محمد عاطف عمال وخبراء وباحثون عن لقمة العيش جمعتهم منطقة عرب الحصن بالمطرية، فخلف سخرية البعض من طريقة انتشال تمثال رمسيس الثاني، وأطراف تخصصت في مهاجمة المنتقدين، والعكس، هناك حياة تختبئ خلف هذه الأحداث، سيدات ورجال تتراوح أعمارهم من العقد الرابع حتى العقد السابع، جاءوا لنقل ما تريده البعثة من أكوام الطين والأتربة من مكان لآخر لمباشرة عملهم، مقابل عشرات الجنيهات في اليوم الواحد. ووسط موجات الهجوم التي نالت من طريقة انتشال الأثر، جاء حديث الدكتور ديتريش رو، عالم المصريات ورئيس البعثة الألمانية بالمطرية، والدكتور أيمن عشماوي رئيس البعثة المصرية، مؤكدًا أن الطريقة التي تم انتشال التمثال رمسيس الثاني بها، هي الأكثر أمانا وحرصا على المنازل المحيطة بالأرض، التي تم انتشال التمثال منها، وأن رسالة الدكتور زاهي حواس عن أعمال البعثة أكدت ذلك، وأن الانتقادات التي تم توجيهها للبعثة والحرفيين بها ليست في محلها ومجرد هجوم لا فائدة منه. طريقة الحفر
يقول الدكتور ديترتش ل"التحرير" إن المنطقة محل البحث يعمل بها منذ عام 1991، ويعلم جيدا ماهية وطبيعة الأرض والظروف التي طرأت عليها، وبات من المستحيل أن يتم شفط المياه بشكل كامل، لأن ذلك سيؤدي لكارثة حقيقية ينتج عنها تشريد عشرات الأسر، وضحايا محتمل وقوعهم جراء الانهيارات المؤكدة. فيما أوضح الدكتور أيمن عشماوي أن بالفعل هناك طريقة متبعة، وهي ما تم انتشال القطع الصغيرة بها؛ عن طريق الأحبال والخشب كما كان يتعامل الفراعنة مع الآثار في العصور القديمة، ولكن حجم التمثال هو الذي ألزمهم أن يستخدموا هذه المُعِدة في عملية الانتشال، مع الأخذ في الاعتبار والحرص على عدم خدشه وهذا ما حدث، كما أن قرار الانتشال تم اتخاذه بشكل جماعي من هيئة الآثار والبعثتين المصرية والألمانية. لماذا لم يتم التجفيف؟ أوضح الدكتور أيمن عشماوي، في تصريحات ل"التحرير" أن الأصل هو التجفيف التام للمياه الجوفية، ولكن ليس في هذه المنطقة المأهولة بالسكان، فلم تستطع اللجنة إلا أن تلجأ للحل العلمي، الذي يفيد بأن يتم شفط المياه لاستطاعة انتشال الآثر ثم تركها للعودة لمنسوبها الطبيعي، فلا يمكن أن يتم شفط المياه بشكل مستمر، لأنها لن تتوقف، وإن جفت ستتصدع هذه المنازل وتنهار، مشيرا إلى أن هناك مقبرة تم شفط المياه الجوفية منها بشكل كامل في المطرية، وأدت لانهيار عدد كبير من المنازل، فكان لزاما عليهم أن ينتبهوا لعدم تكرار هذه الأزمة مرة أخرى.
ويوضح الدكتور ديتريتش أن طريقة الانتشال أكد عليها الدكتور زاهي حواس، وأشاد بها، إلى جانب أن هناك إشادة عالمية بها، إلا أنه للأسف الانتقادات التي يتم توجيهها في مصر غير منطقية، معلقا "حتى الحرفيين اللي من غيرهم منعرفش نشتغل، انتقدوهم وبهدلوهم وهما اللي علموني وعلموا كل واحد في البعثة هنا ازاي يشتغل". الحفر فيه أكل عيش إلى جانب هذه الأعمال هناك عشرات السيدات اللاتي يعملن مع بضع رجال في حمل أكوام الطين والأتربة، مقابل عشرات الجنيهات، حياة أخرى سيعى لها من لا دخل لهم سوى أعمال هذه البعثات من حين لآخر. تقول السيدة أم طارق 65 سنة، إن لديها 5 أولاد، ولم تنتظر لحظة عندما علمت بأن البعثة تبحث عن عمالة يومية بأجر 50 جنيها عن اليوم الواحد، وأضافت باكية "كل حاجة غالية، وبحاول أعمل أي حاجة تسند البيت، أنا باخد معاش زوجي 450 جنيها، ولا بعرف اكفي بيهم البيت ميه وكهربا، وولادي حتى معرفتش أجبهم معايا لإنهم استكفوا، وبنسعى لحد ما ربنا يفرجها من عنده". أبو جلابية.. نحن من نصنع التاريخ يقول الريس أشرف رئيس مجموعة الحرفيين، الذي أتوا من مركز قفط بمحافظة قنا، لمعاونة البعثة في أعمالها، إن أعمالهم لن يستطيع منتقديهم القيام بها، معلقا "كل اللي اتريقوا علينا ميعرفوش احنا بنعمل إيه، الحمد لله احنا بقالنا حوالي 50 سنة تقريبا ورثنا المهنة عن أجدادنا، والجلابية دي ثقافتنا وثوبنا اللي منتخلاش عنه، وياريت كان اللي اتريقوا علينا، وبينتقدونا كانوا حضروا وفرجونا هيعملوا إيه؟". وتابع أشرف "احنا اتلعمنا ازاي نصنع التاريخ ونحافظ عليه من العبث، وزي ما أنت شايف كده الناس أصلًا مش مهتمة، بقى في حد يرمي زبالة على الآثار ياناس؟". ماذا بعد انتهاء أعمال البعثة؟ أوضح الدكتور أيمن عشماوي أن أعمال البعثة ستنتهي بمجرد انتشال باقي الأجزاء، ثم تأتي وزارة الأوقاف لتستلمه، قائلا "الحل الوحيد للحفاظ على المنطقة دي، إنها يتعمل فيها مشروع يخدم أهالي المنطقة، الوضع الحالي ده كده هيجيب أمراض للأطفال والكبار، واحنا مرينا بتجارب كتير أكدت لنا إن لازم يكون في تضحيات وتحديات بتواجهك تقدر تخلي بالك منها، عندنا أسوان وأسيوط فيها بيوت كتير تحتها مقابر، ومع ذلك الحياة مشيت، مينفعش أهجر الناس وادمر مستقبلهم بحجة الحفاظ على الآثار، وعشان كده احنا هنخلص مهمتنا، وإن شاء الله تستلم الأوقاف المنطقة وتعمل فيها مشروع يخدم الناس". ماذا عن الآثار؟
أكد الدكتور ديتريتش أنه بمجرد انتهاء البعثة من أعمالها، سيتم نقل القطع التي تم انتشالها، وكافة القطع الموجود بالمنطقة إلى أحد المتاحف، تمهيدا لتسليم الأرض لوزارة الأوقاف لعمل مشروع تنموي عليها معلقا على ذلك "أنا مدينتي في ألمانيا في بيوت تحتها آثار ومع ذلك الحياة مشيت دون إزعاج للناس، روما فيها 4 مليون مواطن وتحتها مدينة أثرية، ده معناه إننا بحجة الحفاظ على الآثار نهجر الناس من بيوتها؟ أنا أكيد زعلان على حال المنطقة دلوقتي، وخايف تتعرض لحاجة بعد كده، لكن لحد دلوقتي مفيش حاجة هتحصل ولا مية هتتجفف، ولا هنشتغل على حاجة تأذي الناس، لازم نعمل حسابنا على إن في ناس مش بس عاوزة ثقافة، لأ كمان عاوزين قبل الثقافة عيش".