أمريكا تطمئن إسرائيل: تخفيف العقوبات على إيران مرتبط بمدى التزامها بوقف أو تعليق البرنامج النووى مرة أخرى تتجه الأنظار إلى جنيف، حيث تعقد المفاوضات الدولية التى تشارك فيها إيران، للحديث عن برنامجها النووى والتفاوض بشأنه. ولم يتوقف الحديث عن احتمال التوصل إلى اتفاق أولى واتخاذ الخطوة الأولى، وذلك على طريق قيام الولاياتالمتحدة وحلفائها بتخفيف بعض العقوبات مقابل توقف إيران عن الاستمرار فى برنامجها للسلاح النووى. وحرصت بعض المصادر المطلعة على التأكيد بأن «انفراجة» ربما تحدث هذه الأيام، وإن كانت تلك المصادر ما زالت حذرة فى التفاؤل ولم تقم بكشف تفاصيل الاتفاق. وبالطبع لم تتبدد الشكوك الإسرائيلية والسعودية تجاه المساعى الأمريكية والنيات الإيرانية فى ظل هذا التقارب أو التودد الذى يتشكل هذه الأيام. والتقارب مع إيران كان على رأس أجندة جون كيرى وزير الخارجية فى مباحثاته مع العاهل السعودى وأيضا رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. كما أن إدارة أوباما تواجه معارضة قوية أيضا من جانب الكونجرس الأمريكى وجماعات اللوبى الموالية لإسرائيل. وهذه المعارضة ل «التودد مع إيران» لا تكتفى فقط برفضها لفكرة تخفيف العقوبات المفروضة على إيران بل تطالب بمزيد منها فى الأسابيع المقبلة. كان البيت الأبيض ومعه الخارجية قد عقدا أخيرا سلسلة لقاءات مع قيادات بالكونجرس والمنظمات اليهودية لشرح سياسة واشنطن والمطالبة ب«التمهل أو صرف النظر بالنسبة لعقوبات جديدة ضد إيران» وذلك من أجل إعطاء فرصة للدبلوماسية لكى تأتى بنتائجها. «إيباك» أكثر لوبى موال لإسرائيل نفوذا، جاهَرَ باعتراضه وانتقاده لتعامل الإدارة مع الشأن الإيرانى. وهذا الانتقاد لموقف الإدارة يزداد حدة وشراسة من أجل «إجهاض المحاولة». وإن كانت الإدارة تؤكد وتكرر تأكيدها بأن عليها أن «تسعى دبلوماسيا»، وأن «ما قد يتم التوصل إليه يمكن مراجعته فى أى وقت». كما أن «قرار تخفيف بعض العقوبات ذات الصلة بقطاع البنوك والنفط مرتبط بمدى التزام إيران بوقف أو تعليق تقدمها فى البرنامج النووى». ولا يتردد كثيرون من الخبراء والمراقبين فى وصف ما يحدث بأنه «مخاطرة»، إلا أن واشنطن كما يبدو «لديها عزم وتصميم» على الاستمرار فى هذه المحاولات الدبلوماسية درءا أو احتواء للخطر الإيرانى بشكل عام، وأيضا ل«حسابات وتوازنات» تأخذها واشنطن فى الاعتبار وهى تتعامل مع المنطقة بتوتراتها وتقلباتها المتوالية. ولعل من أبرز تلك المشاركات الإيرانية فى «ترتيب أوضاع المنطقة» تكون المشاركة فى اجتماع «جنيف 2» الخاص بالحل السياسى للأزمة السورية. وفى السياق ذاته كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن الرئيس أوباما أعطى تفويضا منذ فترة لبانيت تالوار أحد مساعدى الرئيس وكبير اختصاصيى إيران فى مجلس الأمن القومى لإجراء اتصالات هاتفية ولقاءات شخصية مع مسؤولين بوزارة الخارجية الإيرانية. وأن بعضا من هذه اللقاءات تم فى مسقط عاصمة سلطنة عمان. التى تقع على بعد أقل من 200 ميل من الساحل الإيرانى. وذكرت الصحيفة أن السلطان قابوس قام بزيارة طهران بعد أيام من تسلم روحانى لمنصب الرئيس فى إيران. وأن السلطان قابوس أبلغ القيادات الإيرانية رغبة البيت الأبيض فى مفاوضات مباشرة «حسب ما ذكره مسؤول إيرانى كبير». كما أن فى الأسبوع ذاته قام مسؤول أمريكى كبير سابق بالخارجية الأمريكية جيفرى فيلتمان بزيارة إيران بصفته الجديدة كمسؤول بالأممالمتحدة، وأنه اندهش ب«نبرة جديدة للغاية» أبداها دبلوماسيون إيرانيون وهم يتحدثون عن استعدادهم للانخراط مع واشنطن. وحرصت مصادر مطلعة عديدة وهى تتحدث عن التقارب الأمريكى الإيرانى على أن تذكر بأن المكالمة الهاتفية الشهيرة التى تمت بين أوباما وروحانى، وكانت مدتها 15 دقيقة خلال وجود الرئيس الإيرانى فى نيويورك بمناسبة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتأكيد كانت «تاريخية» وضرورية لكسر الجليد أمام العالم، إلا أنه سبقها عديد من الاتصالات وقنوات الاتصال بادرت بها إدارة أوباما، ومنها ما قامت به سوزان رايس مستشارة الرئيس للأمن القومى من خلال منصبها السابق كمندوب لأمريكا فى الأممالمتحدة فى نيويورك. وذلك من خلال جواد ظريف مندوب إيران الذى أصبح وزير الخارجية الإيرانى. شخصية ظريف ودبلوماسيته وشبكة علاقاته لعبت وتلعب دورا هاما وحيويا فى كل ما يحدث دبلوماسيا وعالميا فى تعامل أمريكا والدول الغربية مع إيران. واشنطن متحفظة فى تفاؤلها «أو هكذا تقول» وأيضا حذرة فى تعاملها مع الملف النووى الإيرانى. نعم قد لا تريد أن تزعج أو تغضب إسرائيل والسعودية. كما أنها تريد من خلال تقاربها مع طهران وإيجاد صيغة اتفاق مع إيران «أن تسلم من شرها» إذا كان هذا ممكنا. والأهم بالطبع أن تقوم إيران بدور أقل سلبية وربما أكثر إيجابية فى صراعات ومواجهات المنطقة. الرهان الأمريكى على «تحجيم» النفوذ الإيرانى فى المنطقة و«تلجيم» برنامجها النووى فيه مقامرة ومغامرة.. ومخاطرة. واشنطن تريد أن تخوضها الآن.