يعيش أهالي ثلاث قرى بمركز البداري التابع لمحافظة أسيوط حالةً من القلق خشية تكرار سيول عام 2014 التي أغرقت أكثر من ألفي فدان من أكثر الأراضي الزراعية جودةً وأدَّت إلى انهيار أكثر من 13 منزلً، فضلًا عن تلفيات طالت المقابر، عقب هبوط أمطار غزيرة على جميع أنحاء المحافظة قُدرت بنحو 2.5 مليون متر مكعب. السيول التي شهدتها أسيوط في مارس 2014 كانت قد عصفت بالمنازل والمزارع في قرى العتمانية وعزبة سالم ووادي الشيح، وتسبَّبت في تصدُّع عددٍ من المنازل وحظائر الماشية وانقطاع التيار الكهربائي، ما دفع الأهالي إلى الهروب وترك منازلهم خوفًا على أرواحهم دون التمكُّن من إخراج ممتلكات وحيوانات بعد انهيار سد وادي الشيح الذي يحمي هذه القرى من السيول ويعتبر نهاية لعدد من مخرات السيول المؤدية لهذه القرى. المحافظة شهدت يوم الخميس الماضي هبوط أمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول في قرى أبو إسحاق وعرب مطير التابعتين لمركز أبنوب على الطريق الصحرواي الشرقي وبالقرب من جبال أسيوطالشرقية حيث تجمَّعت كميات كبيرة من المياه تسبَّبت في سقوط ثلاثة منازل وغرق عشرة أفدنة دون وقوع خسائر في الأرواح. الحديث عن المخاوف من السيول آخذٌ في التصاعد، لا سيَّما بعدما شهدت بعض محافظات الجمهورية، خلال الأيام الماضية، موجة سيول وأمطار غزيرة تسبَّبت في خسائر مادية وبشرية، إذ توفي نحو 29 شخصًا وأصيب 72 آخرون، كما تسبَّبت العكارة التي أحدثتها السيول في زيادة نسبة العكارة بمجرى نهر النيل مما أدى إلى تغير لونه. وتسرَّبت إلى مجرى النيل كميات كبيرة من الأتربة التي صاحبت السيول، فيما سارعت فروع الهيئة العامة لمياه الشرب بالمحافظات إلى إعلان حالة الطوارئ، وتمَّ إغلاق محطات مياه الشرب بعدد من المحافظات لحين عودة مياه النيل إلى طبيعتها وزوال الأتربة والعكارة. "التحرير" تحدَّثت مع جانبٍ من الأهالي هناك، فقال محمد سيد يوسف مدرس من أهالي قرية عرب مطير: "الأمطار الغزيرة تسبَّبت في انهيار وتشقق مقابر القرية وأخذنا نسحب المياه باتجاه الترعة بعد أن غطت المقابر وتسببت في تصدعها وانهيار عدد منها حتى وصلت إلى الجثث داخل المقابر مع تساقط ثلاثة من أعمدة الكهرباء بسبب سرعة المياه". وأوضَّح عامر عبد الحافظ، مزراع، أنَّ الأهالي نزحوا المياه بأيديهم قبل أن تصل إليهم معدات الوحدات المحلية التي ساعدت في سحب المياه وإنشاء ساتر ترابي حتى يحول دون وصول المياه إلى بقية منازل القرية بتحويلها نحو أحد الترع القريبة من عرب مطير. أما بخصوص مركز البداري، رصدت "التحرير" أحمد ممدوح الموظف بمجلس مدينة البداري، وهو يضع كومةً من الأحجار بجوار منزله على الرغم من رؤيته لمجرى ومخرات السيول وسد وادي الشيح وسدود أخرى. وقال ل"التحرير": "ما حدث في رأس غارب لا يمكن تحمله وأخاف على أطفالي من الغرق في منتصف الليل ولن نعلم مسبقًا بمواعيد هبوط السيل"، مناشدًا مسؤولي الري ومجلس المدينة بوضع أطقم مناوبة على سدود وادي الشيح حتى لا تتكرر مأساة سيول 2014. وذكر أحمد سيد كيلاني من قرية العتمانية: "هناك تعديات على مخرات السيول من جانب الأهالي ببناء منازل وأحيانًا زراعة هذه المخرات وقد طالبنا بالحزم واتخاذ القرار بإزالة هذه التعديات بينما يأتي الرد دائمًا أنَّهم في انتظار الدراسات الأمنية الأمر الذي نتخوف منه على حياة هذه الأسر وأيضًا على حياتنا، من تكرار المأساة". وطالب محمود عبد اللاه عضو باتحاد شباب أسيوط بضرورة محاسبة أي مقصر من المسؤولين حال حدوث أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات لأنَّه لم يكن على قدر المسؤولية. ويقول محمد سيد أحمد، مزارع بقرية أولاد سالم بمركز البداري، إنَّه بمجرد سماعه بسقوط الأمطار الغزيرة نقل أفراد عائلته بمنزل شقيقه القريب بمدينة البداري لكنه يخشى على أرضه الزراعية التي كلفته كل ما يملك انتظارا لحصاد المحصول. وأكَّد محمد العالدلي المنسق الإللاتحاد على ضرورة قيام المهندس ياسر الدسوقي محافظ أسيوط بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المسؤولين عن عدم تشغيل غرف رفع مياه الأمطار داخل الانفاق بمدينة أسيوط في الوقت المناسب ما تسبَّب في عزل حي شرق عن حي غرب بشكل شبه كامل وقت الأزمة الحالية. ورغم إعادة إنشاء سد وادي الشيح بمركز البداري بتكلفة بلغت ما يزيد عن ثمانية ملايين جنيه وتطهير مخرات السيول إلا أنَّ الأهالي ما زالوا يخشون انهيار السد كما حدث بالماضي. من جهته، قال أحمد علي بدر رئيس مجلس مدينة البداري، ل"التحرير" إنَّ مخرات السيول تمَّ تطهيرها تمامًا خلال الفترة الماضية وتمَّ المرور عليها جميعًا، مستبعدا تكرار مأساة عام 2014. وبحسب عزه تاج الدين وكيل وزارة الري فإنَّ مستوى الأمطار الغزيرة التي هبطت على محافظة أسيوط وتجمعت في مخرات السيول لم تشكل سوى 20 سم من المخرات التي يصل عمقها إلى 4 و6 أمتار مع ارتفاع السدود التي تمَّ إنشاؤها بعد هبوط سيول 2014.