طويل، وكان من حسن طالعى وقدرى، أن أكون من الرعيل الأوّل للمشروع، الذى أطلق عليه فيما بعد «مشروع القرن الثقافى»، وبعدها انضم آخرون وآخرون، ومعظمهم صاروا من الأسماء اللامعة الآن، فى عالم الأدب. فوداعا أيها الفارس، الذى أعجز عن تصوّر أننى لن أنعم برؤيته ثانية.. وداعا.