ليه التعليم مابيحسّنش الوضع؟ الناس اللي عاصرت عبد الناصر عاشت الأمل في إن التعليم المجاني ينضّفنا ويقوّينا ويفتح فرص للشباب والشابات. الفرص إتفتحت فعلاً في وش جيل بالكامل إتعلم وإتوظف قبل 67، وولادهم إتعلموا بس ماتوظّفوش في السبعينيات، وأحفادهم ماتعلموش أصلاً بعد التسعينيات. الواحد يقدر يقول إن التعليم ماحسّنش الوضع لأن التعليم نفسه بقى أسوأ، بما إن المؤسسات المعنية بالتعليم إنهارت، إنما حتى إذا فكرنا في الأجيال اللي إتولدت قبل التسعينيات، والأجيال اللي اتربت في المدارس الخاصة، التعليم في حد ذاته مخلّاهمش يحسنوا الوضع. إيه اللي يخللينا نفترض إن التعليم في حد ذاته هيحسّن الوضع؟ جزء من الإجابة إننا بنفكر بمنطق وضعي زي عالم الاجتماع الفرنسي أوجوست كونت. في منتصف القرن التاسع عشر، كونت إقترح إن فيه قانون بيحكم تاريخ الفكر الإنساني، واسمه قانون الثلاث حالات. كل حالة منها عبارة عن مرحلة فكرية، والإنسانية لازم تمر بكل حالة عشان توصل لأعلى مستوى فكري وهو الفكر الوضعي. أول حالة هي الحالة الدينية، وأثنائها البني آدم بيحاول يجاوب عن أسئلة مالهاش جواب وبالتالي إجاباته الساذجة بتيجي بطرق ماينفعش يؤتمن بها. فمثلاً الواحد بيحاول يشرح أصول العدالة بإنه يخترع إله العدالة، وطبعاً بيتغاضى عن أي سبب واقعي للموضوع. في الحالة الثانية، وهي حالة الميتافيزيقية أو التنظير، الناس بتبتدي تعتمد على عقلها الشخصي عشان تجاوب عن أسئلة كونية حسب مفهوميتها. فمثلاً بدل ما الناس تخترع إله العدالة هتخترع نظرية مهولة تربط بين العدالة والحرية والجمهورية والمهلبية. حالة التنظير دي تختلف عن الحالة الدينية من ناحية إنها بتفترض إن البني آدم بيستخدم عقله عشان يجاوب على أسئلته. إنما في الآخر، الحالتين بيشبهوا بعض لإن التنظير والدين بيحاولوا يشرحوا أوضاع واقعية بمفردات مالهاش وجود على أرض الواقع. الحالة الأخيرة هي الحالة الوضعية، وهي أفضل حالة في تاريخ الإنسانية حسب كونت (وبالأخص الإنسانية الذكورية الأوروبية). الوضعية جاية من ال"وضع"، بمعنى إنها دراسة عملية وعلمية للوضع على أرض الواقع. في الحالة الوضعية، الإنسانية بتوصل إلى أحسن مستوى من التفكير بما إنها تقدر تشوف الوضع زي ما هو، وماتفرقش إيه أصول الوضع ده ولا إيه النظرية اللي وراه. المهم المناهج العملية والنظريات العلمية اللي ممكن نطبقها عشان نفهم الوضع اللي قدامنا. نظريات كونت تشبه تفكير بعض الناس عن تأثير التعليم في وضعنا الحالي. زي ما كونت كان شايف تطور بين الدين والوضعية، فيه ناس شايفة إن الشعب المصري كان عايش في ظلام ديني قبل ثورة 52، ثم ظهرت المدارس والجامعات عشان تحارب الظلام بنور العلم، وبعض الناس ظنّت إن الوضع هيتحسّن بالتالي. بعيداً عن إن صورة مصر كأرض الظلام قبل ثورة 52 صورة جزئية وزائفة، الرؤية دي بتفترض إن الوضع بيتحسّن دايماً، والطلاب بتتعلم، والشباب بيتوظف، وكل ما في الأمر إننا نطبق المناهج. إنما زي ما إحنا عارفين، الوضع المصري ماتطوّرش بالطريقة دي، وبالعكس بقى أسوأ، وده بيورّينا إن نموذج التقدم الوضعي ماينفعش يتطبق إلا بشكل ديني أو نظري برة حدود زمن معين في تاريخ الفكر الأوروبي (وحتى في الزمن ده، الوضعية ماكانتش بالشرط واقعية). إذا حاولنا نطبق النظرية دي في مصر، هنلاقي إن الوضعية مالهاش صلة بالواقع، والتمسك بها بيجيب المواجع، بمعنى إن المنطق الوضعي بيخلق توقعات مالهاش علاقة بالوضع اللي قدامنا. وفي الآخر، الواحد بيتأزم من فشل التوقعات أكثر مما يحاول يفكر في وسائل عشان يحققها. فالحل من اثنين: يا نتمسك بالوضعية ونتألم كل مرة نلاحظ إن التعليم مابيحسّنش الوضع، يا ننسى الوضعية ونحاول نشوف إزاي نحسّن الوضع من غير مانتوقّع إن التعليم هو الحل الوحيد.