بعد نجاح 88 من الإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية عام 2005 رأى مكتب الإرشاد مجديًا أن يلتقى وفد من الجماعة بعض رموز المسيحيين فى اجتماع «عرفى» من أجل «التعاون» و«التفاهم»، كما وصفه د.عصام العريان، رئيس الوفد والمنسق العام وقتئذ للمؤتمر القومى الإسلامى. تم اللقاء بدعوة من الكاتب الصحفى محمد عبد القدوس بمنزله مساء الثلاثاء 13 ديسمبر 2005. اشترك فيه من المسيحيين المهندس يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة «وطنى»، وخادمكم كاتب هذه السطور، كما اعتذر عنه المرحوم الأستاذ أمين فخرى عبد النور لظروف لديه. أما عن أعضاء الوفد الإسلامى الحاضرين بانتباه واضح وصمت محكم خلال ثلاث ساعات فيتكون من د.سعد الكتاتنى، رئيس الكتلة البرلمانية الإخوانية ود.محمد على بشر ود.حازم فاروق ود.أحمد مطر. أُسجل هذا لكشف الأهمية التى أعطتها الجماعة لخطوتها الأولى مع رموز من المسيحيين أفسرها بجس نبضهم وتهدئة مخاوفهم المفترضة مع اكتشاف أساليب التعايش معا. أما عن السبب الرئيسى الذى دعانى إلى كتابة هذا المقال فهو الجزء الأول من الحوار مع د.العريان، الذى افتتحه بإشارة من اليد نحوى معناها «حضرتك مين؟» «فالمهندس يوسف سيدهم معروف». قلت: «35 سنة سابقا فى رياسة جمعية الصعيد للتربية والتنمية». سعدت جدا حينئذ لما رأيت رؤوس أعضاء الوفد الإسلامى تهتز عموديا بابتسامات رضا صامت، يدل على حسن سمعة الجمعية لديهم. ثم أشار العريان بيده إشارة معناها: «إيه اللى نقدر نعمله؟» قلت: «أقترح الدخول فى حوارات مع عناصر المجتمع بدءا بالأحزاب القائمة». سأل: «حول إيه؟»، قلت: «حول ما هو مشترك». سأل: «ما هو المشثرك؟» قلت: «هل أنت راض عن حكم مبارك؟»، قال: «لا». قلت: «هل أنت راض عن الفساد فى البلد؟»، قال: «لا». قلت: «هل هدفكم سعادة الإنسان وتحريره من الظلم وحماية كرامته؟» قال: «طبعا». قلت: «أليس كل ذلك مشتركا؟» قال: «أكيد»، ثم استطرد «ولكن حوار إزاى؟». وصمت. فأنقذنى يوسف سيدهم بالتدخل فى حوار الطرش «لا مؤاخذة» وحاورت معه بتبادل الكورة: لإخراج الحديث من «إخوانى - مسيحى» إلى «الجماعة - مصر». لخصت الوضع فى الآتى: «المطلوب فى الوقت الحاضر: الإصلاح؛ وكيف يتم؟ كيف نضمن اشراك الشعب فى عملية التغيير؟ أنتم ونحن والأحزاب والشعب كلنا نريد التغيير... بخلاف النظام القائم طبعا؛ ولكن من أين نبدأ؟». ظل العريان ساكتا برهة ثم فتح موضوع البابا شنودة والكنيسة وسألنا عن رأينا فى خلافة قداسته «المتشدد»، وسألنا عن رأينا فى نيافة الأنبا موسى. أى أننا انتقلنا من المجتمع القومى وتنظيماته إلى الدين ومؤسساته، بعد أن فشلنا فى تحديد أساليب فتح الحوار الاجتماعى السياسى الإصلاحى. لم أكن لأقرأ وقتئذ المقالات النيرة لفيلسوفنا العالمى د.مراد وهبة، لأدرك بالضبط جذور وخطورة موقف عصام العريان، فقد كان واضحا من أسلوبه وردوده أنه حسن النية تماما، إلا أنه فى حقيقة الأمر سجين. سجين أيديولوجية دينية تتحكم فى فكره ورؤيته الأحادية. ولم أكن مدركا أن الإخوان المسلمين يتبعون فلسفة ابن تيمية بالسمع والطاعة والتكفير والقتل إن لزم الأمر.. إلخ، وبأنهم يكفرون ابن رشد، الذى يسمح بتأويل النص من أجل اكتشاف ما يتضمنه من معان مراعاة للحال اليوم وتقدم العالم علميا وحضاريا؛ وهو التفكير بالنسبى الذى لن يتوافق أبدا مع المطلق الذى يقتنى الحقيقة كاملا فى الصغيرة كما فى الكبيرة. فى أثناء العشاء، ولما كنا نتداول حول اقتراح المهندس يوسف سيدهم بتنظيم معسكرات تضم شبابا مسلمين ومسيحيين من أجل التعارف والتقارب والتبادل، حضر فجأة شخص جديد انضم إلينا حول المائدة وألقى علينا واقفا خطبة قومية حماسية بناءة تختلف تماما عن الجو السائد منذ البداية. سألت العريان: «مين حضرته؟» أجاب: «ده الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح». تساءلت هل فى الجماعة أكثر من تيار؟ اتلخبطت! لماذا لم يشترك أبو الفتوح معنا من أول اللقاء؟ لماذا أتى متأخرا متحدثا لغة أخرى على نقيض الأولى؟ إلا أن صمت الأعضاء الأربعة الآخرين مع عدم تعليق العريان على مداخلة أبو الفتوح أكدا لى أن هذا الأخير ما هو إلا «الوجه الأكثر إشراقا فى الإخوان»، كما ذكره الأستاذ محمود الكردوسى فى «الوطن» (عدد الأحد 20 أكتوبر). صدق العريان عندما سأل ببراءة غير مصطنعة «يعنى إيه حوار؟»، وصدق عندما هرب لتنظيم عمليات الإرهاب من مخبئه، كما صدق الفيلسوف مراد وهبة عندما أفهمنا بأنه «مافيش فايدة...» ولكن أليس هناك أى أمل فى اكتشاف أسلوب سلمى لحل المعضلة فى المستقبل البعيد؟ أما عن الحاضر.. فماذا نفعل؟.. ماذا نفعله بعد اكتشاف استحالة إجراء حوار وطنى مع الإخوان فى الغد القريب، ماذا نفعله ونحن على مشارف حرب عالمية تحاصر الشرق الأوسط ويلعب فيها التنظيم العالمى للإخوان المسلمين دورا خبيثا؟ ماذا نفعله ونحن فى وضع داخلى هش، بلا دستور وبرئيس مؤقت وحكومة مؤقتة وأمن مضطرب للغاية؟ هذا موضوع حيوى يستدعى انتباهنا كلنا ويولد فيها رغبة ملحة فى الالتفاف حول قائد قوى، حول زعيم يحبنا ونحبه، جدير بلم شملنا وبتعبئتنا لمواجهة المخاطر الحاضرة والتحديات القادمة. هل من الضرورى أن أذكر اسم هذا الزعيم المنشود؟ القاهرة فى 23 أكتوبر 2013