التغطية الإعلامية الأمريكية شملت تسليط الأضواء على إقبال المصريين خصوصًا المرأة وإحجام الإخوان وأجواء الخوف من العنف واشنطن تتابع باهتمام وعن كثب الاستفتاء على الدستور وما يعكسه من توجهات واختيارات مصرية مهمة ومصيرية فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر. وتحاول واشنطن من جانبها استقراء المستقبل والتعامل معه بعيدًا عن أخطاء الماضى أو تخبطات الحاضر، وبالتالى واشنطن تنتظر أن يقول الشعب المصرى كلمته ويعلن اختياره ويحدد خارطة طريقه فى التحول الديمقراطى. وقد عكس جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى، هذا الاهتمام والترقب ومحاولة استقراء مستقبل مصر السياسى فى تصريحاته للصحفيين فى الكويت، يوم أول من أمس (الأربعاء)، فى اليوم الثانى لإجراء الاستفتاء. وقال كيرى: «لن أقوم بالتعليق حول ما قد تكون النتيجة فى مصر أو ما قد يحدث ولا يحدث سياسيًّا، لأنهم ما زالوا فى هذه العملية حتى اليوم. وأملنا أنها ستكون عملية شفافة وتتمتع بالمحاسبة، وعملية تستطيع أن تعطى ثقة للمصريين بأنهم سوف يمضون فى الطريق الذى وعدوا به»، ثم أضاف: «إلا أننا لا نعرف بعد، ومن المبكر جدًا، ونحن سوف نتابع عن كثب جدًا جدًا ونصدر أحكامًا ونحن نمضى قدمًا. ونحن ما زلنا نأمل، ولكن ليس من المؤكد حتى الآن أن الخطوات الصحيحة سيتم اتخاذها». والبرهان سيكون ليس فى الإجراءات التى سيتم اتخاذها اليوم فقط فى الاستفتاء، بل فى الأيام القادمة. ونحن ننوى المتابعة عن كثب جدًا جدًا. وكان كيرى يرد على سؤال حول موقفه من الاستفتاء الذى قد يؤدى إلى ترشح الجنرال السيسى للانتخابات الرئاسية. هكذا كانت صياغة السؤال. ومساء يوم أول من أمس (الأربعاء)، وافق مجلس النواب الأمريكى على الميزانية العامة للعام الحالى والتى تشمل فى بنودها استئناف المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. وبعد أن يتم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ أيضا فإن الكونجرس يسمح بالتشريع الجديد للرئيس أوباما أن يقوم باستئناف إعطاء أو مد الحكومة المصرية 250 مليون دولار كمساعدة اقتصادية، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية والتى تبلغ 1.3 مليار دولار وذلك على دفعتين. الأولى منها 975 مليون دولار بعد أن تجرى مصر الاستفتاء على الدستور. والثانية 576.8 مليون دولار بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. والاهتمام الأمريكى بالاستفتاء على الدستور ومستقبل مصر السياسى انعكس فى المتابعة الإعلامية للمشهد المصرى ونشر الصحف لمقالات وتعليقات أغلبها «تشكك» فى إمكانية إقامة دولة مدنية وديمقراطية، و«تحذر» من مخاطر إقصاء أو استبعاد الإخوان من العملية السياسية. وبالطبع نجد فى هذا الاهتمام الأمريكى الأمر المطروح بشدة والإلحاح فى مصر، وهو الفريق أول عبد الفتاح السيسى كرئيس محتمل أو مرجح أو مؤكد لمصر فى المرحلة المقبلة. والتغطية الإعلامية الأمريكية شملت تسليط الأضواء على إقبال المصريين، خصوصًا المرأة وإحجام الإخوان والإجراءات الأمنية المشددة وأجواء الخوف من العنف وأيضًا مشاركة الأقباط. صحيفة «وول ستريت جورنال» وعلى صدر صفحتها الأولى نشرت صورة كبيرة للبابا تواضروس الثانى بعد أن أدلى بصوته. «واشنطن بوست» تحديدًا عادت من جديد يوم الثلاثاء (يوم الاستفتاء) لتنتقد بشدة فى افتتاحية لها ما يحدث فى مصر وأيضًا موقف إدارة أوباما قائلة: «إن ديمقراطية مصر المزيفة لا تستحق المساعدات الأمريكية». وذكرت الافتتاحية: «أن النظام العسكرى فى مصر يأخذ خطوة كبرى هذا الأسبوع نحو إقامة نظام استبدادى أكثر قمعًا من أى نظام عرفته مصر خلال عقود. وأن المواطنين (المصريين) قد تم استدعاؤهم للتصويت على دستور يستثنى الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات من المراقبة المدنية، وتسمح لتلك الأجهزة بمحاكمة عسكرية لأى شخص يرونه يمثل تهديدًا. أن الجنرال عبد الفتاج السيسى الذى قاد انقلابًا فى يوليو ضد حكومة إسلامية منتخبة قد نوه بأنه سيعتبر التصويت تفويضًا، لكى يكون الرئيس القادم لمصر».. حسب تعبير الصحيفة. وعندما طرح منذ أيام سؤال فى الخارجية الأمريكية حول احتمال ترشيح السيسى وما ورد فى تصريحات حاكم دبى حول هذا الأمر قالت مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية: «إن موقفنا لم يتغير. فالأمر يرجع إلى الشعب المصرى فى أن يقرر مَن يقود بلده. وبالتأكيد لا يخص الولاياتالمتحدة أن تقوم بذلك. ونحن لا نؤيد مرشحًا. وليس لدينا تأييد لشخص ما أو لحزب ما. ما هو مهم بالنسبة إلينا أن تكون لدى كل المصريين فرصة التعبير عن آرائهم وأن يدلوا بأصواتهم سلميًّا، وهذا الموقف لم يتغير». ثم عادت لتضيف: «بالفعل الأمر لا يرجع إلى الولاياتالمتحدة أن تقرر. فالأمر يخص الشعب المصرى». وبالنسبة لما أقره الكونجرس حول المساعدات لمصر، فإن هذا التشريع يعطى للرئيس الأمريكى أوباما ما سمى «المرونة التشريعية» فى استئناف المساعدات قريبًا. إذ عليه أن يصدر شهادة أو إقرارًا بأن «مصر تحافظ على علاقتها الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة»، و«تفى بالتزاماتها الخاصة بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979». ومع تقديم هذه الشهادة والإقرار يتم استئناف المساعدات. كما أن وزير الخارجية كيرى عليه أن يقدم إقرارًا «بأن الحكومة المنتخبة حديثًا فى مصر تأخذ خطوات لتحكم البلاد ديمقراطيًّا، وتقوم بتنفيذ إصلاحات اقتصادية». وحسب التشريع ذاته، سيقوم كيرى أيضا بتقديم تقييم شامل واستراتيجى للمساعدات العسكرية لمصر للكونجرس، بالإضافة إلى تقرير عن المحاكمات الجارية لمرسى وقيادات أخرى. وفى رد فعل أولىّ لهذه الأخبار، فإن مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية اكتفت بالإشارة إلى أنه من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر، وقالت فى الموجز اليومى للخارجية إن التشريع عندما يكتمل ويطرح علنًا، حينئذ يكون لدينا الكثير للمناقشة. ويعد هذا التشريع الجديد خطوة مهمة تعكس رغبة واشنطن فى الوقوف مع مصر فى المرحلة الحالية وعلى أهمية «الشراكة الاستراتيجية التى تجمع بين البلدين منذ عقود مضت، خصوصًا أنه يعطى إدارة أوباما الحق والمرونة التشريعية فى استئناف المساعدات العسكرية التى تم تعليقها مؤقتًا وجزئيًّا بعد 3 يوليو الماضى بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى». ويذكر فى هذا الصدد أن قيادات بارزة فى الكونجرس مثل السناتور لندسى جراهام الجمهورى، والسناتور باتريك ليهى الديمقراطى قد عارضا بشدة تخصيص المليارات من الدولارات لمصر وتقديمها فى ما بعد الإطاحة بمرسى المنتخب ديمقراطيًّا. ولاحظ المراقبون أن السناتورين قد تراجعا مؤخرًا عن موقفيهما. وكانت لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ قد وافقت على التشريع المقترح فى 18 ديسمبر الماضى بأغلبية ساحقة 16 صوتًا مقابل صوت واحد. وكان مشروع القرار يسمى «قانون إصلاح المساعدات لمصر لعام 2013» تقدم به وتبناه كل من السناتور روبرت منينديز، ديمقراطى من ولاية نيوجيرسى رئيس اللجنة، والسناتور بوب كوركر، جمهورى من ولاية تينيسى، القيادى فى اللجنة. وكانت الإدارة فى الفترة الأخيرة فى تشاورات مستمرة ومكثفة مع قيادات الكونجرس فى كلا المجلسين الشيوخ والنواب، من أجل التوصل إلى صياغة مشروع قرار يسمح للإدارة باستئناف المساعدات العسكرية لمصر. كما أن الإدارة أعلنت يوم 9 أكتوبر الماضى تعليق أو تأجيل بعض المساعدات العسكرية، ومنها دفعة جديدة من المقاتلات «إف 16» وطائرات هليكوبتر أباتشى وأيضًا إلغاء مناورات «النجم الساطع» فى عام 2013. وكان جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى، فى عدة تصريحات له قد قلل من شأن القرار بقوله إن «هذا التعليق للمساعدات جزئى ومؤقت»، و«لا يمكن وصف القرار بأنه معاقبة لمصر»، وبالطبع امتنعت الإدارة خلال الأشهر الماضية عن تسمية ما أطاح بمرسى وحكم الإخوان بأنه «انقلاب»، وفى الوقت نفسه أحجمت عن تسميتها أو وصفها ب«الثورة». وفى كل الأحوال، فإن الأنظار بلا شك خلال هذه الأيام متجهة إلى مصر وما يحدث فيها من اختيارات وتحديد لمسار مصر ومصيرها فى المرحلة المقبلة.