"احتفالية المولد النبوي.. احتفالية ليلة القدر.. منتدى دافوس الاقتصادي.. زيارةٍ للكلية الحربية.. مؤتمر الشباب بشرم الشيخ" خمس مناسبات في 2016 تحدَّث فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تجديد الخطاب الديني، تكرارٌ عكس اهتمام من الرئيس بالموضوع. وفي الثامن من ديسمبر الماضي، وبينما كان يحضر احتفالًا بذكرى المولد النبوي، انتقد الرئيس، الدكتور محمد مختار جمعة بسبب الخطبة الموحدة، التي نالت ما نالت من انتقادات واعتراضات بل وخروج على التنفيذ من قبل عمائم كثيرة، رأت في الفكرة هدمًا وليس بناءً، وخروجًا عن طريق القوام. الرئيس قال: "عايزين لجنة تدرس وتقعد وتقول عشان تنفي وتطلع أفضل ما يمكن أن نقدمه للخطباء.. هيقولوا أنا هحرم الخطباء من الاجتهاد، طيب أقولكم اجتهاد 100 ألف واللا 90 مليون.. لما قولت كده، الدكتور (في إشارة لمختار جمعة، وزير الأوقاف) اتحمس وعمل خطبة موحدة، إحنا كده بنختزل الموضوع يا جماعة؟". انتقاد الرئيس لوزير الأئمة والخطباء حتَّم لزامًا عليه أن يغيِّر من استراتيجية بغية النجاح في ملف التجديد، وهو ما جعل الوزير يعلن أمس الجمعة - بعد تشكيل لجنة - موضوعات 270 خطبة جمعة على مدار خمس سنوات، تطبيقًا لما كان قد طالب به الرئيس بصياغة خطة خمسية "خمس سنوات" لتجديد الخطاب الديني. وبعد الإعلان عن الموضوعات، عادت سهام النقد تطال الوزير جمعة بسبب خطبة الجمعة، تكرارًا لما كان قد تعرَّض له بعد إقرار الخطبة المكتوبة، ومدعى من ينتقد هو أنَّ مثل هكذا أفكار تقتل الإبداع وتسطِّح العقول. " التحرير " سلَّطت الضوء على هذه الانتقادات: قتل بل إعدام الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء قال: "من الممكن تقبُّل الأمر في الخطب التي تتعلق بالموضوعات الدينية الثابتة وما يتعلق بالعقيدة والعبادة وبعض الجوانب الأخرى كالأخلاق, أمَّا مسالة وضع خطب لمدة خمس سنوات يقتل بل يعدم القضايا ومستجدات العصر, فليس من المنطقي أن يتنبأ أحد بما سيحدث خلال خمس سنوات حتى يتسنى لنا أن نضع خطب لمدة خمس سنوات". وأضاف ل" التحرير ": "من أساس العمل الدعوي السليم أن تتماشى خطبة الجمعة مع القضايا والمستجدات التي تطرأ على المجتمع حتى يكون المنبر في هذه الحالة وسيلبة للدعوية, وليس مجرد ناقل لموضوع مكتوب منذ سنتين ليتحدث عنه للناس بعد مرور عامين". إلزام وليس إرشادًا سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف الأسبق وصف وضع موضوعات خطب الجمعة لمدة خمس سنوات بأنَّه درب جديد من دروب ومساعي وزارة الأوقاف من أجل الشو الإعلامي الذي لا قيمة له في العمل الدعوي الجيد، حسب تعبيره. ول" التحرير "، صرَّح عبد الجليل بأنَّه عندما كان يشغل منصب وكيل وزارة الأوقاف إبان فترة الدكتور محمود حمدي زقزوق كان قطاع الدعوة يضع خطبًا للجمعة بأسلوب استرشادي فقط وليس إلزاميًّا. وشدَّد على أنَّه من الخطر أن تضع أو تحدد "الأوقاف" موضوعات خطب الجمعة لمدة خمس سنوات بشكل إلزامي دون أن تترك للإمام حرية اختيار الموضوع المناسب لأهل المنطقة. وأضاف: "قد يكون الإمام في حاجة إلى موضوع معين يتحدث عنه في هذه الفترة, الأمر الذي يبرهن على أنَّ تحديد هذه الموضوعات أمر لا يليق بالجدية في النهوض بالعمل الدعوي". أين مستجدات العصر؟ الدكتور أحمد رمضان مسؤول "صوت الدعاة" اعتبر أنَّه من غير المقبول أن تدشِّن "الأوقاف" خطب جمعة لمدة خمس سنوات، مؤكِّدًا أن المفترض أن يكون الإمام ملمًا ومتماشيًّا مع ما يطرأ على المجتمع ومع مستجدات العصر, منوِّهًا بأنَّ مساعي "الأوقاف" لتخصيص هذه الخطب لتلك الفترة الزمنية تبعد الإمام عن واقع الناس. رمضان قال ل" التحرير " إنَّه من غير المقبول وضع موضوعات لخطب الجمعة لمدة ستة أشهر حتى يتسنى وضعها لمدة خمس سنوات, مشدِّدًا على أنَّه على "الأوقاف" أن تجعل من هذه الموضوعات استرشادية وليست إلزامية. وأشار إلى أنَّه إذا كانت "الأوقاف" تريد من ذلك العمل أن يكون إلزاميًّا فإنَّه سيعمل على تجميد الخطاب الديني وليس تجديده, حيث أنَّ الإمام يكون في حاجة إلى التفاعل مع القضايا التي تظهر على المجتمع, ضاربًا مثلًا بتخصيص خطبة الجمعة خلال الأيام الماضية عن الرشوة تفاعلًا مع "قضية رشوة مجلس الدولة". بيان الأوقاف الأوقاف أعلنت - في بيانها - انتهاء اللجنة التنفيذية المنبثقة من اللجنة العامة لإعداد خطة خطبة الجمعة التي تشمل 54 موضوعًا للعام الأول "الخطة قصيرة المدى"، و270 موضوعًا لمدة خمس سنوات "الخطة متوسطة المدى"، من إعداد قوائم الموضوعات. الوزارة قالت إنَّه يجرى حاليًّا توزيع الموضوعات على الخطتين "قصيرة ومتوسطة المدى"، وإرسال الخطة متكاملة لأعضاء اللجنة لوضع لمساتهم وملاحظاتهم الأخيرة عليها، تمهيدًا لبدء اللجان العلمية في كتابة الموضوعات بمشاركة نخبة من أساتذة وعلماء الدين وعلماء النفس وعلماء الاجتماع. وأضافت أنَّها ستطرح الخطة قريبًا على موقعها الإلكتروني لتلقي أي ملاحظات أو مقترحات بشأنها، كما سيتم عقد اجتماع للجنة الرئيسية لمراجعتها قبل رفع الخطة متكاملة إلى رئيس الجمهورية. وأشارت إلى أنَّ الموضوعات تشمل 13 محورًا، هي "الأخلاق، والقيم الوطنية، وقضايا التطرف والإرهاب، والعمل والإنتاج، والمعاملات، وبناء الأسرة، والشباب، والمرأة، ودور ذوي الاحتياجات الخاصة في بناء المجتمع، والتعليم والتثقيف والتربية، والإيمانيات، والمناسبات الدينية، والقضايا العامة. وأوضَّحت أنَّه في حالة المستجدات والحوادث والظروف الطارئة سيتم تخصيص الخطبة الثانية لمعالجتها في حدود ما تقتضيه وتحتمه طبيعة كل ظرف على حدة، كما سيتم معالجة هذه المستجدات والقضايا الطارئة أيضًا من خلال الندوات والدروس والقوافل المتنوعة. وأشارت إلى أنَّ خطباء وزارة الأوقاف يؤدون خطبة جمعة اليوم عن الرشوة وأثرها المدمر على الأفراد والدول وسبل القضاء عليها، حيث نبهت الوزارة على جميع الأئمة الالتزام بنص الخطبة أو بجوهرها على أقل تقدير مع الالتزام بضابط الوقت ما بين 15 – 20 دقيقة كحد أقصى، مع استبعاد أى خطيب لا يلتزم بموضوع الخطبة.