قارِن من فضلك بين المشهد الختامى فى لجنة الخمسين وهى تعلن الموافقة على مشروع الدستور الجديد.. وبين مشهد الليلة السوداء التى اختطفت فيه عصابة الإخوان دستور 2012 لكى تؤسس نظامها الفاشى! دموع الفرح فى عيون أعضاء اللجنة وهم ينهون عملهم مساء أول من أمس، كانت تعكس مشاعر حقيقية تمتلئ بها صدور المصريين فى هذه اللحظة الحاسمة، إنه الإحساس بأننا قطعنا شوطًا على الطريق الصحيح. الشعور بأننا نستعيد مصر التى نعرفها ونضع دستورها الذى يليق بها وليس الدستور الذى يحولها إلى نسخة من إمارة قندهار. الشكر واجب للجنة الخمسين ورئيسها عمرو موسى.. ليس فقط لإنجازهم هذه المهمة الوطنية بقدر كبير من النجاح، ولكن الأهم أنهم قدموا تجربة رائعة فى كيفية الخلاف دون قطيعة، والحوار الذى لا يعرف اليأس بحثًا عن التوافق، والقدرة لدى الجميع فى أن يقدموا التنازلات الضرورية دون أن يحسوا بالخسارة، فالهدف أكبر والتوافق هو الأساس والأولوية لمصلحة الوطن. الدرس هنا لا يقف عند حدود وضع الدستور. إنه النهج الذى ينبغى أن تتبعه كل قوى الثورة فى هذه الظروف الحاسمة. أن يكون الحفاظ على تحالف 30 يونيو هو السلاح الأساسى فى معركتنا لاجتثاث الإرهاب والفاشية وبناء الدولة الجديدة التى تؤكد الحريات وتضمن لقمة العيش الحلال للملايين التى صبرت علينا كثيرا والتى آن لها أن تحصد ثمار تضحياتها الهائلة. هذه الروح التى كتبنا بها الدستور ينبغى أن تستمر، وهذا الدرس ينبغى أن يكون حاضرًا أمامنا. لن يكون أحد منا راضيًا مئة فى المئة عن كل مواد الدستور. ولقد عارضت العديد من التوجهات فيه، وما زلت مختلفًا مع الكثير من المواد، ولكن هذا لا يمنع الاعتراف بالإنجاز والوقوف لدعم الدستور، لأنه يمثل أفضل ما نستطيع اليوم. وإذا كانت لجنة الدستور قد ألقت المسؤولية على عاتق الرئيس عدلى منصور للتعامل مع بعض القضايا المعلقة والهامة من خلال السلطة التشريعية التى يمتلكها الآن، فإن واجبنا جميعًا أن نقدم أقصى ما نستطيع من مساعدة لحسم هذه القضايا بروح المصلحة العامة وحدها، وبرغبة حقيقية فى اختيار النظام الانتخابى الذى يضمن التمثيل الحقيقى للشعب، وفى الحفاظ على حقوق العمال والفلاحين إلى أن يتمكنوا من بناء تنظيماتهم النقابية والسياسية القادرة على حماية هذه الحقوق. أثق فى أن الرئىس عدلى منصور سوف يلقى من كل التيارات السياسية المساعدة المطلوبة للوصول إلى ما يحقق مصلحة الوطن. لم يكن ممكنًا أن نكرر مأساة الخلط بين نظام الانتخاب الفردى وبالقائمة بعد أن جربناه مرات وكانت النتيجة هى حل البرلمان بعد كل انتخاب! ولم يكن مقبولا أن نعاقب الفلاحين والعمال، لأن غيرهم سرق مقاعدهم فى البرلمانات المختلفة، متجاهلين ما تفرضه ظروف الحفاظ على تحالف الثورة.. ونحن فى قلب الحرب ضد إرهاب الإخوان وحلفائهم، وفى مواجهة المؤامرة على مصر وثورتها! كلى ثقة فى أن الروح التى صنعت التوافق على مشروع الدستور ستعبر بنا الطريق نحو الاستقرار، وأن كل القوى السياسية ستبذل جهدها لكى تصل إلى يوم الاستفتاء وقوى الشعب التى قامت بالثورة تستعيد وحدتها، لتخرج بالملايين كما خرجت فى 30 يونيو لتقول «نعم» للدستور وللثورة، ولتؤكد أنه لا مكان لفاشية الإخوان ولا لإرهاب القتلة. كنت أتابع على التليفزيون وقائع الجلسة الختامية التاريخية للجنة الخمسين مساء أول من أمس. وجدت نفسى أقف مع الأعضاء حين تم عزف السلام الجمهورى وسط المشاعر الجياشة.. وحين هتف الأعضاء وراء عمرو موسى «تحيا مصر» كانت الرسالة تصل إلى الجميع: هذا دستور «تحيا مصر» رغم أى تحفظات من هنا أو هناك، يحل محل دستور «طظ فى مصر» التى كانت -وما زالت- شعار الإخوان وعبارتهم الصادقة الوحيدة التى أفلتت منهم وسط بحر الأكاذيب التى لم ينقطعوا عنها طوال تاريخهم الأسود!