كان ضمير الفن الذي لم تلوثه المطامع، يؤمن برسالته ويسعى إلى توصيلها، فضرب مثالًا يحتذى به في التفاني المطلق، وكان ولا يزال نموذج للأصالة الفنية التي رسمت هوية مصر مع دخول عصر الإذاعة في ثلاثينيات القرن الماضي، يجهله الجيل الحالي بالطبع، لكن الدارسين لعلم التمثيل والأداء الحركي يعلمون قيمته عن ظهر قلب، وينهلون من كتبه الأكاديمية المتخصصة، أما أجدادنا الذين كانوا مولعين بالمسلسلات الإذاعية يدينون له بالعرفان على مجموعة من أرقى وأروع الأعمال الدرامية الإذاعية، التي تحولت معظمها إلى تليفزيونية مع ظهور الدراما المرئية، ومع ذلك لم تكن نهايته على نحو يقدر تلك المسيرة الزاخرة بالإنجازات. (التحرير - لايف) يرصد لكم 14 معلومة عن الفنان القدير الراحل "شيخ الممثلين" محمد توفيق بالتقرير التالي. 1- ولد محمد حسن توفيق المنصوري العجيزي -وهو الاسم الكامل له- في يوم 24 أكتوبر من عام 1908، بمدينة طنطا في محافظة الغربية، لأسرة "العجيزي"، وهي إحدى الأسر العريقة التي عرفت بدعمها للحركة الوطنية، ومقاومة الاحتلال. 2- انتقل مع أسرته للعيش في مدينة حلوان بالقاهرة، ودخل المدرسة الابتدائية، وهناك عشق التمثيل، وامتد حبه له مع دخول مدرسة "الثانوية الملكية" التي أصبح اسمها "الخديوية" فيما بعد، وتعلم قواعده وأصوله على يد الفنان أحمد علام.
3- التحق ببالمدرسة التجارية العليا "كلية التجارة"، لكن حبه للتمثيل وتأثره بصديقه السيد بدير دفعه للتحويل إلى معهد التمثيل الذي كان تابعًا لكلية الآداب فور تأسيسه في مطلع الثلاثينيات. 4- انضم إلى عدد من الفرق المسرحية مثل فرقة "عبد الله عكاشة" و"عزيز عيد" و"جورج أبيض" و"خليل مطران"، وصولًا إلى فرقة "المسرح الحديث"، ومن ثم انضمامه للفرقة القومية في عام 1935، وفق ما أشارت إليه "أخبار اليوم".
5- علاقته بالميكروفون بدأت حينما عمل بالإذاعة الأهلية، إلى أن تقدم بطلب الانضمام للإذاعة المصرية الحكومية فور افتتاحها في عام 1934، وقتما كان عضوًا بالفرقة القومية، واتفق معهم مدير الإذاعة آنذاك "قابل عزيز" على تقديم سهرة درامية إذاعية مقابل 150 قرش للفرقة ككل، وفق ما ذكره الراحل في حوار إذاعي نادر مع الإعلامية عواطف البدري.
6- سافر مع بداية الحرب العالمية الثانية لدراسة التمثيل في انجلترا، وھناك تتلمذ على ید الممثل العالمي "لورانس اولیفیی" و"مایكل ردجریف" والمخرج المسرحي "تیرون"، ثم عمل مخرجًا بالقسم العربي بالإذاعة البریطانیة BBC، فشارك في عدد من التمثيليات الإذاعية العالمية، حتى أصبح كبير المخرجين في القسم العربي عام 1947.
7- عاد إلى القاهرة للعمل في الإذاعة المصرية مرة أخرى بعد حصوله على جواب تعيين من مدير الإذاعة شخصيًا الذي أُعجب به أثناء زيارته للمملكة المتحدة، فقدم عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية الإذاعية أهمها "سعد اليتيم" و"روايح" و"نعسة"، و"حسن ونعيمة" الذي حقق نجاحًا واسعًا، أشار إليه الراحل في حوار إذاعي سابق قائلًا: "حدث مرة وأن توقف سائق الأتوبيس للاستماع إلى مسلسل حسن ونعيمة في الراديو لدى احد المحلات في الشارع".
8- عمل كمساعد مخرج لاستيفان روستي في فيلم "الورشة"، إلى أن رشحه المخرج نيازي مصطفى لأول أدواره السينمائية في فيلم "مصنع الزوجات" مع محمود ذو الفقار، وبعدها توالت افلامه وبلغ عددها مائة فيلم منها "ابن البلد" و"شهداء الغرام" و"السوق السوداء" و"معلهش ياظهر" و"لك يوم يا ظالم" مع فاتن حمامة ومحسن سرحان، و"شيء من الخوف"، كما كان من أوائل الفنانين الذين قدموا شخصية "المدمن" بإتقان شديد في فيلم "الأخ الكبير"، حتى أنه ذكر في حوار صحفي أنه ذهب إلى قسم شرطة لاستئذان المأمور بتعاطي مخدر "الأفيون" من أجل الإحساس بشعوره لإتقان الدور، فنهره مأمور القسم وحذره من القبض عليه إذا ما فعل ذلك، ما اضطره للذهاب إلى مصحة علاج الإدمان لمعايشة الدور على أرض الواقع.
9- امتدت مسيرته الفنية لحوالي 62 عامًا، وصل خلالهم عدد الأعمال الفنية التي شارك بها لأكثر من 150 عمل بين سينما ومسرح وتلفزيون، حيث كان له نصيب من المسلسلات التليفزيونية، من أشهرها: "هند والدكتور نعمان"، و"أبو العلا البشري"، "ما زال النيل يجري" و"يوميات ونيس". 10- ساهم في إنشاء جمعية ومجلة "أنصار التمثيل"، وعمل كأستاذ جامعي في تدريس نظريات التمثيل وفن التعبير الحركي، وتعلم على يديه العديد من الفنانين في مصر والعالم العربي، ومنهم الفنانة كاميليا التي تعلمت منه اللغة العربية.
11- نال عدة جوائز وأوسمة وشهادات تقدير، فقد منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام 1967، وكذلك حصل على نفس الوسام في أكتوبر من عام 1979، بجانب شهادات تقدير من وزراء الإعلام، كما نال شهادة تقدير من إسبانيا عن فيلمه "الرجل والحصان"، بجانب تكريمه من ألمانيا على دوره "ابن صبيحة"، إلا أنه عاش حزينا من فقده التكريم الذي يستحقه في مصر عن هذا الدور، فقال في حوار صحفي سابق: "لو قدمت دور مثل دوري في فيلم لك يوم يا ظالم في أمريكا لحصلت من خلاله على الأوسكار". 12- انسحب من إحدى مسرحيات الفنان محمد نجم بعد خروج ممثلة عن النص المكتوب بطريقة مبتذلة لا تتوافق مع روح المسرح، الأمر الذي دفعه للانسحاب المفاجئ أمام الجمهور رغم توسلات أعضاء الفرقة.
13- أوضحت الفنانة كريمة مختار في حوار مع الإعلامية صفاء أبو السعود على شاشة راديو وتليفزيون العرب "ART" إنه ترَّدى به الحال مادياً قبل وفاته، وكان مستعداً لقبول دور مريض لإعانة نفسه.، وذلك حينما سألتها الإعلامية عن خوفها من البطالة الفنية، وإسناد أدوار تليق بالفنانين.
14- توفى الفنان محمد توفيق شيخ الممثلين في 27 مارس 2003 عن عمر ناهز 95 عامًا، بعد أن دخل في صراع مع المرض دام أكثر من عامين، وشارك في تشييع الجنازة التي خرجت من مسجد مصطفى محمود مجموعة كبيرة من الفنانين وأهل وأصدقاء الفنان الراحل.