في الوقت الذي تسعى فيه موسكو إلى أنه "إذا ما اتفق الرعاة الثلاثة (روسيا وتركيا وإيران) في أستانا وأجمعوا على التأثير في طرفي النزاع السوري، فإن ذلك سيمثل خطوة هامة تفضي إلى استقرار الوضع بما يخدم تحقيق رغبة السوريين". كما ترى موسكو أن "أهمية لقاء أستانا تكمن في أنه يمثل نقطة هامة على طريق التسوية في إطار مقررات جنيف، حيث من الصعوبة إحراز الاتفاق السياسي في ظل استمرار القتال"، وأن هذا اللقاء يهدف إلى "وضع التوافقات على الطريق الصحيح في خطوة جدية على مسار التسوية في سوريا، وحضور 12 فصيلا يمثلون المعارضة المسلحة يشير إلى أن الخطوة الأولى في اتجاه التسوية قد تحققت". غير أن الخبير في مركز البحوث العربية والروسية لدى معهد الدراسات الشرقة في أكاديمية العلوم الروسية بوريس دولجوف لم يعلق الكثير من الآمال على لقاء أستانا، ودعا إلى "الحد من الأوهام" في هذا الشأن. وأوضح أنه قد "جاء إلى أستانا ممثلون متنوعون عن المعارضة السورية، حيث أن بعض الفصائل المشاركة في المفاوضات، ليست إلا تفرعات عن تنظيمات إرهابية، إضافة إلى أنها تقاتل بعضها البعض أيضا". وذهب الخبير الروسي إلى أنه "من الصعب التعويل على إحراز قفزة نوعية ملموسة في هذه المباحثات، إلا أنه ورغم ذلك يبقى انعقاد هذا اللقاء أمرا إيجابيا بحد ذاته، والأهمية تكمن الآن في أن جميع الفصائل جاءت إلى أستانا لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار. وأن التسوية السياسية عموما، تقتضي حوار القوى السياسية، ولكن من الصعب إجراء حوار سياسي مع الزمر المسلحة". وانتهى الخبير الروسي إلى أن "الفصائل المسلحة قد تكون ممولة من الخارج وتقدم نفسها على أنها تدافع عن مصالح المدنيين. ولقد اعترفت موسكو ودمشق بوجود معارضة مسلحة، إلا أن الأيام المقبلة هي التي ستكشف مدى فعالية مفاوضات أستانا والجدوى منها". وعلى صعيد المعارضة السورية المسلحة، قال رئيس الوفد محمد علوش إنهم يسعون لوقف إطلاق النار وتجميد العمليات القتالية في كامل أنحاء البلاد. كما اشترط تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 للدفع بالانتقال السياسي. وشدد رئيس وفد المعارضة المسلحة على أن العملية السياسية تبدأ برحيل بشار الأسد وإخراج القوات الأجنبية التابعة لإيران من عموم الأراضي السورية. واعتبر أن ميليشيات أجنبية، على رأسها حزب الله وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، تساهم في استمرار شلال الدماء ولا تختلف عن تنظيم داعش. وكرر علوش مطالب المعارضة بأنها تريد "تثبيت وقف إطلاق النار، وتجميد العمليات العسكرية في جميع أنحاء سوريا، وتطبيق الإجراءات الإنسانية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254 ليشكل ذلك ورقة قوية للدفع باتجاه الانتقال السياسي المنشود في سوريا بحسب بيان جنيف 2012. وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية العامة لمباحثات أستانا، والتي تأخر موعدها ساعة كاملة، غادر المشاركون في المفاوضات القاعة، حيث توجه وفدا النظام والمعارضة إلى غرفتين مختلفتين، لإجراء لقاءات منفصلة مع الوسطاء. وأكد وفد المعارضة مجددا على أنه لا توجد في الوقت الراهن خطط لعقد مفاوضات مباشرة بين وفدي الحكومة والمعارضة. كما رفض أي حوار سياسي مع وفد النظام، مشددا على أن وفد المعارضة المسلحة "لن يدخل في أي مناقشات سياسية، وأن وكل شيء يدور حول الالتزام بوقف إطلاق النار، والبعد الإنساني لتخفيف معاناة السوريين الموجودين تحت الحصار، والإفراج عن المعتقلين وتسليم المساعدات". هذا وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أنه كانت هناك محاولات لاستبدال وفد المعارضة السورية المسلحة في أستانا بوفد للمعارضة السياسية السورية من المغتربين. وقال لافروف، خلال مؤتمر صحفي في موسكو اليوم الاثنين إنه "كانت هناك مناورات تهدف من حيث الجوهر إلى استبدال وفد المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة السورية بوفد المعارضة السياسية من أوساط المغتربين والمهاجرين السوريين". ولكنه قال من جهة أخرى "إننا لا نحاول طرد واستبعاد المعارضة السياسية من العملية، وكنا ننطلق من أن أستانا مخصصة بالذات لتنظيم وصياغة الاتفاقات حول المشاركة الكاملة في هذه العملية من جانب المعارضة المسلحة أيضا، هذا هو الأهم حاليا. والجولات اللاحقة في المفاوضات السورية المشتركة بما في ذلك تلك التي ستعقد في جنيف، ستخصص للمفاوضات بين الحكومة مع كل المجموعات المعارضة بدون استثناء بما في ذلك مجموعة الرياض، ومجموعة موسكو، ومجموعة القاهرة، وغيرها. ولكن خلال ذلك ستنضم إلى هذه المجموعات وفود الجماعات المعارضة المسلحة وهو ما سيجعل الحديث موضوعيا وواعدا أكثر ويشمل كل السوريين".