كنت أود أن تقرأ في هذه المساحة في يومها الأول اعتذارا عن عدم الكتابة اليوم على وعد بأن يستأنف الكاتب مقالاته التي لم تبدأ بعد في اليوم التالي. ليس كسلا ولكن الأمور كلها حاليا غير واضحة بشكل يساعدك على تكوين وجهة نظر لا ترى فيها خللا ما كمان يومين، فالفوضى تضع لمستها على كل الأشياء حاليا، والفوضى هي غياب شيئين.. القواعد والجهة التى تراقب الالتزام بهذه القواعد، ونحن الآن نعيش ثورة بلا ميثاق واضح متفق عليه كما أننا نعيش تقريبا في بلد مالهاش كبير. أضف إلى ذلك أن البلد «بتتحدف» كلها مع أى شيء حدفة جماعية يصبح صوت العقل فيها خيانة، نحن ماهرون للغاية في أن «نزيط مع الزيطة»، والزيطة تهجم عليك من الناحيتين، يعني مثلا نجيب ساويرس في لحظة خفة دم لا تليق بوضعه الاجتماعي والوطني يمرر صورة ساذجة على حسابه الخاص على تويتر، صورة لن تضيف له شيئا ولن تجعلنا نستلقي على أقفيتنا من الضحك ونقول له «هو إنت ليه ما بتعملش مسلسلات سيت كوم؟»، لحظة هزار تورط فيها ساويرس وكأنه لا يعيش معنا ولم يسمع عن المشاحنات التى خضناها لنشرح لرجال غزوة الصناديق والفلوطة وغيرهم ممن أثاروا فتنا وبرروا فعلتهم بأنهم كانوا بيهزروا.. إنه ليس وقت هزار على الإطلاق تحديدا في هذه المناطق الحساسة، في المقابل هاجت الدنيا وأصبحت صورة ميكي ماوس إساءة للإسلام، وزاطت الزيطة «يالا حملة لمقاطعة موبينيل» التي لم تصبح ملكا لساويرس أصلا «يعني واحد بيهزر غلط والناس بتزيط غلط برده». الصوت العالي يسيطر على كل شيء، فاختلطت الأفكار الألماس بالأفكار الفالصو، كلما قابلك شخص يسألك «هي البلد هتتظبط إمتى»..لم أقابل شخصا واحدا يسألني «هو المفروض أنا أعمل إيه في الوقت ده؟»، العامة ما زالت تتحدث عن البلد وكأنها في زيارة لها وتتساءل متى سينصلح حال البلد على يد الذين يمتلكونها، هل تعرف سر هذا الشعور، لأنه وببساطة من يتحدث عن البلد يصدر للآخرين دائما أنهم لا يعرفون شيئا وأنهم (المتحدثون) أدرى بمصلحة البلد منهم. الثورة التي بدأت بلا قادة تعيش مرحلة القادة بلا ثورة، وكثيرون يتعاملون مع الثورة بروح الطفل الذي يسعى بعصبية وعنف لتحطيم لعبته (علشان يعرف جواها إيه)، وكثيرون يتعاملون معها كأنها فيلم سينمائى يتشاجرون حول أدوار البطولة فيه على الرغم من أن البطولة الحقيقية للمجاميع. المجلس العسكري يبدو مثل رجل تزوج فتاة تصغره بثلاثين عاما يبدو فرق الحرارة والرغبة والطموح مخيفا بينهما، وخيرة شباب متحفزين ويبحثون عن ربع فرصة تعيدهم بالملايين إلى ميدان التحرير ومعهم حق، فهم لا يشعرون بأي بوادر تغيير، النخبة تتعالى، ومرشحو الرئاسة اعتقدوا أن الطريق إلى الرئاسة يبدأ من التوك شو وتويتر وفيسبوك في وطن ما زال به بيوت جميع من فيها أميون، والجميع يقدمون نظريات في الانفلات الأمني ولا أحد يتحدث عن الانفلات الأخلاقي أو يلتفت لخطورته، المنطقة الوحيدة التى ازدهرت في البلد هي منطقة مدينة الإنتاج الإعلامي بكم القنوات الفضائية الذي تم افتتاحه مؤخرا للتأكيد على أن البلد يسير في اتجاه المكلمة فقط، حتى الحوار لا يخلو من مشكلة، فهناك فجوات واسعة بيننا وعندما نتجاوزها لنلتقي.. نلتقي فنتصادم، أصبحنا لا نتحاور كشركاء في الوطن ولكن كوكلاء نيابة. أحلم أن تنتهي هذه الأيام سريعا، فهذا البلد لن تلمس قدماه بداية الطريق إلا بعد أن يصبح له هيكل واضح (شرطة ودستور وبرلمان ورئيس جمهورية وحكومة نهضة) وعندما يتحرك هذا الهيكل سنكتشف العيوب على أرض الواقع، فنغير ونطور ونحن نتحرك بالفعل..لكنك لن تعرف أبدا خطورة النهر وأنت مشغول بالشجار مع الباقين حول حقيقة عمقه بينما تقفون جميعا على الشاطئ. ما نعيشه الآن هو محض إهدار، ويبدو الوصول معه إلى نقطة نظام صعبا بالقدر نفسه الذى ستصعب فيه الإجابة بقناعة تامة عن سؤال «لما أحب أكلم شعب مصر أكلم مين