«ألو.. القداس خلص؟ يعنى العيد عدى كده على خير؟ طيب الحمد لله.. كل عيد وإنتى طيبة».. كان هذا لسان حال معظم من اتصلوا بى لتهنئتى بالعيد أو بالأحرى للاطمئنان بأن العيد عدى على خير دون تفجيرات أو اغتيالات أو اشتباكات. الأمر نفسه حدث قبلها بأسبوع مع الاحتفال برأس السنة، الأغلب كان يخطط لكيفية قضاء بداية العام الجديد فى مكان آمن إلى حد كبير بغض النظر عن مدى الاستمتاع بالسهرة، فى حين فضل البعض الذهاب إلى المنزل مبكرًا تحسبًا لأى عكننة، وفى اليوم التالى كان الجميع يتنفس الصعداء بأن اليوم عدى على خير. وبعد رأس السنة وعيد الميلاد يأتى الترقب لما سيحدث فى الاحتفال بمولد النبى، والتساؤل: هل سيعدى يوم الاستفتاء على خير ثم يبقى الامتحان الأكبر ذكرى 25 يناير؟ وكيف ستقوم الداخلية بالتأمين؟ وهل سيفعلها الإخوان وينزلوا إلى الميدان لإفساد الذكرى وكأنهم هم من قاموا بالثورة؟ هكذا تحول تعاملنا مع الأعياد والمناسبات إلى القلق والتفكير والتساؤلات وعمل حسابات لما سيحدث والدعاء بمرور اليوم دون مشكلات بدلا من الاستمتاع بالمناسبة والاحتفال بها وأخذ إجازة حقيقية من العمل والتفكير. الغريب أننا نتعامل مع أنفسنا باعتبارنا شعبًا مرحًا عاشقًا للحياة كما تنظر لنا الدول الأخرى بأننا، المصريين، شعب ابن نكتة، بينما الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. كم مرة ضبطت نفسك متلبسًا بالتفكير فى العمل ومشكلاته بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية، بل وفى الإجازات أيضًا؟ ربما ستجد نفسك فى كثير من الأيام لا تستطيع النوم، لأنك تفكر فى مشكلات الشغل، وحين يغلبك النوم ربما تظهر لك المشكلات فى الحلم أيضًا! كيف تقضى إجازتك الأسبوعية، هذا إن كنت تأخذها أصلًا، هل تكتفى بالجلوس فى المنزل أم أنك تخرج للفسحة؟ هل تفكر وقتها فى مشكلاتك العملية أو العاطفية أو العائلية أم تستطيع أن تفصل دماغك وتريحها؟ لو نظرت إلى المصريين ستجدهم لا يعرفون كيف يوقفون أدمغتهم عن العمل، لا يعرفون كيف يحصلون على إجازة، لا يعرفون كيف يحتفلون، لا يعرفون كيف يستمتعون، ولا يعرفون كيف يعيشون حياتهم. البعض يقول إننا شعب عنده مشكلات، وإن بلادنا تمر بمرحلة انتقالية حرجة، وبغض النظر عن أن حالة عدم القدرة على الاستمتاع بالحياة هى حالة مستعصية لدى المصريين وغير مرتبطة بأى فترة إلا أنه ما الذى يمنع من بناء بلادنا والتفكير فى مستقبلها والاستمتاع بالحياة فى آن واحد؟ هناك، فى أوروبا والدول المتقدمة، يعملون ويعطون للعمل حقه جيدًا، لكنهم فى الإجازة يفصلون تمامًا، ويستمتعون بحياتهم ليذهبوا بعدها إلى عملهم، وقد استعادوا نشاطهم من جديد. هتقول لى إن حال بلدنا مختلف، وإن الغرب يختلف عن الدول العربية، هاقول لك خد عندك مثلا الشعب اللبنانى.. بلادهم مرت بعدة أزمات من فتنة طائفية إلى حرب أهلية إلى احتلال إسرائيلى إلى حوادث اغتيالات، وفى كل مرة يعيدون بناء بلادهم، لكنهم لا ينسون كيف يعيشون حياتهم، ويستمتعون بها، بل إن حالة الاستمتاع هذه هى التى تعطيهم دافعًا أكبر لبناء بلادهم. هتقول لى تيجى إزاى.. هاقول لك إن الهدف من بناء بلدنا هو توفير مناخ أفضل والارتقاء بمعيشة المصريين وأحوالهم وتحقيق الاستقرار، ولو أنك جربت معنى الاستمتاع بحياتك ستعمل بجد أكبر لتحسينها، أما إذا كنت تلف فى ساقية وأهى عيشة والسلام، فلماذا تعمل على تحسينها أصلًا طالما أن كله محصل بعضه! والاستمتاع بالحياة لا يعنى أن تعيش مرفهًا، ولا يتطلب أن تكون غنيًّا، إنما أن تشعر ولو فى يوم إجازتك بأن الحياة حلوة، وأنك تستحق أن تعيشها سعيدًا حتى تستطيع أن تعيشها. علينا أن نتعلم كيف نفرح وكيف نستمتع بحياتنا حتى نستطيع أن نتغلب على مشكلاتها، ولا تتغلب هى علينا، علينا أن نستمد الطاقة الإيجابية من استمتاعنا وفرحتنا، ونتمسك بهذه الطاقة لنبنى مستقبلًا أفضل، ونعطى لعملنا أكثر. وقتها سنصبح فعلًا شعبًا مرحًا ابن نكتة يستمتع بحياته ويبنيها، أما لو استسلمنا للقلق والتوتر والتفكير فى مشكلاتنا سنجد إنتاجنا أقل، لأننا نتعامل مع من حولنا ومع الحياة بقرف، وسنتحول إلى نسخة من سخسوخ فى فيلم «الكيف» الذى كان يناديه محمود عبد العزيز أو مزجانجى ب«ابن الكئيبة»، ويطالبه فى كل مرة أن يفرد وشه.. يمكن ربنا يفرجها.