فى أحداث «الاتحادية» كان هناك موقف لا يغيب عن الذاكرة، رواه ضحايا هذه المأساة. الموقف كان فى «السلخانة» التى أقامها الإخوان فى قصر الرئاسة لتعذيب الأبرياء. عندما رأى الضحايا إحدى الطبيبات استغاثوا بها، فإذا بها شريكة فى التعذيب الذى يتم، وإذا بها توجّه إلى الضحايا أقذع الشتائم، وتركلهم بالحذاء، وتتوعدهم بالموت لأنهم كفار ملاعين!! كان ما رواه الضحايا بشعًا، كيف تتحوّل طبيبة إلى شريكة فى جرائم تعذيب؟! كيف تحمل إنسانة يُفترض فيها رقة المشاعر وإنسانية المواقف كل هذا الكم من الكراهية تجاه الآخرين؟! انتظرت أن نرى تحقيقًا يكشف عن هويتها، ويخضعها للدراسة والبحث قبل المساءلة، لكن شيئًا لم يحدث!! ومع ذلك كان الظن أننا أمام حالة فردية. امرأة قد تكون مريضة نفسيًّا أو تعانى من الاضطهاد، أو تعرضت لمكروه أفقدها توازنها وإنسانيتها!! بعد ذلك شاهدنا أنواعًا من الخبل السياسى والاتجار بالدين عند سيدات يتصدرن الواجهة الإعلامية الإخوانية، ومع ذلك فقد كنا نرى أن الخبل السياسى واحد بين النساء والرجال فى جماعة أصابها الجنون وقررت الانتحار!! وعندما بدأ «الإخوان» فى تصدير النساء فى مقدمة المظاهرات، كنا نعرف أن الانتهازية وحدها وراء ذلك، وأن رجال الجماعة الذين عاشوا على قناعة بقهر النساء ورفض مساواتهن بالرجال فى حقوق المواطنة، يمارسون نفس القهر حين يدفعون النساء إلى مقدمة المظاهرات، لكى يختبئوا وراءهن.. فى شجاعة يحسدون عليها!! وعندما صدر الحكم الصادم فى حق بنات الإسكندرية (الذى تم تخفيفه فى الاستئناف بعد ذلك) كان التعاطف مع الفتيات باعتبارهن ضحايا لقيادات الجماعة الإرهابية التى تمارس التآمر والخيانة، ولكنها تؤثر السلامة، وتترك بنات فى عمر الزهور فى قلب الخطر!! الصادم أكثر الآن هو ما نراه من مظاهر عنف تتجاوز الحدود عند مجموعات من سيدات وبنات الإخوان. الأمر ليس تجاوزًا فرديًّا هنا أو هناك، بل يتحوّل إلى سلوك عام ينذر بالخطر على مستقبل هذه المجموعات النسائىة قبل أى شىء آخر. بنات فى عمر الزهور يعتدين بالضرب والإهانة على أساتذة فى عمر أمهاتهن فى كليات تابعة لجامعة الأزهر، حيث ينبغى أن تكون آداب الإسلام الصحيح هى السائدة!! فتيات يخفين الأسلحة فى ملابسهن فى أثناء المظاهرات ليتسلّمها الرجال الأشاوس ويستخدمونها فى الاعتداء بالخرطوش أو الرصاص على المواطنين!! والأدهى من كل ذلك أن تفاجأ بطفلتك تقوم من نومها مذعورة بعد سماع صوت طائرة فى السماء، ثم تعرف أن المعلمة الإخوانية قالت لها فى المدرسة إن الجيش يستخدم الطائرات فى قتل الأطفال!! نحن أمام مخطط كامل لصناعة الكراهية. أطفال صغار يُراد لهم أن يشبّوا على العداء للوطن. بنات فى عمر الحب ومعانقة الحياة يتم تحويلهن إلى مزارع للعنف والبغضاء. ماذا كان فى انتظارنا لو امتد الأجل بحكم الإخوان الفاشى لأكثر من العام البائس الذى عاشته مصر والذى ما زلنا ندفع ثمنه الفادح؟ وهل ندرك بالفعل حجم المسؤولية التى تقع على كاهلنا جميعًا لاستئصال هذا السرطان الإخوانى الذى ما زال يصر على تدمير كل الخلايا فى مجتمعنا؟ المواجهة الأمنية أمر ضرورى لإعادة الاستقرار والقضاء على الإرهاب، لكن معركتنا أكبر وأشمل. معركتنا سياسية واقتصادية وثقافية. وهدفنا ينبغى أن يكون استعادة هؤلاء المخدوعين بأفكار الإرهاب الإخوانى. أن نعيد الشباب الذين تلاعبوا بعقولهم إلى طريق الحق وأحضان الوطن. أن نطهّر المدارس والجامعات من صانعى الكراهية وزارعى التطرف. أن نفضح هؤلاء الذين يدعون الشباب لطريق الموت ثم يهربون هم إلى نعيم الحياة. أن نفتح أبواب المستقبل أمام أجيال جديدة عانت طويلًا من الاستبعاد، وخضعت طويلًا لتجار الدين ودعاة التطرف. ارتكب الإخوان الكثير من الجرائم، لكن سيظل أبشعها على الإطلاق زرع الخوف فى قلب طفل من وطن ينتمى إليه، وتحويل بنات فى عمر الحب إلى مصانع للكراهية!! الأكثر إجرامًا أن يفعلوا ذلك باسم دين عنوانه المحبة والسلام، وفى مصر التى علّمت الدنيا كلها معنى التسامح وقيمة الانتصار للحياة.