نعم.. هذه السطور كتبها العبد لله بنية أن تكون عريضة دفاع وقصيدة احترام ومحبة فى ذلك «الحوش» العتيد المظلوم الذى يزين اسمه العنوان أعلاه. وأبدأ بأن الأغلبية الساحقة ممن يستدعون سيرة «حوش بردق» عمال على بطال لا يكادون يعرفون عنه شيئًا سوى أنهم تلقوا بالسمع معلومة مقتضبة مجتزئة تقرن سلوك سكانه القدماء الغلابة بالسوقية والسفالة وقلة الأدب وفُحش اللغة وسوء الكلام، فحسب. فأما حوش بردق الأصلى فهو بناء فقير كان، (وأظنه ما زال هو أو أطلاله)، مستقرًا فى قلب القاهرة الفاطمية الرائعة، ومكانه بالضبط أمام مدرستى «السلطان برقوق» و«الكاملية» فى شارع المعز لدين الله المعدود ضمن أهم كنوز الحضارة الإنسانية، إذ يعتبر متحفًا مفتوحًا هو الأكبر فى العالم الذى يجمع على ضفتيه أثمن نفائس تراث الفن المعمارى الإسلامى. ولكى نتعرف على الشخصية الأصلية لهذا «الحوش»، فمن اللازم أن نعلم إلى أى جنس فى العمارة ينتمى.. لكن قبل ذلك لا بد من شرح اسمه، فلفظة «حوش» فى اللغة العربية تعنى الفناء أو الباحة المفتوحة، وهى تستعمل هنا بطريقة مختزلة للإشارة إلى نوع من البيوت السكنية الجماعية المطلة على باحة غير مسقوفة، وهو نوع ربما أدنى وأقل من سكن جماعى آخر عرفته القاهرة ابتداءً فى القرن السابع عشر كان يحمل اسم «الرَّبع»، وهذا الأخير هو أقرب لمبنى العمارة السكنية الحديثة من حيث كونه مشيدًا بالحجر ومتعدد الطبقات (طبقتين أو ثلاث)، ويتكون من وحدات (شقق) متوسطة الحجم (صغيرة بالمقاييس الحالية) عبارة عن صالة معيشة وغرفة واحدة للنوم.. أما الحوش فهو بناء أفقى من طابق واحد تصميمه عبارة عن وحدات أرضية متكررة ومتماثلة ومتراصة على صفين يطلان على فناء مكشوف، يبدأ فى منطقة المدخل بحمامات جماعية تخدم العائلات الساكنة فى وحداته التى هى عبارة عن غرفة واحدة لا تزيد مساحتها على 25 مترًا مربعًا. والحوش عادة كان المأوى لأكثر الطبقات فقرًا وبؤسًا فى مجتمع قاهرة العصور الوسطى مثل سائقى العربات الكارو والخدامين والحمارين والحمالين والسقايين وسواهم.. ومن هنا جاء ارتباط «حوش بردق» بوصفه أشهر الأحواش التى يسكنها الفقراء، بسلوكيات البؤس والرثاثة ومنها الشجار الدائم بين هؤلاء المعدمين المساكين المحشورين معا حشرًا فى محيط ضيق ضاغط بشظف العيش وقسوة الحياة وتدنيها، فيستولد منهم أسوأ ما فى البشر من عدوانية وعنف مادى وشراسة وجلافة لفظية. وأختم هذه المرافعة بأننى تذكرت «حوش بردق» ورق قلبى لسكانه القدماء عندما تأملت فى كل هذا الفيض من البذاءة والفحش الذى تمطرنا به يوميا عصابات «جماعة الشر» المدحورة، بينما هى تعيث حاليا فى البلد تخريبًا وعربدة وإجرامًا لا سابق ولا مثيل له من حيث الخسة ومستوى الهمجية الواصل إلى حد الجنون، لكنها تتوجه بنوع نادر من القذارة اللفظية والحركية أكاد أجزم بأن غلابة «حوش بردق»، كانوا يخجلون ويتعففون عن الاتيان بمثلها.. أنظر مثلًا إلى عبارات الشين التى يوسخون بها الآن جدران المبانى فى كل مكان، وتأمل فى حجم الفحش والبذاءة الخرافية التى يصوغون بها أكاذيبهم المضحكة الممزوجة بسخام من أحط وأقذع ألفاظ السباب والشتم! طيب، هل رأيت صورة هذا الولد الإخوانى الفِسل وهو يتقدم صفوف قطيع المخربين البلطجية الذين هاجموا أول من أمس مبنى إدارة جامعة الأزهر ودمروه تمامًا.. هل صدمك منظره الشائه المقرف وهو يتهتك علنا ويتلوى ويخلع سرواله بشذوذ يندى له الجبين؟! أؤكد لك عزيزى القارئ أن أحدًا من سكان «حوش بردق» المفترى عليهم لم يبلغ هذه الذروة العالية من التسمم العقلى والتشوه الروحى والانحطاط التربوى والأخلاقى.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.