بعد طريق طويل، وصل إلى منزله، نادى على ابنته الأقرب إلى قلبه "هاتي الجردل والقماشة"، ليتشاركا معًا، تنظيف سيارته التي يعمل عليها: "نفسي أشوفك حاجة كبيرة أوي يا ريهام"، طرقت كلماته أبواب قلبها، وابتسمت في وجهه: "إن شاء الله، بس علمني السواقة بقى"، فأعطاها فرصة التعليم: "كنت براقبه وهو بيغير العجل وبيجدد زيتها وبيمسح أزازها"، وهو لا يعلم أنه سيفارقها في يوم، وستصبح القيادة قدرها "اشتغلت سواقة في نفس الموقف اللي كان بيركب منه". في موقف شبين الكوم، تفاجأ السائقين ب"ريهام"، فتاة في العشرينات، ترتدي بنطلون جينز، وتيشيرت متناسق مع لون الحجاب، تقول ل"التحرير": "مش عشان شغالة سواقة، أبقى زي دنيا سمير غانم في فيلم الفرح، أنا بنت ناس وطالبة في كلية تجارة". تألمت "ريهام" لروية والدها، مريضًا على سريره، حاملًا على ظهره مستقبلها وأختها، لتقرر أن تكون الولد الذي تمناه، سندًا وظهر في الحياة، وخلف له بعد الموت: "والدي الله يرحمه كان سواق، تعب فاشتغلت وشلت مكانه، وبعد وفاته كملت، لأن أختي وبناتها الثلاثة في رقبتي". وقت مرض والدها، قررت أن تستخرج رخصة قيادة، وتتواصل مع أصدقائه، لمساعدتها في إيجاد فرصة للعمل على سيارة: "معنديش عربية، ومعارف أبويا رجاله جدعان، أول ما عرفوا، قالولي الصبح تبقى فى الموقف، رحت وخلوني أطلع بالدور على طول". فتحت ريهام عيناها، على أب يعمل سائق، يعيش برزق كل يوم، وعليه قررت أن تتبعه، غير مبالية لحديث الناس، وعن عدم بحثها عن وظيفة أو مهنة أخرى: "مبعرفش في حاجة تانية غير السواقة، بحبها، هواية قبل ما تكون مسئولية، كفاية أن أبويا اللي علمني". يتوقع البعض أن وجود "ريهام" وسط السائقين خطر عليها، لكنها تصفهم، ب"العزوة"، وتقول:"من أول يوم، وهما مرحبين جدًا بيا، كلهم الحمد لله أخواتي، واقفين جنبي"، وعن المضايقات التي تتعرض لها، من الركاب أو السائقين تقول: "بستخدم الشبشب لما بجيب أخري خالص، بس في الأول بكبر دماغي، لأني مبحبش أسلوب الغلط". 12 عامًا قيادة، تعلمت "ريهام" فيهم الصبر والحمد وتحمل المسئولية والجراءة: "أنا راجل البيت، إحياننا بزعل إني شايلة المسئولية وأنا صغيرة، وبزعل وأضايق على حالي، بس برجع أقول الحمد لله إني أحسن من غيري". "نفسي في عربية أو حتى تاكسي، لأني شغالة على عربية مش بتاعتي".. حلم بسيط، يراودها طول طريقها من شبين الكوم إلى موقف عبود: "في الأول والآخر أقول الحمد لله أني بشتغل شغلانة حلال"، وعن نصيحتها للفتيات في عمرها: "اللي عايز ياخذ خطوة مهما كانت شغلانته يتقدم على الخطوة دي، أكل العيش مش عيب".