قد تؤدي القطيعة الدبلوماسية بين قطر وجيرانها الخليجيين إلى خسارتهم مليارات الدولارات، بسبب تباطؤ وتيرة التجارة والاستثمار، مما يجعل من الصعب للغاية على دول المنطقة اقتراض الأموال، في الوقت الذي تكافح فيه تدنِّي أسعار البترول. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن قطر لديها ما يقارب من 335 مليار دولار في صندوق ثروتها السيادية، مما يجعلها قادرة على تجنُّب الأزمة الاقتصادية من القرار الذي اتّخذته عدة دول من بينها السعودية، مصر، الإمارات، والبحرين، بقطع العلاقات الجوية، البحرية، والبريّة مع قطر. ومرافق الموانئ التي تمّ توسيعها حديثًا، تعني أنّ بإمكانها مواصلة صادراتها من الغاز الطبيعي المُسال، والذي حقق لها فائضًا تجاريًا قدره 2.7 مليار دولار في أبريل الماضي، على الرغم من إغلاق الطريق أمام البضائع البحرية التي كانت تأتي عبر حدودها البرية مع المملكة العربية السعودية. لكن قد تعاني أجزاء من الاقتصاد القطري بشكل سيء، إذا استمر النزاع حول مزاعم الرياض بأن الدوحة تدعم الإرهاب، وهو الاحتمال الذي ساهم في خفض سوق الأسهم القطرية بنسبة أكثر من 7% اليوم الاثنين. ومن المتوقع أن تواجه شركة الخطوط الجوية القطرية، التي تُركِّز عليها الدولة لتكون مركزًا سياحيًا، خسائر كبيرة جراء منعها من بعض كبار الدول الشرق أوسطية. استدانت حكومة قطر من الداخل والخارج ما يصل قيمته إلى 200 مليار دولار، للمساعدة في تمويل البنية التحتية والاستعداد لاستضافة نهائيات كأس العالم عام 2022، والانخفاض في قيمة وأسعار السندات القطرية يوم الاثنين قد يؤدي في الغالب إلى جعل الاقتراض أصعب، مما قد يُبطئ بعض المشاريع. ولم تتأثر أي من سندات الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، ولكن يقول بعض الاقتصاديين الغربيين إنّ المنطقة العربية بأكملها قد تتأثر ويُصبح من الصعب عليها الاقتراض من الخارج، إذا استمر التوتر الدبلوماسي. ويقول أحد أصحاب البنوك الدولية، والمقيم في الخليج "إذا استمر هذا النزاع لفترة من الوقت، فأن العواقب ستكون خطيرة"، مُضيفًا، "لن يفرق مديرو الأصول بين قطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك مدراء البنوك الدولية سيرفعون أيديهم من أي ائتمان من دول مجلس التعاون الخليجي، وإذا كانت قطر تُرى على أنّها دولة مُموِّلة للإرهاب، سيكون أصحاب الأصول أكثر حذرًا". التجارة تعتمد أغلب دول مجلس التعاون الخليجي على صادراتهم من البترول والغاز، وقد يكون هذا السبب في ضعف علاقاتهم التجارية والاستثمارية مع بعضهم البعض، وهذا قد يُقلل من تأثير النزاع الدبلوماسي على العلاقات الاقتصادية، والإمارات العربية المتحدة هي أكبر الدول المُشاركة تجاريًا لقطر من مجلس التعاون الخليجي، ولكنها الخامسة عالميًا. وبالمثل، فأن المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، يشاركون بنسبة 5 حتى 10% فقط في سوق الأسهم القطرية، وطبقًا لتقارير خارجية، حتى الانسحاب الكامل من السوق القطرية لن يضر كثيرًا بها. ومع ذلك، ستواجه قطر مشكلات أكبر في بعض التخصصات الأخرى، فالسعودية والإمارات وفرتا 309 مليون دولار من إجمالي واردات قطر الغذائية والتي بلغت 1.05 مليار دولار في 2015، وكانت أغلبها على هيئة منتجات ألبان جاءت عن طريق الحدود البرية السعودية، وسيتعين على الدوحة اتّخاذ ترتيبات أخرى لهذه المنتجات. وقد ترتفع تكاليف البناء في قطر أيضًا، مما قد يؤجج التضخم في اقتصاد الدولة؛ لأن الألمنيوم ومواد البناء الأخرى لم يعد من الممكن استيرادها عن طريق البر. وكانت السعودية والإمارات والبحرين، قد سحبوا سفرائهم من قطر لمدة 8 أشهر عام 2014، بعد مزاعم أنّ الدوحة تدعم الجماعات الإسلامية، ولكن كان لهذا السحب تأثيرًا ضئيلًا على الاقتصاد والسوق، لأنّه لم يتضمن أي حظر على وسائل السفر، واستمرت التجارة كما كانت قبل السحب. ولكن هذه المرة، وعدت السعودية، ب «بدء الإجراءات القانونية للتفاهم الفوري مع البلدان الشقيقة والصديقة والشركاء الدوليين، لتطبيق نفس الإجراءات في أقرب وقت ممكن». ومن غير الواضح إذا ما كانت الرياض ستكون قادرة على إقناع أي دول أخرى بقطع العلاقات مع الدوحة، ولكنها قد تحاول إجبار قوى أجنبية على الاختيار بين مواصلة العمل مع قطر، أو العمل معها، والتي تُشكِّل سوقًا أكبر من الدوحة، والذي تفتحه أمام الجميع كجزء من الإصلاحات الاقتصادية. وقال أحد المصرفيين المصريين، إنّ البنوك المصرية أوقفت التعامل مع البنوك القطرية، ولكن من غير الواضح إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي ستقوم بالمثل أم لا، وقال المصرفيون الإماراتيون إنّهم ينتظرون التعليمات من البنك المركزي الإماراتي. هبوط البورصات في دبي، والعديد من الدول الخليجية الأخرى، علامة على أنّ المستثمرين في المنطقة العربية قلقون من تداعيات الأزمة. وقال محمد علي ياسين، المدير التنفيذي لبنك أبوظبي الوطني: "بشكل عام، الأوضاع ليست جيدة، فلا أعتقد أن المنطقة العربية أصابها التوتر والاضطراب مثل هذا الوقت من قبل، وأعتقد أن الجميع يتساءلون ماذا قد يحدث بعد ذلك، ويأمل الجميع أن سيكون هناك تدخلًا من قِبل بعض الحكماء لتهدئة الأوضاع، ولكن مما رأيناه حتى الآن فالأمور في طريقها للتصعيد".