محمود: المشرحة هي «جنة الحانوتية» عشان الرزق كتير، خاصة أن في مستشفيات كتير مفيهاش متعهدين لنقل ودفن وتغسيل الموتى سيد: محافظات الصعيد بيموت فيها ناس كتير، وإحنا بنتعب جدًا مع أهاليهم لأنهم بيعتدوا على العربيات، خاصة لو كان الميت عندهم شاب صغير مغسل المشاهير: أنا اللى غسلت حمدى غيث ونقلت جثمان أحمد زكى وطلعت السادات لوف مغمورة في الصابون، ينظف المغسل الجثة الساكنة أمامه على «خشبة الغسل».. وبروية شديدة يقلبها يمينًا ويسارًا «احتراما» لها.. يشرع في طقوس تحضيرها إلى ملاذها الأخير.. بعدما عطرها بزيوت فواحة زكية.. ولفها بطبقات من القماش الأبيض، وهى في استسلام خاو من الحياة، إلا من صمت يتخلله صراخ المنتظرين خلف الأبواب. فمن أرض لأخرى، ومن فوقها لقلبها.. في ذهاب وإياب.. رحلة طويلة مثلما يرحل فيها أموات، يعود منها أحياء. «الموتى» منظومة تؤوى مئات الأسر، ممن يتربحون من العمل فيها: «الحانوتية.. المغسلين.. نقل الموتى.. التُربية» فهم مساعدو «عزرائيل» على الأرض، ليحملوا بذاك لقب «عمال على باب الآخرة». مهنة يراها بعض من أصحابها «شرفا».. بينما يراها آخرون «عارا» فتارة يجاهرون بها، غير آبهين لمن حولهم، وتارة أخرى يخفونها خشية نظرة تشاؤم، لكن تظل «الحوجة» إلى لقمة العيش هي سيدة الموقف، التي تنسى كل مشاعر الريبة والتوجس. واحد وعشرون عامًا، أبيضت خلالها شعرات في شارب «محمود» الرفيع خلال عمله في تلك المهنة، «حانوتى»؛ هكذا تصف مصلحة السجل المدنى الأربعينى في خانة الوظيفة، «بدأت الشغلانة في سنة 1994» يشير محمود العريف، مسترجعًا محال عمله السابقة: «في السيدة زينب وفى قصر النيل وشارع معروف وأماكن تانية كوّنت فيها خبرة في المجال»، لكن يبقى محل الخبرة الأهم «في مشرحة زينهم»، بحسب الحانوتى، الذي عمل لدى متعهد آخر في المشرحة لثلاث سنوات. «جنة الحانوتية»، مبتسمًا يصف «محمود» مشرحة زينهم؛ معللًا وصفه بأن المشرحة «فيها شغل كتير، وليها متعهد بس فيه مستشفيات كتير مافيهاش متعهد»، ويشير الحانوتى النحيف إلى أن مستشفيات كثيرة «بتعمل مزادات للمتعهدين، اللى يرسى عليه المزاد بيبقى تحت الطلب لأى حد يموت في المستشفى من التغسيل للتكفين للنقل، وينتهز العاملون في بعض المستشفيات التي لا تتعاقد مع متعهدى دفن الموتى ظرف الموت الطارئ «وممكن يطلعوا مصلحة من ورا بيع الكفن لأهل الميت أو يسمسروا من وراهم ويجيبوا لهم متعهد تبعهم». ويلزم القانون «الحانوتية» بالحصول على التراخيص الواجبة لمزاولة المهنة من خلال مكاتب المتعهدين، والمتعهد، بحسب تعريف «العريف»، هو «صاحب مكتب خدمات الموتى اللى بيشتغل معاه حانوتية، والحانوتى هو اللى بيشيل ويحط ويغسّل ويشتغل في التحنيط وبينضف صناديق الميت (التوابيت)، وبينضف تلاجة المشرحة، وكل حاجة، وكل متعهد لازم يكون معاه بطاقة ضريبية ورخصة». ولاستصدار «رخصة محل الحانوتى» يقول «العريف»: «بطلع شهادة فيش وتشبيه، وشهادة مهنة، ولازم يكون لك خبرة في المهنة لأنك بتتعرض على لجنة فيها المستشار الطبى للمحافظة، ومندوب عن رابطة الحانوتية، وشئون قانونية ورئيس إدارة الجبانات وهم اللى يقرروا تاخد الترخيص ولا لأ». وعندما يحصل «الحانوتى» على الترخيص لابد أن يوفر خدمات يعدّدها «محمود»: «قماش، وصناديق (توابيت)، ودكك للتغسيل، ومغسلين وحمّالين وسواقين»، وقد يحتاج المتعهد إلى أوراق إضافية حينما يكون المتوفى من دولة أخرى ويطلب أهله تسفيره من مصر لدفنه في مسقط رأسه «ساعتها بحتاج تفويض من سفارة دولة المتوفى، وبنغسله ونحنطه ونحطه في صندوق يتقفل بسلك حديد ويتشمع بالشمع الأحمر»، ويذكر «محمود» أنه حصل على تفويض من عدة دول لنقل الموتى «للسويد وبريطانيا وليبيا والسودان». مسلم مسيحى.. كفن واحد من 3 طبقات ينضم «الحانوتية» الحاصلون على التراخيص إلى رابطة عامة خاصة بالعاملين في تلك المهنة، وكما يقول «العريف»، الحانوتى، فإن هذه الرابطة «بتضم الحانوتية المسلمين بس، أما الحانوتية المسيحيين بتحدد تراخيصهم وخلافه الكنيسة اللى هما تابعين ليها، وأغلب اللى في الشغلانة رجالة والستات فيها بيشتغلوا في تغسيل الميتين الستات». الفارق الطفيف، بحسب محمود الحانوتى، بين حانوتية المسلمين والمسيحيين يوضحه «العريف» قائلًا: «الدين مابيفرقش أوى، فلو واحد صاحبى مسيحى عنده حالة وفاة بطلع له كل حاجة من عندى، لكن الفرق إن المسيحيين بيدفنوا ميتينهم بالصندوق (التوابيت) أما المسلمين فبيدفنوا على طول في التراب»، لذلك ترتفع تكلفة دفن المسيحيين عن المسلمين «لأن تكلفة الصندوق (التابوت) بتتضاف». يفصّل «محمود» تكاليف الدفن والتي تقترب من «120 جنيها، هي سعر الكفن الشرعى بكل مستلزماته: قماش الكفن من البفتة من 3 طبقات بطول مترين ونص الليفة، الصابونة، وإزازة البخور، وإزازة المَوَرد، وإزازة المسك، والجاونتى (القفاز)، وإزازة زيت الكافور». «المنيا».. بلد يخشاه سائقو نقل الموتى «المنيا على وجه الخصوص، ومحافظات الصعيد عمومًا» هي أكثر المحافظات التي يتردد سائق نقل الموتى، سيد أحمد، قبل السفر إليها لنقل إحدى الجثث، معللًا تردده بأن تلك المحافظات «هي أكتر المحافظات اللى الناس فيها ممكن بسبب زعلهم يكسروا في العربية وتخبط على إزازها خاصة لو الميت شاب صغير»، ويلزم السائق الصمت كما يقول «سيد» لأن أهالي المتوفى «بيتحججوا دايمًا بالظرف اللى هما فيه وأنه بيخليهم مش مستحملين، وممكن واحد يقولك اتحرك بالعربية، وواحد تانى يقولك وقف عربيتك والسواق لازم يبيع للكل أنه بيسمع كلامهم وإلا هيدغدغوا عربيته». ويحرص السائقون، بحسب السائق الشاب، على استلام «تصريح الدفن»، و«شهادة الوفاة» الصادرين من الجهات الرسمية للمتوفى، قبل أن يتحرك السائق بسيارته؛ «لأن ممكن كمين في الطريق يسألنى عن الميت، فلازم وقتها أخرج التصريح والشهادة لظابط الكمين وهو بيعدينى علشان حالة الوفاة». تقل الأخطاء التي يرتكبها السائقون العاملون لدى متعهدى خدمات الموتى كلما تقدم بهم العمر وتراكمت لديهم الخبرة، فبحسب ما يردف «سيد»، الشهير ب«ميشو»، فإن الخبرة «بتخلى السواق باله أطول، وبيعرف يتعامل مع المواقف بشكل أحسن من السواق اللى لسة بادئ في الشغلانة». وتتباين تكاليف نقل الموتى بحسب المسافة التي ستقطعها السيارة وتوقيت النقل- بحسب ما يلفت إليه السائق. يميل «سيد» للعمل سائقًا لنقل الموتى، على عمله السابق كسائق سيارة «ميكروباص أجرة»، ويعزى الشاب تفضيله إلى «راحة البال» التي يتسم بها العمل في نقل الموتى «يعنى بالرغم من إن فلوس سواقة عربيات الميتين أقل من سواقة الميكروباصات بس ده أحسن علشان مافيهوش مشاكل، غير الشغل في مواقف الميكروباص لازم ما اخليش سواق يحمل قبلى في الدور ولا ياخد زباينى لأنه مش أرجل منى». «الحانوتية»: مابنقولش لجيرانّا مهنتنا يقول بعض العاملين لدى مكاتب متعهدى دفن الموتى إنهم يقومون بإخفاء مهنتهم عن جيرانهم، فيقول محمد الذي عمل لسنوات في مشرحة زينهم قبل أن يغادرها منذ نحو 6 أشهر إنه أخفى عمله ك«مغسِّل» للموتى في المشرحة عن كل جيرانه، أمر تكرر مع كثيرين من «الحانوتية» الذين تحدثوا ل«البوابة». ويذكر سائق نقل الموتى، رمضان علام، إن صديق له «أخفى عن جوز بنته شغلانته الحقيقة أنه سواق نقل موتى، ولما جوز بنته شافه بينزل خشبة ميت من عربية تحت الطلب طلق بنته علشان مايناسبش حانوتى». يواصل «علام»، (62 عامًا) الذي يعمل منذ نحو 40 عامًا سائقًا لنقل الموتى، «أنا مجوز 4 من بناتى ولما كان عريس يتقدم لبنت من بناتى كنت بقول له: أنا شغال سواق مع حانوتى مش سواق عادى». سواق الحانوتى: «لما الساعة تحين الميت يوصل» «ممكن أكون بنقل ميت في أسيوط وأحس إن الطريق طويل والمشوار مش عايز يخلص، وممكن أكون هنقل ميت لأسوان أحس إن الطريق فات هوا، حاكم السفريات دى حظوظ وربنا اللى بيأذن لما تحين الساعة يوصل الميت» يقول «علام»، السائق الستينى، الذي يوضح مهام وظيفته قائلًا: «شغلى بينتهى لما بنزل الميت تربته وآخد الخشبة (التابوت) قبل ما امشى لو الميت مسلم، ولو الميت مسيحى بيدفنوه بخشبته وبروح أول ما انزل الخشبة من العربية». ويتعرض السائقون لمشكلات ومضايقات من بعض أهالي الموتى «يعنى ممكن العربية اللى ماتشيلش إلا 2 مرافقين من أهل الميت يركب فيها 4، فبنسكت علشان ظرف الموت، والستات أكتر اللى بيصمموا يركبوا لكن الرجالة فيهم الرزانة أكتر» يقول «علام» متذكرًا مرة سافر فيها إلى نجع حمادى في محافظة قنا لنقل شاب توفى في حادث عن عمر 23 سنة، «والبلد كانت مقلوبة علشان ميتهم شاب صغير والستات من تخبيطهم على العربية كسروا إزاز العربية. التباهى بالأموات: «أنا اللى غسّلت السادات» «أنا اللى غسّلت حمدى غيث الممثل».. يقول أحد المغسلين، يدعى محمد، قبل أن يتدخّل سائق ستينى، رمضان علام، «أنا اللى نقلت أحمد زكى، والجمهور كانوا هايكسرولى العربية»، هكذا يتباهى العاملون في مكتب «العريف»، متعهد دفن الموتى، بمشاهير الأموات الذين شاركوا في تحضيرهم للدفن أو نقلهم إلى مقابرهم أو دفنهم، ويقول «العريف» هو الآخر إنه قام بتغسيل السياسي الراحل «طلعت السادات» في مستشفى البنك الأهلي. منعًا للتشاؤم.. قل: «تحت الطلب» ولا تقل: «نقل موتى» في ساحة مستشفى المبرة بالملك الصالح، يقترب أحد مرافقى المرضى من مجموعة الحانوتية الجالسين بالقرب من مشرحة المستشفى، متسائلًا عن سيارة لنقل مريضه، بحذر يسأله أحد السائقين «هو حالته إيه بالظبط؟» فيأتيه الرد بأنه لا يستطيع ركوب التاكسى ويحتاج لسيارة «إسعاف» تنقله إلى منزله في مكان قريب، فيوضح له السائق «ممكن حضرتك تسأل عند الأمن، لأن هنا عربيات «تحت الطلب، مش إسعاف». محمد: كل «روح» وليها غسلتها.. و«أم محمد»: أسرار الميتين بينى وبين ربنا لم تكن تعلم أن القدر سيلقى بها أمام الموتى من النساء لتجهيزهن إلى «الدار الآخرة»، بحسب اعتقادها، فبعدما كانت مُدرسة للمرحلة الابتدائية ممن يخشون مجرد النظر للجثث، أصبحت بعدما تغير الحال «مُغسِّلة» النساء الوحيدة في قريتها بمحافظة دمياط، مهمة دفعت ب «أم محمد»، السيدة الخمسينية إلى دكك التغسيل وجثث النساء مفارقات الحياة. كانت «أم محمد» تخشى رؤية الكفن والذهاب للمقابر، بحسب ما تروى، فعندما ماتت جدتها ونظرت إليها أثناء تكفينها أغشى عليها، ومكثت في صدمة عصبية لمدة قاربت الأسبوعين. لكن تغير حالها بعدما أكثرت من القراءة الدينية وازداد إيمانها بقضاء الله وقدره، كما تقول أم محمد «لما بدأت أتعلم في الدين وأقرا في كتب أولادى الأزهرية عشان أعلمهم، زاد يقينى بالله وآمنت أنى لازم ماخفش من الموت حتى لو الأمر وصل لتغسيل الموتى». الأمر في البداية كان صعبًا عليها وكان مجرد رؤيتها للميت «انتحار» على حسب وصفها، حتى تعلمت أم محمد أحكام التغسيل الشرعية وقامت بتغسيل أول امرأة ميتة «كانت أول مرة أدخل لتغسيل امرأة كان بمثابة تطبيق عملى لما درسته من أحكام تغسيل الموتى، والتي تتلخص في التعهد أمام الله تعالى بالسرية التامة، لأنهم أناس قد أفضوا إلى مثواهم الأخير».. تقول أم محمد إنها تحتاج إلى مساعدة من أهل المتوفاة من النساء، يحملن لها المياه ومستلزمات الغسل ويجهزن الكفن. لم تلق أم محمد اعتراضا من زوجها وأولادها على عملها فتقول: «جوزى مكانش عنده مشكلة لأن هو كمان بيغسل الموتى، واتعهدنا أنا وهو أمام الله سبحانه وتعالى أن يكون الأمر خالصًا لله، وأولادى من حفظة القرآن فكانوا متقبلين الأمر»، تصف «أم محمد» التغسيل بأنه «أمانة أمام الله سبحانه وتعالى»، وتقول «أنا باعمل كده ابتغاء لوجه الله مباخدش عليه فلوس». واستمرت «أم محمد» في تغسيل الموتى لمدة عشر سنوات ولكنها توقفت عن ذلك لظروفها الصحية «أنا بطلت اغسل عشان ظروفى الصحية مبقاش عندى القدرة على ده، لكن مهما حصل عمرى ما هخرج أسرار الموتى اللى شفتهم». الحال يختلف مع «محمد» الذي يمتهن تغسيل الموتى ويعتبرها «أكل عيشه»، الرجل الأربعينى متزوج ولديه ولد وحيد في المرحلة الإعدادية، يعمل بتغسيل الموتى قبل زواجه وصارح زوجته بالأمر وتقبلت «باشتغل مع حانوتى من قبل ما اتجوز وقلت لمراتى إن ده أكل عيشى وهى وافقت وقبلت بالأمر». يقول محمد، الذي على الرغم من ذلك كان يخفى عمله لفترات عن جيرانه: «فيه ناس بتقرف من المغسلين وفيه ناس بتخاف وقلبها بيتقبض من الحانوتية، لما كنت شغال في المشرحة مكنتش باقول لجيرانى انى شغال هناك أو شغال حانوتى عشان ميخافوش منى ويبعدوا عنى». كان «محمد» مسئولا عن تغسيل الموتى بمشرحة زينهم لسنوات من عمره يراها الأصعب خاصة في فترة الثورة: «أصعب أيام شفتها شغلى في المشرحة أيام الثورة، كنا متبهدلين ومستحملين مبنتكلمش عشان منضايقش الناس، الناس أعصابها تعبانة وشباب صغيرين كتير ماتوا».. بخبرة المعايش للموت دائمًا يرى أنه لا يُفرق بين الأعمار والاتجاهات السياسية وحزن الأهالي واحد مهما اختلفت ظروف الموت. مر على «محمد» جثث لأموات بظروف وفاة مختلفة لكل منها طريقة في التغسيل والتكفين، يتحدث بخبرته عنها «الحالة المتشرحة بيبقالها طريقة عشان الدم مينزلش على الكفن ويبهدله، أما الغريق مبنغسلهوش بالليف جامد عشان جسمه البايش بفعل الميه، لو جثة متفحمة من حريق مبنغسلهاش بميه لكن بالتيمم بالتراب».. يختلف أيضًا التغسيل بين المسلم والمسيحى يكمل «محمد»: «الميت المسلم بيتوضى قبل الغسيل وبعده، لكن المسيحى بيبقى غسل جنابة بس من غير وضوء». اختلفت حياة «محمد» بسبب عمله، ففكره أصبح مشغولا دائمًا بما يراه، فيقول «لما بروح البيت ببقى مش مركز وأقعد أفكر في اللى شفته خاصة لو حالة صعبة»، كانت أيام الثورة الأصعب على عائلة محمد: «كنت بنام أخرف واتكلم عن اللى شفته من أشلاء وضحايا وحالة الأهل».. على الرغم من صعوبة الأمر نفسيًا لا يفكر محمد في ترك عمله فهو مصدر رزقه الوحيد الذي يتقنه. مرقص: موسم «الموت» بيزيد في ديسمبر ويناير يجلس على كرسى وسط صناديق الموتى التي تصطف واقفة من حوله، بعضها مصنوع من أخشاب رخيصة غير مزينة، والبعض الآخر يزينه الصلبان اللامعة مع الورود، يعرفها جيدًا ويعرف أسعارها وأنواعها والزبون المناسب لكل منها، مرقص نجيب مرقص محاسب يدير أعمال معرض صناديق لنقل الموتى المسيحيين بشبرا. «مرقص» أب لثلاثة أولاد أكبرهم يبلغ من العمر 10 سنوات، بدأ عمله منذ ثلاث سنوات بعد عودته من العمل بالخارج، يقول مرقص «من 3 سنين، لما رجعت من بره مكنتش لاقى شغل، واحد صديقى قال لى تعالى اشتغل في محل عم جورج لنقل الموتى بدل قعدتك في البيت»، يحب «مرقص» عمله الخالى من المشاكل «أنا مرتاح في الشغلانة دى، مكتب نضيف ومافيش مشاكل في الشغل هنا». يفتخر بائع الصناديق بعمله ويخبر معارفه به دون خوف «الناس كلها عارفة إنى شغال مدير لمحل بيع صناديق موتى، أنا ماليش دعوة بالدفن والكفن والتغسيل، أنا موظف إدارى بيبيع البضاعة اللى عندى» يقول «مرقص» الذي على الرغم من افتخاره بعمله لا يخبر أولاده الثلاثة بمكانه فهم يعرفون أنه محاسب ولا يدرون أين يعمل «الأولاد عارفين أن أبوهم شغال موظف أو محاسب في محل لكن مايعرفوش ببيع إيه، هما مالهمش علاقة بالموت». للمسيحيين طرق دفن خاصة بهم، فهم يستخدمون الصندوق للدفن داخل التراب، يقول «مرقص»: «إحنا المسيحيين بندفن بالصندوق، أهل الميت بيشتروا الصندوق ويدفنوه في التراب ولكل صندوق سعر على حسب نوعه»، وأنواع الصناديق كثيرة تختلف خامات صنعها فأرخصهم هو الخشب، «فيه الصندوق الخشب العادى ده أرخص حاجة بيبدأ من 500 جنيه». يقول مرقص، أما أغلى صندوق فهو مستورد من خارج مصر مصنوع من الأستلس ومزين بالصلبان اللامعة «الصندوق الاستلس غالى بيوصل ل10 آلاف جنيه، بييجى من برة وبندفع فيه جمارك عشان كده سعره بيزيد» وفقا لعم مرقص الذي يرى أن لكل صندوق زبائنه «كل حاجة ليها زبونها، الصندوق الرخيص بيشتريه أغلب الناس والجمعيات المسئولة عن الدفن لأنه رخيص، وفى الآخر بيتحط في التراب، أما الصندوق الاستلس الغالى بيشتريه تجار الدهب وأصحاب محال القماش الكبيرة». لا تختلف الصناديق التي يبيعها عم مرقص في أطوالها، فهى حجم واحد يناسب جميع الأطوال، أما العرض فله نظام خاص، «أنا بسأل الزبون عن جسم المتوفى تخين ولا رفيع، لو رفيع فيه حجم ثابت بيختار أي صندوق يعجبه ويدفع تمنه، لكن لو تخين فيه أحجام خاصة موجودة في المخزن» - يقول مرقص بخبرة العارف بتفاصيل عمله. لم يمر بائع الصناديق بأمور غريبة في عمله فهو مثله مثل أي بائع، لكنه دائمًا ما يتعامل مع زبائن رجال عدا مرة واحدة استغربها مرقص «مرة جت بنت شابة صغيرة اشترت كل حاجة للمتوفى وده مابيحصلش، دايما أهل الميت بيبعتوا رجالة من العيلة»، وكأى بائع للبيع أوقات مزدهرة أكثر من غيرها ومواسم، فبيع الصناديق يزدهر في شهر ديسمبر ويناير، فيقول مرقص «البيع دايما بيزيد في آخر السنة وأولها، والمتوفين بيزيدوا، السنة بتقفل زى ما الناس بتقول، حكمة ربنا بقى». من النسخة الورقية