عدت من إيران منذ بضعة أيام، وقد أثار سفرى ومجموعة من السينمائيين حفيظة البعض، ولم يفاجئنى ذلك أو يقلقنى لأننى بالفعل كنت قد ترددت كثيرًا حينما جاءتنى الدعوة للسفر. حتى إننى استشرت العديد من الأصدقاء، بعضهم نصحنى بالسفر وبعضهم حذرنى منه، إذ رأى الذين حذرونى أن تلك الرحلة تأتى بعد تصريح الخارجية الإيرانية الذى يدين العنف ضد الإخوان فى مصر، بالإضافة إلى التلويح من الجانب المصرى بأن إيران تدعم الإرهاب فى مصر. أما الذين نصحونى بالسفر فقد كانت وجهة نظرهم أن توتر العلاقات لا يعنى بالضرورة المقاطعة، بل إن التعبير عن وجهة النظر من خلال الحوار مع الجانب الإيرانى يعد أسلوبا أكثر إيجابية، وأن ما تفسده السياسة يمكن أن يصلحه الفن. وبين هذا وذاك، ففى الحقيقة ورغم احترامى لوجهتَى النظر فإننى لم أجد بينهما ما يعبر عنى وعن رغبتى الحقيقية فى زيارة إيران. وأنا بالقطع لست بحاجة إلى سفره، فقد زرتُ معظم بلدان العالم من شرقها إلى غربها. شاهدت الكثير من معالمها وعجائبها.. فماذا إذن؟ هل هى السينما الإيرانية الجميلة التى أتتبعها بشغف منذ سنوات؟ أم هم المخرجون الإيرانيون أنفسهم الذين التقيتهم فى المهرجانات السينمائية وتتبعت معاركهم مع السلطة من أجل توسيع مساحات التعبير؟ هل هى حكاية «جعفر بناهى» المخرج الذى حكم عليه بعدم ممارسة الإخراج والكتابة وحددت إقامته عقابًا له على أفلامه التى تنتقد النظام؟ أم هذا التحول المؤسف الذى مر عليه الآن ما يقرب من 35 عاما، والذى حوّل إيران من دولة مدنية عصرية ذات حضارة عريقة إلى دولة دينية فاشية؟ أم هو انفعالى وتأثرى برواية «سجينة طهران» التى قرأتها مؤخرًا والتى تحكى تجربة ذاتية لمراهقة إيرانية مسيحية تم اعتقالها من قِبل الحرس الثورى بعد الثورة الإسلامية وحكم عليها بالإعدام؟ أم هى تجربتنا نحن فى مصر مع حكم الإخوان المسلمين وما كنا نردده حول مخاوفنا من أن نصبح إيرانًا أخرى؟ (إنه الفضول العظيم وليد كل ماسبق) فضول التجربة .. فأنا وببساطة إنسانة تعشق التجربة كما أننى إنسانة تقف دومًا على يسار النظام، لم ترتبط يومًا قراراتها ومواقفها واختياراتها بمواقف النظام، فالعلاقات بين الأنظمة تحكمها التحالفات والمصالح، كما أن الأنظمة نفسها زائلة والشعوب وحدها باقية. وأخذت قرارى بزيارة الشعب الإيرانى رغم أنف كل الأنظمة، باكتشاف إيران الشارع والحارة والمقهى ووسائل المواصلات العامة.. وليست إيران الأفلام والكتب. وما شاهدته فى إيران فى عشرة أيام أكد لى أننى قد اتخذت القرار المناسب. وهذا ما سأحاول نقله إلى القارئ فى مشاهد من إيران.