إنه ذلك الصوت القادر على اختراق كل الحواجز والوصول إلى القلب مباشرة، صوت يجعلك فى حالة لا ترغب فى الخروج منها، لكنها تنتهى للأسف بمجرد انتهاء الأغنية، إنه ذلك الصوت المميز الذى تعرفه وسط عشرات الأصوات بل المئات منها، إنه صوت على الحجار الذى لا يمكن أبدًا أن تضبط نفسك وأنت «بتشبه» على صوته.. التقيناه لنتحدث معه فى حوار مطول عن أحدث أعماله الفنية «أغنية إحنا شعب وانتو شعب»، وحقيقة خلافه مع قناة «الجزيرة».. فى البداية سألنا الحجار عن استغلال أعمال الفنان بطرق ملتوية لتحقيق أهداف أو فكرة ما كاستغلال قناة الجزيرة أغنيته عن شهداء 25 يناير وتحويرها لتصبح عن شهداء الإخوان فرد قائلا: «عندما قامت ثورة 25 يناير وشاهدنا اهتمام قناة الجزيرة بتغطية أحداث الثورة اعتقدنا أن القناة قد غيرت من سياستها الهجومية السابقة تجاه مصر، ووافقت على طلب القناة لإجراء لقاء تلفزيونى مع المذيعة منى سلمان، التى تركت القناة الآن، وغنيت مجموعة من أغنياتى عن الثورة، وأعطيت القناة عددًا من الأغنيات المصورة. وقبلت دعوة من قناة الجزيرة عن طريق الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن لحضور مهرجان الفيلم التسجيلى السابع، وعندما ذهبنا وجدنا أن فيلم الافتتاح يظهر عظمة ثورة 25 يناير فى مصر، وبعد عدة أشهر دعتنى قناة الجزيرة ومعى الفنانون إيمان البحر وحميد الشاعرى ومجد القاسم ونصير شمّة إلى الاشتراك فى أوبريت عن الثورات العربية، فازدادت قناعتنا بأن القناة قد عدلت من مسارها بالفعل. لكن عندما قام الشعب بثورة 30 يونيو ضد حكم مرسى والإخوان انكشف النقاب عن قناة الجزيرة لنفهم أن القناة لم تكن تقف مع ثورة الشعب المصرى فى يناير، بل كانت مع الإخوان الذين عرفوا وقتها أنهم سوف يستفيدون من نجاح هذه الثورة، وبدأت القناة تزيّف الحقائق وتحاول أن تظهر للعالم أن المعتصمين فى معسكرى رابعة هم شعب مصر الحقيقى، وأنهم يتظاهرون بشكل سلمى لاستعادة حكم مصر بالشرعية، وأن الجيش والشرطة هم الأشرار الذين يقتلونهم ويعذبونهم. كما بدأت القناة تستخدم أغانى المطربين الذين عرفوا بمواقفهم الثورية لتؤكد أن شعب مصر هو الذى يتظاهر من أجل الحرية. وبدأت أرى أنهم يتعمدون إذاعة أغنية «الشهيد» على مشاهد تخص توجههم، وهو ما أزعجنى بشكل كبير، وجعلنى أتصل بالمسؤولين فى الصحافة والإعلام لتوضيح رفضى هذا التصرف غير الشريف. الحجار تحدث أيضا فى حواره عن أغنية «إحنا شعب وإنتو شعب»، التى قدمها فى شهر رمضان الماضى واصفًا إياها بأنها كشفت عن حقيقة ما تسبب فيه حكم محمد مرسى من انقسام لم يحدث منذ سبعة آلاف سنة لشعب مصر بداية من وقوفه أمام قصر الاتحادية ليخطب فى جمهوره الذى كانت تنتظره حافلات أتت به من القرى والمحافظات على مرأى ومسمع من الجميع وقف ليقول لهم «أهلى وعشيرتى»، واستثنى باقى شعب مصر. وحين بعث بخطاب خطير إلى رئيس وزراء العدو الإسرائيلى مع سفيره الجديد، الذى بدأه بجملة صديقى العزيز، وأنهاه بجملة أتمنى لكم الرغد فى بلادكم. ونهاية بكل هذه التهديدات التى كان يصرح بها من يقفون على منصة رابعة لأهل مصر والوعيد بالتفجيرات والاغتيالات والاعتراف الصريح بأن ما يحدث فى سيناء من دمار يمكن أن يتوقف فى الدقيقة التى يطلق فيها سراح محمد مرسى، هل يمكن تصديق أن هؤلاء هم شعب مصر. التى قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام بأن أهلها فى رباط إلى يوم الدين، لم أتت هذه الجماعة لتكفر شعب مصر بأكمله ولتقصيه بادعاء أنه صاحب حضارة كافرة يجب أن تدمر، متناسين أن الإسلام عندما دخل إلى مصر كانت هذه الحضارة موجودة، وأن الله عندما ذكر مصر فى قرآنه خمس مرات كانت هذه الحضارة موجودة. ناكرين أن الأزهر ظل منارة الإسلام فى كل دول العالم الإسلامى. وعن الاتهامات له بتقسيم الشعب المصرى يقول إن هؤلاء هم من قسموا شعب مصر والأغنية بريئة من الدعوة إلى التقسيم أو الإقصاء كما تدعى قناة الجزيرة، لأنها ليست موجهة إلى أى شخص أو جماعة تمارس حقوقها الدينية بطريقة سلمية. والحقيقة أنه لا يوجد فى مصر بيت بلا أصدقاء مسيحيين وأقارب من الإخوان المسلمين والسلفيين والصوفيين، وكنا وما زلنا وسنظل إخوة فى الله والوطن. ومن أغنيته الجديدة انتقلنا للحديث عن قدرته على الوجود وسط كل مسببات الغياب والاستمرار فى تقديم ما يمليه عليه فنه وذوقه رغم انسحاب 90 بالمائة من أبناء جيلك لعدم قدرتهم على الاستمرار، فأجاب قائلا إن هناك سببين رئيسيين جعلانى أستمر فى الغناء وسط كل ما أصابنا كمصريين من تعمد لتغييب الوعى على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، السبب الأول هو مشاهدتى تجربة والدى مع الفن، فقد قرر أن يتنازل عن حلم النجومية كمطرب ليربى أولاده عندما اصطدم بصراعات كثيرة فى الوسط الفنى لم يرغب فى الدخول إليها وتفرغ لتعليم الموسيقى والغناء لأجيال مختلفة تخرج فيهم عديد من مشاهير المطربين الآن، وأضاف: «استفدت من نصائحه المباشرة لى وقت أن رفض فكرة احترافى للفن خوفًا علىّ من أن ألاقى ما لاقاه من معاناة فى التعامل مع الوسط الفنى، وعندما سألته: ولم علمتنى فن الغناء؟ قال لى: علمتك لكى يرتقى ذوقك، ثم عندما أقنعه المقربون بالموافقة على احترافى قال لى عندى لك نصيحتان أولاهما أن تكون نفسك، ولا تقلد أحدًا مهما كان عظيمًا، والثانية أن تحاول أن تترك أغانى تعيش بعد مماتك، وأن لا ترى أغنياتك تموت وأنت حى ترزق، وكان له فضل أن أدخلنى (الكتّاب) لحفظ القرآن وعلم نطق مخارج الحروف. السبب الثانى هو واقعة حدثت لأحد أقاربى كان قد اعتقل سياسيًّا لفترة كنت أسمع فيها كلامًا من أخوالى وخالاتى عرفت بعدها أن هذا كلام فى السياسة، وأحببت جمال عبد الناصر من سماعى أغنيات صلاح جاهين وعبد الحليم حافظ، وصدقت أن عبد الناصر «حيفوت ع الصحرا تخضرّ»، وفرحت ببناء السد العالى وبزعامة جمال عبد الناصر للعالم العربى وقيادته دول عدم الانحياز، ومعظم دول قارة إفريقيا وقوة شخصيته أمام روسيا وأمريكا، وصدقت أن نهر النيل مصرى، ورأيت المدرس والطبيب المصرى الذى يعمل فى السعودية ودول الخليج يتقاضى مرتبه من الحكومة المصرية وعندما أنشئ التلفزيون كان اسمه التليفزيون العربى، نشأت وكبرت ونحن الرواد فى فن السينما والمسرح والأغنية والثقافة بشكل عام. كل هذا جعلنى أعرف أنه «إذا أردت أن تعرف حضارة أمّة فاعرفها من فنها»، فأصبحت لدى قناعة بأن الفن بالنسبة لى رسالة وهواية أحببتها وليس مهنة أو وظيفة. سألناه عن قدرته على تكوين جيل من المراهقين رغم اختلاف نوعية الغناء التى يفضلونها، وإن كان قد فكر فى تقديم الرائج حتى وإن خالف ذلك قناعاته الفنية لضمان الاستمرار كما فعل البعض من أبناء جيله فرد قائلا: «بما إنى ما زلت أريد تقديم أغنياتى للجمهور فليس من الطبيعى الانفصال عن متغيرات العصر، ولا بد من التعرف الدائم على موسيقى الشعوب الأخرى فى العالم، ومتابعة أنواع الغناء المختلفة التى يحب الناس الاستماع إليها فى مصر كما أنى أحرص دائمًا على العمل مع فكر الأجيال الشابة فى الكلمة والتلحين والتوزيع بجانب أصدقائى من جيلى لأن هذا أيضًا يساعد على مواكبة ذوق جميع من المستمعين. لكن هناك ضرورة لتمييز الفرق بين ما يجب أن يقدم لجمهور تم تغييب وعيه على مدى سنين طويلة لمجرد أن نرضيه وننال حبه وإعجابه وبين ما يجب أن نقدمه له لنرتقى بذوقه دون التعالى عليه، وأيضًا دون النزول لمستوى الأغانى التى تخاطب الغريزة، فمهمة الفن الحقيقية هى مخاطبة الوجدان والمشاعر والعقل وليس بإثارة الغريزة اللفظية أو المرئية». تحدث الحجار أيضا عن فكرة انشغال الفنان بالسياسة، وإن كان هذا الأمر يسحب من رصيده الجماهيرى لتبنيه وجهة نظر قد تتسب فى خسارته شريحة من الجمهور، قائلا إن بالطبع الفنان الذى ينشغل بالسياسة هو إنسان عرضت عليه «كما فى الحواديت» سكة السلامة وسكة الندامة وسكة اللى يروح مايرجعش، فاختار الأخيرة ووضع نفسه فى مواجهة كثير من الصراعات مع من يخالفون توجهاته وأفكاره وفى أحيان كثيرة يكون هذا الاختيار سببًا فى عرقلة مسيرته الفنية. وأحيانًا ما أسأل نفسى «لماذا لم أكتف بغناء عارفة واعذرينى وعنوان بيتنا والأغنيات العاطفية ويكون لى معجبات ومعجبين وأمتلك قصرًا وأعيش مكتفيًّا فى سلام أجدنى أرى أحداثًا فى بلدى التى تربيت من خيرها تجعلنى لا أستطيع الوقوف أمامها كمشاهد دون المشاركة فيها أو حتى إبداء رأيى بالطريقة التى أعرفها وهى الغناء. وعن استنزاف لعبة الإنتاج طاقة الفنان الفنية يقول: لقد تعودت أن أنتج أعمالى الفنية منذ عام 1981 ثم أبيعها لشركة إنتاج تمتلك علامة تجارية لتوزيع الألبومات فى الأسواق، وبذلك أضمن عدم تدخل المنتج فى اختيارات الأغانى، وكذلك حتى لا أشغل نفسى بالمحاسبات والإداريات، لأن هناك فرقًا بين التعامل المادى مع زملائى من المؤلفين والملحنين وبين التعامل مع عالم التسويق والتجارة، الذى لا أعرفه جيدًا. مضيفًا: «الآن أمتلك سجلًا تجاريًّا لشركة فنية باسم الحجار، وقد توصلت إلى اتفاق مع شركة صوت القاهرة لفسخ العقد الذى كان بيننا وسوف يكون الألبوم القادم ألبومًا عاطفيًّا بعنوان (من الآخر) من إنتاج شركتى».