كتب - أحمد مطاوع للوهلة الأولى بنظرة بعيدة من خارج المشهد ترى ذلك الشاب أو تلك السيدة ممن فرطوا فى أحد الأجهزة العضوية بجسمهم، قد باتت حياتهم نعيمًا، نظير حفنة من الوريقات المالية جففت دماء جروحهم ووارت عبث أيادى اخترقت أجسادهم واقتلعت منها ما شائت بلا رحمة، وعادت عليهم بالثراء والراحة بعد أعوامًا من الغرق فى آبار الفقر المدقع؛ إلا أن الواقع أكثر صدمة من تلك الصورة الفارهة والمثالية التى تتكون عن حياة هؤلاء ممن ابتاعوا الوهم وقدموا أجسادهم بكل سذاجة فريسة لعصابات ومافيا الاتجار بالبشر، وما يتصل بها من شبكات عنكبوتية لا تنتهى عند نهش الجسد بل تتمادى لتنهش حياة الشخص المخدوع حتى ترميه عظمًا بعد أن كان فارسًا مغوارًا يواجه همومه وضغوط الحياة بكنزه الوحيد "صحته"، لنصبح أمام مأساة مكتملة الأركان. الفقر والحاجة.. الأزمة أكبر "إحنا ناس غلابة وعيالنا جعانين.. العيل من دول يشوف 5 ألاف جنيه، ما مسكهومش قبل كده يدوخ" من هنا يتغلغل السراب، وينطلق بريق حلقات الوهم وتمزيق الروح واغتيال ما نضج من فتاتها بترًا من داخل الجسد؛ يقول والد شاب باع كليته بسبب الفقر، فى تقرير مصور عرضه برنامج "العاشرة مساءً"، على فضائية "دريم"، مفتتحًا عرضه لحكاية نجله: "لعبوا عليه بأنهم هيدوله 40 ألف و50 ألف، بيضحكوا على الشباب من هنا". مع كلماته الأولى، يتبادر للذهن أسئلة تبحث عن منطق يردها، كيف يقتل الإنسان نفسه حيًا؟ وهل تلك الأموال التى فقدت قيمتها اليوم، يمكنها أن تعوض شاب فى مقتبل عمره يمكنه بالاجتهاد والعمل أن يحقق أضعافها، عن تضحيته بصحته؟.. والد الشاب يجيب دون تردد والعجز والحسرة يسيطران عليه: "من قلة الشغل وقلة الفلوس، هيعمل إيه الشاب من دول، عايز حاجة سهلة بالنسبة له، وده غلط، بس هو ده اللى قدامه، ما هو لو اشتغل هيشتغل قد إيه عشان يجمع 5 أو 6 آلاف جنيه على الأقل، ده لو لقى شغل حتى من الأساس". "هما ماشين قانونى.. والعملية بقت سهلة" تهديدات وبلطجة بحماية قانونية عن طريق استغلال عدم مقدرة الناس على إجراء الفحوصات الطبية والتحاليل، ومساوامتهم على "التبرع" -"هما بيقولوا تبرع"- بأعضائهم مقابل توفير نفاقت الكشف والعلاج، ويكمل والد الشاب الضحية: "تاجر الأعضاء معاه 4 بودى جارد، الموضوع أكبر من كده، الناس ديه مسنودة، وبيهددونا، لحد وقتنا هذا بيهددونا، أنا مش عارف أقعد فى المكان ده -منزله-، سبت المكان اللى ساترنى مكنتش عارف أقعد فيه، لأنى عملتلهم قلق فى المستشفى". الحلم نهايته الندم "أنا كنت شغال فى قهوة، جه السمسار ده قعد عليها، وأنا كان حلمى أجيب توكتوك عشان متجوز معايا حتة عيل" يروى أحد الشباب بداية استقطابه واصطياده عن طريق شبكات تجارة الأعضاء: "جه السمسار قعد على القهوة، واتكلم معايا وقالى أنت شغال هنا بتاخد كام، قولتله باخد 80 جنيه فى اليوم، قالى طيب أنا معايا مصلحة تاخد فيها 50 ألف جنيه، سألته إيه هى؟ قالى تروح تتبرع بكليتك، قولتله خلاص ماشى". شاب كل أمله فى الحياة أن يشترى "توكتوك"، ليرتقى بدخله ويربى ابنه الصغير ويضمن له مستقبل آمن، لم يفكر لحظة، ووافق على العرض فورًا، لكنه لم يدرك برهة أنه كان يشق لنفسه طريق الضياع والمآسى، بالدخول فى شبكة هلامية من النصب والإرهاب؛ يحكى ونبرات صوته تدق على أوتار الألم: "رحت اتبرعت بيها (كليته)، وجريوا بيا فى المستشفيات ومعامل التحاليل، وال50 ألف جنيه خدتها 20 ألف جنيه، ده غير ما بيزقوا عليا ناس"، مستكملًا "تعبان مابقدرش، مجهودى مبقاش زى الأول، لو نزلت اشتغلت فى مكان دلوقتى مش بقدر أشتغل وصاحب الشغل بيمشينى، ودول مش ساينبى فى حالى أنا مش قاعد فى منطقتى، الفلوس ماقعدتش معايا شهر، غير الناس اللى هما زقوها عليا هما خدوا ألفين وهو ألفين". "ما استفدتش بأى حاجة غير أنى غضبت ربنا، ديه أمانة وربنا يسامحنى" الأوضاع الاجتماعية والبطالة والفقر، مبررات ودوافع تبدو كفيلة لخوض تجربة الندم وخسارة الحاضر والمستقبل؛ يستكمل الشاب الذى فقد كليته وصحته، مشخصًا دوافعه"، فيقول: "الشباب دلوقتى تعبانة، مش لاقية شغل، فلما واحد من دول يبقى قاعد على الناصية عمال يفكر يجيب فلوس منين، عايز يتجوز، عايز يبنى بيته، وعايز يبنى مستقبله، لما بيعدى عليه حاجة زى كده بيقلبها فى دماغه مرة واتين وتلاته، ويقول أه طيب أنا هطلع أعملها". العصابة فى المستشفى "اللى مشغل الناس ديه أصلا المستشفى" زاوية جديدة استحوذت على حكاية شاب آخر، دفعه انتشار البطالة و"انعدام" فرص العمل إلى أن يضحى بعضو من جسده، ويقع فريسة لعملية نصب بعد أن تم خداعه بالحصول على 20 ألف جنيه، حصل منها السمسار على 4 آلاف جنيه، دون أن يستفاد هو من الأموال. يسرد الشاب، شهادته عن ما توصل إليه من خلال رحلته إلى الوهم، والتى خاضها أملا فى أن تتحسن أحواله ويتمكن من بناء مستقبله، فيقول: "الناس ديه ما بتشتغلش كده ومش هتنزل تجيب حد من الشارع من غير ما حد يطلب منها، لازم يكون فى راس كبيرة لهم، وأساسها المستشفى، دكاترة كتير فى المستشفى بتعمل كده".