وزارة الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا.. اليوم الجمعة    تعرف على سعر الذهب اليوم الجمعة.. عيار 21 ب3080    الفسفور.. أسعار الجمبري اليوم الجمعة3-5-2024 في محافظة قنا    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تجدد غارتها على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    أكبر جامعة في المكسيك تنضم للاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين.. ما القصة؟    تموين الغربية يضبط 2000 لتر سولار بمحطة وقود لبيعها بالسوق السوداء بالسنطة    جنازة مهيبة لطالب لقى مصرعه غرقًا بالمنوفية (صور)    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان نجوم دراما رمضان 2024    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أوستن: لا مؤشرات على نية حماس مهاجمة القوات الأمريكية في غزة    انتهاء أزمة الشيبي والشحات؟ رئيس اتحاد الكرة يرد    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين جائزة حرية الصحافة    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    نجم الأهلي يقترب من الرحيل عن الفريق | لهذا السبب    "الدفاع التايوانية" تعلن رصد 26 طائرة و5 سفن صينية في محيط الجزيرة    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    سعر الموز والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 3 مايو 2024    بشير التابعي: من المستحيل انتقال إكرامي للزمالك.. وكولر لن يغامر أمام الترجي    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الحانوتية في حوار ل"الوطن": شيعت شهداء "يناير" و"رفح" وقتلى "رابعة" وأهل الفن والسياسة
نشر في الوطن يوم 21 - 01 - 2016

-العريف: نعمل بمهنة "الحانوتي" منذ عهد الخديوي إسماعيل وورثت المهنة عن خامس
-جدالعريف: الجماعات الإسلامية استغلت مهنتنا في تمويل أنشطتها والسيطرة على عقول الشباب
-اكتشفت جرائم قتل حاول فاعلوها الإفلات من العقاب وأبلغت النيابة العامة عنها
-مهنة "الحانوتي" في طريقها للانقراض.. ونظرة المجتمع لنا عطلت مشروع "اتحاد الحانوتية" وليس لنا معاشات وتأمينات
-دخلاء المهنة في الجمعيات الخيرية والجماعات الإسلامية يشاركونا في أرزاقنا.. وبعد الثورة ظهر المزورون

"ليس هناك أغرب من الموت.. إنه حادث غريب.. أن يصبح الشيء.. لا شيء.. ثياب الحداد.. والسرادق.. والمباخر.. والموسيقى.. ونحن كأننا نتفرج على رواية.. ولا نصدق ولا أحد يبدو عليه أنه يصدق"، مشهد جنائزي، صوَّره على الورق الكاتب والفيلسوف الدكتور مصطفى محمود، في كتاب "لغز الموت"، ويعيشه "حسن العريف" منذ أكثر من 4 عقود في منزل ب"حي السيدة زينب" العريق، تسكنه النعوش والأكفان، وتفوح منه رائحة البخور منذ أكثر من قرن وبضعة عقود، ف"حانوت الموت" بدأت نشأته في زمن "الخديوية"، وعاصر الحقبتين "السلطانية" و"الملكية"، وأصبح موروث العائلة مع إعلان "الجمهورية"، ليصبح معبدا مقدسا يخلد في دفاتره ذكرى الأموات، ويرزق منه الأحياء.
"شيخ الحانوتية" و"حانوتي المشاهير" و"رجل المشرحة".. وأخيرا "حانوتي الثورة"، كلها ألقاب حظي بها المعتز بالله حسن العريف، حمَّال الموتى إلى العالم الآخر، وحامل أسرارهم بعد الموت، واختاروه صديقا أمينا عليها، يحكونها له ويحكي عنهم ما أرادوا منها، ويحفظ في قلبه ما اختصوه وحده منها، فهو أول المتفرجين على الرواية ومصدقيها.
"الوطن" حاورت "المعتزبالله" خامس "حانوتي" في عائلة "العريف"، وقصاص الموتى، وأمين سر مجلسهم في العالم الآخر، ومشيع حكايات "الشهداء" و"الثوار" و"القادة" و"المشاهير" إلى الدنيا.
وإلى نص الحوار:-
* بداية.. حدِّثنا عن نشأة المهنة في مصر؟
- مهنة الحانوتي بدأت في مصر عام 1880، والمهنة أول ما ظهرت، كانت مخصوصة للأتراك وصفوة المجتمع المصري، فكانت هناك الخشبة أو النعش، وعليها كسوة من القماش المنقرش، وكانت "المأمورية" تبدأ ب"التغسيل" ومن بعدها "التكفين" ثم يحمل النعش أربعة أو خمسة "حمالين" موزعين حوله، وكان مكتب "الحانوتي" يتكون من: "رئيس حانوت، ووكيل حانوت، ومغسل، ومكفن، وحمالين"
.أما باقي أفراد الشعب، فكانت تتم مراسم تشييع جثامينهم بالطريقة الريفية "الفلاحي" المعمول بها حتى الآن، وهي الاستعانة ب"شيخ جامع" أو رجل صالح يقوم بمهمة التغسيل والتكفين، ثم يضع المتوفى في صندوق يحمله أربعة أرجل، ويشيعه أهله إلى مثواه الأخير.
حانوتي الثورة: طوابير من الجثث كانت تصطف في مشرحة "زينهم" في "25 يناير" .. وكنت أشيع 10 حالات يوميا
- وماذا عن تاريخ عائلتك مع المهنة؟ورثت المهنة عن خامس جد، وأحتفظ بدفاتر للموتى منذ أكثر من 100 سنة مكتوبة بخط الريشة، والمهنة في أغلبها متوارثة، وأربابها الحقيقيون يكونون غالبا من عائلة واحدة، ومنذ عام 1880 وحتى أواخر السبعينيات لم تجد دخلاء على المهنة إلا القليل، وبداية أجدادي في المهنة تعاملوا مع الأسرة الحاكمة في عهد الخديوي إسماعيل والمقربين منهم، واستمروا في ذلك حتى أعلنت الجمهورية.
- وما هي التطورات التي جدت على المهنة في تلك الفترات؟أصبح نقل الموتى الآن مختلفا، فبدلا من الحمالين، أصبحت هناك سيارة مخصصة لنقل المتوفى، كما أن "الكسوة المنقرشة" ألغيت، وذلك لأننا عرفنا أنها من "البدع"، وليس لها أساس في الإسلام، كما أننا كنا نتعامل مع عائلات كبيرة حتى أوائل عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت "المأمورية" تبدأ من أول "الذبيحة" وحتى تشييع الجنازة، وكنا نأتي ب"الجزار، والطباخ، والسفرجي، والمقرئ"، وتستمر المأمورية طوال الثلاثة أيام مدة العزاء، أما الآن فكل هذه الأمور لم تعد تحدث.
- ومتى بدأت حكاية "المعتز بالله العريف" مع المهنة؟عملت في المهنة مع والدي قبل 43 سنة، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، في مكتبنا بحي السيدة زينب، واشتغلت في كل المهمات بداية من تغسيل المتوفى وتكفينه وحتى قيادة سيارة نقل الموتى، وبعد وفاة والدي توليت مهام العمل ك"رئيس حانوت"، والمهنة تشترط في قانونها أن يكون مجيدا للقراءة والكتابة، وأنا حاصل على مؤهل متوسط "دبلوم تجارة"، وليس لدي عمل آخر غير هذه المهنة، التي ورثتها عن أجدادي، ونحن من أوائل العائلات في مصر بالمهنة، والعائلة الوحيدة التي امتدت جذورها في المهنة على مدار 5 أجيال متعاقبة.
المعتز بالله العريف: أغلب حالات الوفاة في ثورة 25 يناير كان سببها طلق ناري وخرطوش وسلاح أبيض
- ما هو وجه الاختلاف بين أعمال الحانوتي والتربي؟يوجد اختلاف كبير، الحانوتي له عدة مهام، تبدأ بتلقي إخطار أو اتصال من أهل المتوفى أو عائلته بوجود حالة وفاة، بعدها نتأكد من صحة محل الوفاة وصحة العنوان، والخطوة الثانية التأكد من حدوث الوفاة، وكنا حتى أوائل السبعينيات نقوم بعمل "دكتور الصحة" ونكشف على المريض، وبعد ذلك، تبدأ أعمال "التغسيل والتكفين والنقل"، ومهمتنا تنتهي في المقابر، أما التربي فمهمته دفن الميت، والقانون رقم 5 لسنة 66، يقوم بتنظيم أعمال الحانوتية والتربية، "فالحانوتي حاجة والتربي حاجة"، وأعمالهم تنظم عن طريق المحافظة التابعين لها.
- وما هي الجهات التي يتعامل معها مكتبك بحي السيدة زينب؟نتعامل مع جميع المواطنين من خلال مكتبنا، كما نتعامل مع هيئة العلاقات الإنسانية بوزارة الداخلية منذ أكثر من 25 سنة، وشيَّعنا عددا من الضباط وأفراد عائلاتهم ومسؤولين بالوزارة، ونقابة المهن التمثيلية، والسينمائيين، والبنك المركزي، ومستشفيات كثيرة من جميع أنحاء الجمهورية.
- وما سر لقب "حانوتي المشاهير"؟لقب حانوتي المشاهير، يرجع لتاريخ عائلتي الكبير في المهنة، فكانت تتعامل مع الأسرة الحاكمة في مصر ومع القصر الملكي، ودفنا ملوك وأمراء وباشوات قبل ثورة 23 يوليو 1952، وامتدت تلك السمعة الطيبة بعد ذلك، وكنا نتعامل مع عائلات وأثرياء مصر كلها، ومنذ أن توليت إدارة المكتب شيعت عددا من كبار رجال الدولة وشخصيات سياسية وفنية، فتعاملنا مع عائلة الرئيس الراحل أنور السادات، وشيعنا شقيقه الشهيد عاطف السادات، وعائلة الأسبق حسني مبارك، وشيعنا 4 أفراد من عائلته، منهم "عمته"، وليس منهم حفيده، كما أيضًا شيعنا جنازة وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن أبوباشا، ومن الفنانين والأدباء "الشاعر صلاح عبد الصبور، والفنان فريد شوقي، والسندريلا سعاد حسني، والفنانة ماجدة الخطيب، ويوسف عيد، ونور الشريف، وآخرهم الفنان ممدوح عبدالعليم".
العريف: شيعت جثامين شهداء الثورة من مشرحة زينهم إلى ميادين مصر المختلفة
- وما هي حكاية لقب "شيخ الحانوتية"؟في سنة 1990 على وجه التحديد، حاولت عمل رابطة أو اتحاد لحانوتية القاهرة والجيزة، لكن قابلتنا مشكلة صعبة، والمشكلة لا زالت قائمة ولم تنتهِ، وهي عدم الوعي وضعف الإيمان، أتذكر عندما حاولت نقل مكتبي في مكان جديد، عندما عرف البائع أنني حانوتي رفض البيع، وقالي: "يا ساتر يا رب، إمشي يا عم من هنا، حانوتي إيه، وبتاع إيه"، ومقدرتش أنقل المكتب من وقتها، فما بالك وأنا أريد عمل اتحاد أجمع فيه حانوتية مصر كلهم، "الدنيا هتتقلب"، وهذا كان سببا رئيسيا في فشل الاتحاد، ولم يكتمل المشروع.
ولقبت بشيخ الحانوتية، لأننا نعتبر أول عائلة في هذا المجال، وبالتالي كنا نلقب بشيوخ المهنة بالوراثة، ولو تجولت في جمهورية مصر العربية كلها "مش هتلاقي حانوتي واحد في المهنة من خامس جد، ممكن يكون فيه واحد عنده جد في المهنة، لكن خمسة عمرك ما هتلاقيها".
- معنى ذلك، أنه لا توجد نقابة أو جهة ترعى "الحانوتية" ؟أرباب المهنة الحقيقيون، ودول كانوا موجودين حتى عام 1970، ليسوا بحاجة لمثل هذه الأمور، فهم توارثوا المهنة عن آبائهم، وهم في غنى عن طلب معونة أو معاش من الدولة، ولكنهم يتمنون أن يكون لهم "معاش" أو "تأمين صحي"، ولكن المشكلة في الدخلاء على المهنة من بعد ذلك، فهؤلا محرومون من كل هذه الأشياء.
المعتز بالله العريف: شيعنا جثمان الشهيد عاطف السادات.. وأربعة من عائلة "مبارك".. ووزير الداخلية الأسبق
- ما هي تكلفة "المأمورية" كما تسمونها أو كم يدفع أهل المتوفى لكم؟- رسوم نقل العربية تبدأ من 100 جنيه إلى 200 جنيه، وكنا في سابق الأمر نأخذ 100 جنيه نظير "التغسيل والتكفين"، ولكن الآن نؤديها مجانا في ظل المنافسة مع الجمعيات الخيرية، ونترك الأمر لأهل المتوفى، و"أنا ورزقي، ممكن يسيب 10 جنيه وممكن يسيب 1000 جنيه".
- وماذا عن أولادك؟ربنا أنعم عليا بولدين وبنت، كلهم متعلمين، ومنهم "المحاسب"، ومنهم "الدكتور"، ورغم ذلك يعملون معي ويساعدوني في مهنتي، ويعرفون كل خباياها.
-حدِّثنا عن متاعب المهنة؟
هي مهنة تحتاج إلى قوة الإيمان، والوعي السليم، والاستعداد النفسي الجيد، لأننا بنواجه الكثير من المشاهد الصعبة، وهناك بعض المناظر تجعلك تبكي بحرقة، ولكن في مهنتنا يجب أن نكتم دموعنا، وأن نواسي أهل المتوفى، ولا نجلب عليه مزيدا من الهم والحزن.
كما أننا نتعامل مع ضحايا الحوادث "اللي دايساه عربية، المدهوس تحت قطر، اللي واقع من سابع دور، واللي مولع في نفسه، واللي غرقان في البحر"، وكلها حالات صعبة، وفي بعض الأحيان، نتعامل مع جثامين متعفنة، ولم تكتشف الوفاة إلا بعد أسبوع في بعض الحالات، وتكون الجثة وقتها في حالة تعفن كامل.
حانوتي المشاهير: "السندريلا وفريد شوقي ونور الشريف وممدوح عبدالعليم" مشاهير نقلناهم إلى مثواهم الأخير
- وماذا عن جرائم القتل؟جرائم القتل أمر مختلف، فلا نتعامل معها بشكل مباشر، ولكن تعاملنا يكون مع مشرحة "زينهم" ومع المستشفيات.
- ولكن ألم تصادفك حالات كانت وراءها جريمة قتل وأراد الجناة إخفاء معالم جريمتهم بجعل الوفاة طبيعية؟صادفنا الكثير من الحالات على هذه الشاكلة، اتذكر في إحدى المرات، تم إبلاغنا بحالة وفاة على أنها طبيعية وهي لم تكن كذلك، ونتعامل هنا بشكل مختلف، يجب التأكد أولا من مكان الوفاة وحدوثها، وتأكدت أثناء فحص الجثة أن الوفاة غير طبيعية، وهنا أبلغ مفتش الصحة، فإذا لم يتخذ إجراء، أقوم بنفسي بإبلاغ النيابة العامة، لأنه في بعض الحالات يحدث تواطؤ من بعض الأطباء، ويرفض الإبلاغ بأن الوفاة غير طبيعية، والحمد لله "مبخافش، أخاف إزاي وأنا بشتغل في الموت، وأعلم أن الموت بيد الله مش بإيد حد، عشان كدة معنديش قلق ولا خوف".
- وما هي أصعب اللحظات التي مرت عليك في هذه المهنة؟أصعب لحظة مررت بها على الإطلاق يوم وفاة أمي، فلم أبكِ في حياتي مثلما بكيت في هذا اليوم، رغم أنني من الشخصيات العصية على البكاء.
- هل مهنة الحانوتي في طريقها للانقراض؟نعم، المهنة في طريقها للانقراض، فالأب والأم الآن في المناطق الشعبية والعشوائية على سبيل المثال يذهب بابنه لورشة "النجارة" ليعلمه حرفة في فترة الإجازة، ولكنه لا يذهب به ل"الحانوتي" نتيجة لضعف الإيمان وقلة الوعي المنتشرة في مجتمعنا، وبالتالي المهنة أصبحت داخل العائلة الواحدة فقط، بالإضافة ل"الدخلاء" على المهنة، الذين أفسدوها.
- كررت كلمة "الدخلاء" على المهنة.. فهل هناك دخلاء بالفعل على مهنة الحانوتي؟بالتأكيد هناك دخلاء على مهنة "الحانوتي"، وهم "الجمعيات الخيرية"، فحتى عام 1990 كان هناك 5 مكاتب حانوتية في حي السيدة زينب، تقابلها 44 جمعية خيرية تعمل في هذا المجال، وهذه الجمعيات الخيرية، اسم ليس على مسمى، فهي جمعيات تجارية تنافس الحانوتية في رزقهم، ولا تقدم خدماتها مجانا كما يظن البعض.
المعتز بالله العريف: أصعب لحظات حياتي كانت يوم وفاة أمي
- وكيف تحولت الجمعيات الخيرية لمنافس ل"الحانوتية"؟الجمعيات الخيرية تقوم بأعمال "التغسيل والتكفين والنقل" بالكامل للأشخاص المقتدرين، ولا تطلب شيئا، ثم بعدها تطلب تبرعات أو "يقولك حط لنا في الصندوق أي حاجة تساعد الفقرا، فلو هتدفع للحانوتي 10 جنيه مثلا أجرة، هتدفع للجمعية الخيرية 20 جنيه، عشان الأجر والثواب"، كما أنهم يعتمدون على التبرعات من أهل الخير، ويستغلون بعض القادرين ماديا، ويريدون التطهر من ذنوبهم أو التقرب من الله في جمع تبرعات أكثر، وقد تصل إلى أن يتبرع أشخاص ب"سيارات كاملة لنقل الموتى"، والتي يصل سعرها هذه الأيام إلى 180 ألف جنيه، وأنا شخصيا أعرف جمعيات خيرية، إيجار مقرها في الشهر 5 آلاف جنيه، فإذا كان إيجار المقر 5 آلاف جنيه كم يأخذ العاملون فيها شهريا، بالإضافة إلى استغلال الأمر سياسيا.
- ماذا تقصد بالاستغلال السياسي؟كثير من هذه الجمعيات تسيطر عليها "جماعات إسلامية"، وهذا الأمر موجود منذ نهاية عصر السادات، وأرسلت من قبل ما يفيد لرئيس ديوان رئيس الجمهورية الدكتور زكريا عزمي، وأبلغته أن بعضا من الجماعات الإسلامية تخترق هذه المهنة ل"الوضع المالي"، والاستغلال السياسي، فمثلا "لما حد يقف معايا في ميت وعزاء والدتي، ويقدم التغسيل والكفن والنقل بدون مقابل، أنا عمري ما هنسى وقفته جنبي، خاصة لو أنا حالتي على قدي، وعمري ما هنساه، ولا هنسى الجميل، ولا الوقفة اللي وقفها معايا، يبقى أنا علمت في دماغه، ممكن يقودني ويسيطر عليا بسهولة، ويبقى ده الجانب السياسي اللي كنت أقصده"، ولما أرسلت ل"زكريا عزمي"، تم التواصل معايا، واتحقق معايا في قسم الشرطة، ومكتوب رقم محضر بخصوص الشكوى، ولكن كانوا لا يملكون الحل، لأن هذه الجمعيات تغولت وقتها، وكان يصعب السيطرة عليها.
- بمناسبة السياسة.. ما سر لقب "حانوتي الثورة"؟هذا اللقب لأنني كنت أشيع جثامين حالات الوفاة في الثورة من الميادين في معظم أنحاء الجمهورية وإلى مشرحة "زينهم" والعكس، وفي آخر ثلاثة أيام في الثورة، تم تكليفي أنا وخمسة زملائي من اللواء أحمد جمال الدين
- وكان وقتها مدير مصلحة الأمن العام
- بتشييع آخر 19 جثمانا لشهداء الثورة.
- وماذا عن أعداد شهداء الثورة؟لا نستطيع تحديد الأعداد بشكل دقيق، خاصة في ال18 يوما الأولى لثورة 25 يناير، ولكن الأعداد كانت تفوق طاقتنا، أنا قدرتي اليومية 3 متوفين، ولكن كانت الأعداد توصل ل10 و20 حالة يوميا بتجيلي، وده كان أمر يفوق طاقتي بكثير، ده غير زملائي، وكانت مشرحة زينهم يوميا فيها طوابير من جثث المتوفين، وكان لا توجد لدينا سيارات لنقل هذه الأعداد من الجثث، "وتقريبا كنت بشيل في اليوم 8 حالات، أي حوالي 140 جثة في ال18 يوما بالنسبة لي".
- وما نوعية الإصابات التي كانت تأتي إليك؟أغلبية الإصابات كانت بطلق ناري، وبعضها كان بالخرطوش، كما كانت تأتي إلينا حالات وفاة نتيجة الطعن بآلة حادة من البلطجية أثناء حالة الفوضى في الشوارع والميادين.
- وكيف كانت رحلتكم من "المشرحة" إلى ميادين الجمهورية؟كانت رحلة شقاء وعذاب، وكنا نسافر على الطرق غير المؤمَّنة في غياب الشرطة، وكنا نتعرض للسطو المسلح والسرقة من البلطجية، وتسرق منا السيارات وتنهب تحت تهديد السلاح، وعانينا أياما من العذاب.
- وهل عانت مهنتكم بعد الثورة؟كان هناك فوضى بعد ثورة 25 يناير، وأصبحت السرقة منتشرة، وأيضا التزييف، فظهر من يزوِّر رخصة لمزاولة المهنة، وانتشرت مكاتب "بير السلم" في مصر كلها.
- وماذا عن وفيات اعتصام "رابعة"؟نقلنا وشيَّعنا عددا من الوفيات عقب فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، ولكن لم يكن العدد بنفس الحجم، الذي رأيناه في أحداث ثورة 25 يناير.
- هل تعاملتم مع ضحايا التفجيرات الإرهابية؟نعم تعاملنا، فأنا شيعت جثامين شهداء الجيش ال24 في مجزرة "رفح"، وبعد 30 يونيو، لا يمر شهر، إلا وشيَّعنا فيه جثة لضحايا التفجيرات الإرهابية.
وكيف تتعاملون مع ضحايا التفجيرات الإرهابية، خاصة الجثث المتفحمة أو الأشلاء؟- طالما تواجدت نسبة الثلثين من الجثة وجب التغسيل، ففي حالة الجثث المتفحمة يتم تشريحها وفحصها في مشرحة زينهم، ثم نتسلمها، ونقوم بتغسيلها، أو على الأقل تغسيل ثلثيها، أما الأشلاء يتم تجمعيها وتنظيفها ووضعها في الأكفان، وتشييعها.
- ما رأيك في الأعمال الدرامية والسينمائية التي تقدم شخصية الحانوتي؟
- من أسوأ الأعمال، وتسيء للمهنة وأصحابها، بداية من إسماعيل ياسين وحتى يومنا هذا، فهؤلاء جعلوا من مهنتنا مادة للسخرية والاستهزاء، رغم أنها من اسمى المهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.