هي فين راحت الروح؟ الواحد بقى بيتفرج على الكورة وحاسس إن روح أيام زمان راحت، وفرق الكورة مابقتش تهتم إلا بالفوز والمكاسب المادية اللي بتيجي مع الفوز، واللعيبة مابقاش عندهم ولاء للفريق إنما ولاء للمرتب اللي بيدفعه الفريق، ومابقوش يستمتعوا باللعب قد ما بيستمتعوا بالماركات والإعلانات اللي بيظهروا فيها. ولما الواحد يعوز يحضر الماتش، لازم يدفع دم قلبه عشان يخش المدرجات، ده إذا كانت المباراة مسموحة أصلاً. من الآخر، ضاعت روح الكورة، روح الانبساط والاحتفال واللعب في الشوارع، وبقت الكورة لعبة الشهرة والفلوس والادعاء. النوستالجيا للكورة بتاعة زمان، زي أي نوستالجيا في الغالب، بترسم صورة مزيفة للماضي كما كان بالفعل. يعني حتى مع التغييرات العميقة اللي حصلت في نظام الكورة الدولي والاستثمارات الضخمة اللي اتضخت في مراكز التمرين والاستادات والنوادي الجديدة اللي صعدت مع جيل جديد من اللعيبة والمشجعين، مفيش حاجة تقول إن الروح راحت تماماً من كورة النهاردة، ولا إن الجيل اللي قبلينا ماكانش حاسس إن الكورة فقدت روحها بالنسبة للجيل اللي قبلهم. مع إن الاحساس بالنوستالجيا مش شرط يكون دقيق، هو احساس مفيد، لإنه بيبيّن الاستياء من الوضع الحالي والنزوع لزمن أفضل. في السياق ده نقدر نفهم فكرة التشيؤ عند الفيلسوف المجري جورج لوكاتش. في كتابه المشهور عن "التاريخ والوعي الطبقي"، لوكاتش بدأ من فكرة ماركس إن النظام الرأسمالي بيخللينا نشوف أي حاجة في الكون وكأنها سلعة (يعني إيه سلعة؟). بس لوكاتش تجاوز ماركس لما قال إن منطق السلعة مش بس منتشر في علاقات الانتاج، يعني علاقات صاحب الشغل باللي بيشتغل عنده، إنما بقى منتشر في جميع العلاقات الاجتماعية بلا استثناء. يعني العلاقات بقت متقدّرة بمنطق البيع والشراء حتى في المؤسسات الإدارية، زي الحكومة اللي بتشتري الموظفين، أو في العلاقات الإنسانية، زي الرجل اللي بيشتري مراته من أبوها، أو في الرياضة، زي صاحب النادي اللي بيشتري اللعيب. في جميع الأحوال، ماعادش فيه أي إنسانية في العلاقات الاجتماعية حسب لوكاتش، وبالتالي أي علاقة المفروض تكون إنسانية في مجتمع غير إنساني بقت متشيئة، يعني بقت متشافة على إنها شيء من ضمن الأشياء المعروضة للبيع والشراء، والبني آدم بقى يحس إن روحه ضاعت. لوكاتش قدم الأفكار دي في المجر في العشرينات من القرن العشرين، في وقت كان بيحاول يشرح فيه ليه العمّال الأوروبيين ماشاركوش في الثورات الشيوعية في مجتمعات رأسمالية بتقمعهم بوضوح. إجابة لوكاتش إن الناس ماتقدرش تهرب من منطق البيع والشراء حتى في أفعالهم السياسية والاجتماعية اليومية، وبالتالي الوعي الطبقي مش ممكن يتطور في عهد التشيؤ. الحل حسب لوكاتش مش إن يجيلنا أزمة نوستالجيا ونرجع لعالم ماعادش موجود أصلاً وعمر ما كان فيه الروح اللي إحنا متخيّلينها. الحل إننا نبني وعينا بالتشيؤ عبر صراعات اجتماعية واقعية، يعني مثلاً إننا نوعى بإن فيه صراع مادي بين اللعيبة والمشجعين من ناحية وأصحاب النوادي من ناحية ثانية، لأن أصحاب النوادي من نفس طبقة المستثمرين اللي ماسكين مرتبات المشجعين ومرتبات اللعيبة. الصراع ده مش نشيط في الواقع لأن النوادي بترشي اللعيبة وبتفرّق بينهم وبين الشعب باستثماراتهم الضخمة في سوق اللعيبة الدولي. إنما بمنطق لوكاتش، إذا اللعيبة والناس وعيوا بصراعهم المشترك ضد الطبقة المالكة، هيقدروا يكسروا فكرة إن الكورة للبيع والشراء، ويخلقوا مجتمع مابيستغلّش حب الناس للكورة عشان يملأ خزنة صاحب النادي. مع مرور الزمن، أفكار لوكاتش اتصنفت على إنها بدائية ومثالية، مع إن الأفكار دي أثّرت في تفكير فلاسفة ونقاد كثير في القرن العشرين. مشكلة لوكاتش الرئيسية إنه ماشرحش إزاي الواحد يقدر يدرك التشيؤ إذا العالم كله متشيء، وبالتالي لازم يعترف إن فيه علاقات لسة مش متشيئة تماماً. المشكلة الثانية إن لوكاتش شايف إن الواحد خسران روحه أياً كان الحال، وطبعاً فيه فرق بين احساس التشيؤ لما الواحد يكون نجم كورة بيكسب ملايين أو مشجع كورة بيعيش اليوم بيومه (وفي الطبعة الثانية من كتابه في أواخر حياته، لوكاتش اعترف بالمشكلة دي). المهم إن كتابات لوكاتش عن التشيؤ شدت انتباه الفلاسفة والنقاد تجاه انتشار منطق البيع والشراء في كل تفاصيل الحياة اليومية، لدرجة إن الواحد بقى حاسس إن الحياة معادش لها طعم ولا روح. سواء الاحساس ده واقعي ولا لا، كون إننا بنحلم بعودة الروح دي دليل على إننا مستائين من الوضع الحالي. ومع إننا مش هنسترجع الروح دي، لأن في الغالب عمرها ما كانت موجودة أصلاً، لازم نكافح عشان نخلقها وننمّيها.