يميل الإنسان لأن يعتقد أن ما يمر به هو حالة فردية وأنه متفرد في شعوره وآلامه، وأنت في البداية تتجنب أن تنظر للحقيقة في عينيها حتى لا تخسر سعادتك، وفي النهاية تتجنب أن تنظر للحقيقة في عينيها حتى لا تخسر ثقتك في ذكائك. وأنت تحاول وتحاول وتحاول وتفشل، فتفكر في الاستسلام ثم تحاول جاهدًا أن ترى هذا الخط الرفيع الشفاف بين الاستسلام والفشل، ثم تتعب، فتستسلم أو تفشل، ثم تنتظر المكافأة الإلهية التي لا تأتي أو تأتي متأخرة. وأنت تبكي قبل أن تنام من الضيق وقلة الحيلة ويصعب عليك الاستيقاظ يوميًا. وأنت تنظر إلى صورة قديمة وتلاحظ أن ابتسامتك أصبحت أقل رونقًا بسبب خطة لم تكتمل أو قرار غبي أو طائرة حملت من تحب بعيدًا فتتجنب الصور، وتثقُل أنفاسك مع كل خبر سيئ أو رأي مُحبِط يقولونه وهم لا يلاحظون ويكملون. وأنت تخاف من ضياع الوقت وضياع الفرص ولكنك تخاف من فرصة أكبر منك أو أصغر منك. وأنت تفضل أن لا تحكي خوفًا من أن يتوه المعني بوصف مرتبك، وخوفًا من رد خائب يعكس عدم إدراك المستمع، أو خوفًا من أن يملوا منك، لأنك أنت نفسك مللت نفسك، تفضل الصمت، والصمت يؤدي إلى الجنون البطيء. وأنت تضحي وأدب التضحيات يجبرك ألا تشعر أحدهم بحجم التضحية ولا تنتظر التقدير ولكنك في الواقع انتظرت التقدير ولم تجده. وأنت تشعر أحيانًا أو كثيرًا أو دائمًا أنك لست أولوية أحد وأنك وحيد.. وحيد جدًا.. وحيد لدرجة تخترقك وتترك داخلك ثقبا كرصاصة. وأنت تهرب من الموقف وصاحب اللا موقف يترك الآخرين يتخذون له موقفا فتصبح صاحب موقف لم تختره ولكنك مسئول عنه. وأنت كل مرة تقرر أن تلك المرة هي المرة الأخيرة وقررت ذلك مليون مرة. وأنت تقارن حالك بحال أسوأ لتهوّن على نفسك وضعك، ولكنك تجد أن ذلك لم يحسن من وضعك. وأنت تعمل لأكثر عدد ساعات ممكن حتى تشتت نفسك عن الواقع وحتى لا تتوسع دائرة الإخفاق لتشمل مستقبلك كله. وأنت تلوم أهلك على أفعال اتضح لك أنها أخطاء فادحة. وأنت تختار أحيانًا أن تجعل من نفسك ضحية وتلقي باللوم على الآخرين، لأن ذلك أسهل من أن تكون المسئول وحدك عما وصلت إليه. وأنت تكره فجأة كل شيء كان بالنسبة لك عاديا أو ممتعا، وتحاول تغيير الأماكن والأشخاص ونظام اليوم، ولكنك لا تزال تشعر بغضب، لأن الغضب داخلك ليس له علاقة بكل ما غيرته حولك. وأنت تفكر في الهجرة ولكن تخاف أن تنجح من أن تهرب من بلد ولا تستطيع أن تهرب من نفسك. وأنت حبيس أفكارك وصورتك عن نفسك وماضيك، والسابقون يقولون إن كل ذلك مسألة وقت. وأنت تشك في خبرتهم وتميل لأن تعتقد أن ما تمر به هو حالة فردية وأنك وحدك في شعورك وآلامك.