ربما يتوهم القارئ أننى أوجه حديثى إلى الإخوان المسلمين، لأقول لهم كلنا مسلمون... مش انتو بس، لم أقصد هذا. تصدقوا إن المسيحيين طلعوا مسلمين وكذلك اليهود طلعوا مسلمين، ومن المؤكد البهائيين أيضًا مسلمون (سامح كده بدأ يخرف يا جدعان) من المؤكد أن هذا هو حال القارئ وربما لن يتمالك أن يقولها سرًّا، بل ربما يقولها صارخًا، مُسمِعًا كل من فى المنزل، وربما لو يملك رقم تليفونى، سيتصل بى ويكيل لى السباب واللعنات، وبالطبع سيشمت الإخوان وحيقولوا كل اللى بيسيب الإخوان بيشيع.. كل هذا متوقَّع، ولكن هذا الاكتشاف حديث بالنسبة إلىّ، وأنا أقرأ الكتاب الرائع للدكتور سعد الدين الهلالى «الإسلام وإنسانية الدولة» (أدعوكم لقراءته بالطبع) وسيكون لنا جولات متقطعة مع هذا الكتاب إن شاء الله، ولكن موضوعنا اليوم فى الصفحات 35 و36 و37. مبدئيًّا يقول: أجمع الفقهاء على إطلاق اسم الإسلام على الدين الخاتم الذى جاء به النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما أجمع الفقهاء على إطلاق اسم الإسلام على مِلل الأنبياء السابقين، واختلفوا فى إطلاقه على أتباعهم عى ثلاثة اتجاهات. لاحظوا إجماع الفقهاء على إطلاق اسم الإسلام على مِلل الأنبياء السابقين والخلاف على الأتباع، بمعنى أن دين عيسى هو الإسلام ودين موسى هو الإسلام ودين إبراهيم هو الإسلام وبالطبع دين محمد (عليه السلام) هو الإسلام، وربما يكون الخلاف على الأتباع، من منطلق أنهم اتبعوه بشكل حقيقى أم انحرفوا عنه، وإذا كان الحديث عن الانحراف، فمن يقول الآن إن بعض أو كثيرا من المسلمين لم ينحرفوا عن إسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، فالبعض يقول عن الشيعة كلامًا وعن المعتزلة كلامًا وعن الإباضية وعن الخوارج، مع العلم أنهم يقولون عنا أيضا كلاما، والكل يصف الآخر بالانحراف عن الدين الحقيقى. نعود إلى المنقول عن الكتاب، فهو يقول إن الفقهاء اختلفوا فى توصيف الأتباع إلى ثلاث اتجاهات: الاتجاه الأول، يرى أن الإسلام يطلَق على أهل المِلل السابقة، وحجتهم عموم قوله تعالى «شَرَع لكم من الدين ما وصَّى به نوحًا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» (الشورى: 13)، وقوله تعالى «أولئك الذين هدى الله فَبِهُدَاهُم اقْتَدِه» (الأنعام: 90)، وقوله تعالى، عن إبراهيم الخليل «إذ قال له ربُّه أَسْلِم قال أَسْلَمْتُ لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بَنِيه ويعقوبُ يا بَنِىَّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموتُ إذ قال لِبَنِيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون» (البقرة: 131-133). واضح طبعًا أن أصحاب هذا الاتجاه يرون أن الإسلام يطلَق على أهل الملل السابقة واستدلوا بآيات من سور الشورى والأنعام والبقرة، يعنى أعطوا شرعية من القرآن لرأيهم بأن الكل مسلمون. الاتجاه الثانى، يرى أن الإسلام لم توصف به الأمم السابقة، وإنما وُصف به الأنبياء فقط وشرفت هذه الأمة بأن وُصفت بما وُصف به الأنبياء تشريفًا لها وتكريما، وحجتهم عموم قوله تعالى «وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفى هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس» (الحج: 78). قالوا إن الضمير فى قوله «هو سمَّاكم المسلمين» يرجع إلى إبراهيم (عليه السلام)، كما يراه علماء السلف، بناءً على أن الله تعالى كان قد ذكر أن إبراهيم (عليه السلام) قد دعا لنفسه ولولده ثم دعا لأمةٍ من ذريته بالإسلام فقال سبحانه «وإذ يرفع إبراهيمُ القواعدَ من البيت وإسماعيلُ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمَيْن لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك وأَرِنَا مناسكنا وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم» (البقرة: 127- 128). قالوا وهذه الأمة هى أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال سبحانه وتعالى عقب ذلك «ربنا وابْعَث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم ءاياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم» (البقرة: 129). هذا الاتجاه يرى أن الأنبياء السابقين مسلمون وربما يقصد أن ديانتهم الإسلام، لأن الآيات تتحدث عن الملة «ملة أبيكم إبراهيم»، أو كما أوضحنا فى البداية أن هناك إجماع فقهاء على أن ملتهم الإسلام.. ونكمل غدا إن شاء الله.